خيار العزلة وخطر السيادة القائم

عادل مرزوق - 2011-05-20 - 6:54 ص

عادل مرزوق


لم تبقَ منظمة أو هيئة دولية تعنى بخصوص حقوق الإنسان أو الحريات الاعلامية والصحافية أو حقوق العمال أو الأطباء إلا ووصمتها وكالة أنباء البحرين بالكذب وتزييف الحقائق! إقليمية كانت هذه المنظمات أو دولية، كلاهما سيان، فكل ما أصدرته هذه الهيئات والمنظمات من بيانات ومواقف داعمة للشعب البحريني هو بيانات ومواقف مبنية على كذب وتلفيق واتهامات عارية من الصحة! والنتيجة، أن وكالة أنباء البحرين وحدها في هذا العالم من تقول الحقيقة!.


كان الحري بالنظام أن يفهم، أن العزلة، ولا شيء غير العزلة، هي كلفة الانقلاب على خيار الحوار والجلوس على طاولة الحوار، وأن الإدانة هي كلفة القتل والعنف والتهجير والاعتقالات والإقالات الطائفية، وأن صورة الدولة الشريرة هي كلