نتيجة الثورة «نهايتها» .. لا «بدايتها»

عادل مرزوق - 2013-05-30 - 7:37 ص

عادل مرزوق* 

السؤال القاتل الذي غالباً ما يستخدمه المتعاطفون مع اتجاه إصلاح النظام في البحرين ضد دعاة الإسقاط، هو سؤالهم: عن الخطة؟ حسنا: هل قرأ أحد منكم خطة الإصلاحيين؟

وقبل الخوض في الإجابة عن هذا السؤال، بين تبني الجمعيات السياسية "المتردد" لمبادرة ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة التي أعلنها في 13 مارس/ آذار 2011، أو اعتماد وثيقة المنامة كرؤية سياسية للحل في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2011. ينبغي التأكيد على أن خارطة طريق الإصلاح السياسي في البحرين لا يمكن توقيتها في الحراك الوطني الذي انطلق في 14 فبراير 2011 وما بعده، فعلى الرغم من المتغيرات التي رافقت هذه الأحداث، إلا أن افتقاد المعارضة السياسية لخطة عمل قبل تلك الأحداث، يجعل الإشكالية تتوسع، وتتعقد.

وعلى أية حال، ليست هذه الإشكالية بحرينية صرفة، إذ يغفل الكثير من المنشغلين والمشتغلين بالثورات ومشاريع التغيير عن أن المطالبة بالتغيير على مستوى القادة أو الأنظمة السياسية موضوع بسيط على مستوى العنوان، فالأمر المعقد حقاً، هو إعداد خطة العمل لصناعة هذا التغيير. دلالة ذلك، مآلات ثورات الربيع العربي في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وبصورة أكثر مأساوية وظلامية في سورية.

قد يذهب البعض إلى أن مثل هذا التوقيت لا يبدو مناسباً لسبر أو فتح دفاتر المراجعة والتدقيق، وربما المحاسبة لحراك المعارضة السياسية في البحرين. لكن من المهم أيضاً، أن لا نغفل حقيقة قارة، وهي أن "صلاحية التوقيت" تبرير مستهلك، نستطيع توظيفه قبالة أية قراءة نقدية بقطع النظر عن توقيتها.

قفلة "رويترز" الملعونة

تميل وكالة رويترز للأنباء منذ 15 مارس 2011 إلى استخدام "قفلة" مزعجة لخبرها البحريني، إذ تقول: "يذكر أن البحرين شهدت اندلاع انتفاضة شعبية في 14 فبراير العام 2011، وسحقتها (قمعتها) الدولة في 15 مارس من العام ذاته". 

وبقدر ما تقدمه هذه القفلة الإخبارية للوكالة من إيحاء سلبي لمناصري الثورة في البحرين، بقدر ما تكون كتابة الخبر ذاته، دليلاً على أن الثورة التي "سحقت" لا تزال حية، وإلا، فلماذا تنشر الوكالة الخبر من الأساس.

وعليه، ومن خلال هذا الشاهد الذي تدعمه شواهد أخرى، لا يمكن الخلاص إلى أن الدولة (وحدها) من تعيش "الورطة". وكما سقطت عن الملك حمد بن عيسى آل خليفة دعايته السياسية بوصفه الملك الإصلاحي في منطقة الخليج العربي، فقدت قوى المعارضة أيضاً الكثير من قوتها، وزخمها، وضجيجها الدولي. خصوصاً وأن غالبية التغطيات والمعالجات الدولية للملف البحريني باتت تتركز على الملف الحقوقي، لا السياسي. 

وكما تكابر مؤسسة الحكم في البحرين رغم تكدس خسائرها السياسية حد فقدان الشرعية للنظام، وبما يشمل الخسائر الاقتصادية التي حملت خزينة الدولة ديناً عاماً يزيد عن 5.3 مليار دولار بحسب صندوق النقد الدولي، فإن قوى المعارضة في الداخل تكابر هي الأخرى في تأكيداتها على الاستعداد لمواصلة الحراك لعامين، وثلاثة، ولعشرة أعوام. إذ ليس ثمة على الأرض ما يوحي بذلك.

تستطيع الجمعيات بسقف حراكها أن تزعج النظام، أن ترهقه، وأن تزيد من عزلته السياسية داخلياً وخارجياً، لكنها لن تصل به إلى ذلك الحد الذي تجبره فيه على تقديم تنازلات حقيقية، تتوافق وما طالبت به في وثيقة المنامة، سواء على طاولة الحوار المحلية، أو على طاولة الإقليم. ولأن نهاية الثورات هي (الموضوع) لا بدايتها، تكون كل نجاحات المعارضة السياسية والإعلامية والحقوقية معلقة بما تعتقد الجمعيات السياسية أنها بصدد إنجازه، والظفر به.

واشنطن: صديقة من؟

من نافلة القول، التذكير بقاعدة الجفير التي تحتضن الأسطول الأمريكي الخامس، أو التذكير بتوقيع حكومة البحرين والحكومة الأمريكية في 27 أكتوبر/تشرين الأول من العام 1991 اتفاقية الدفاع المشترك. حينئذ دخلت البحرين رسمياً تحت المظلة الأمريكية سياسياً وعسكرياً، لتستكمل المظلة الاقتصادية في سبتمبر 2004 بالتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة، رغم المعارضة السعودية.
 
ومن نافلة القول أيضاً، التذكير بحجم الاستياء الذي تخرج به صفحات الإعلام الرسمي وتصريحات المسؤولين في حكومة المنامة مما يسمونه: "تدخلات السفير الامريكي"، بالإضافة إلى ما تنشره وزارة الخارجية الأمريكية والصحافة وجماعات حقوق الإنسان في واشنطن من أخبار وتقارير وبيانات لاذعة لحكومة المنامة. وهو ما يستدعي التساؤل: واشنطن صديقة من؟

أن تكون الإجابة بالقول إن واشنطن تبحث عن مصالحها، تلك إجابة كلاسيكية، أو لعلها استنساخ ممجوج لمصطلح "المؤامرة" الذائع الصيت في كلاسيكيات التحليل السياسي. فواقع الحال، أن كلا الخصمين - حكومة المنامة ومعارضتها – هما من يبحثان عن مصالحهما هناك.

وعوض الانشغال بالنظام وعلاقاته الإستراتيجية بالولايات المتحدة التي تتماثل في تفاصيلها مع دول الخليج العربي الأخرى. يجدر الانتباه إلى ما هو جديد، وهو تكتيك قوى المعارضة في الاستناد على الولايات المتحدة لسببين رئيسيين. الاول هو "الفكاك" من تهمة الارتباط التاريخي بين المعارضة ذات الأغلبية الشيعية بطهران. والثانية، هو استثمار السياسة الأمريكية الجديدة في دعم التحولات الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن تبينت واشنطن أن رعايتها للدول الدكتاتورية قد ارتدت عليها بعديد الخسارات. 

وفيما حققت المعارضة نجاحات غير مسبوقة في اختراق الملف الدولي، وفي مزاحمة الوزراء والمسؤولين في واشنطن والعواصم الغربية، استطاعت الدولة – تساندها الميزانية المفتوحة لشركات العلاقات العامة في واشنطن ولندن – تعكير صفو هذه النجاحات، وتحديد آثارها. والأهم من ذلك، أن الآليات التي قدمتها واشنطن وساندها الاتحاد الأوربي، كانت دائماً وأبداً، محدودة التأثير. يتأكد ذلك على الأقل، من خلال شكوى الحقوقيين البحرينيين والمعارضة من أن توصيات جنيف التي اعتبرت انتصاراً تاريخيا تفتقد للآلية الضامنة للتنفيذ، وأن مصير التوصيات يسير في الطريق الذي آلت إليه توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق. 

*صحافي بحريني.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus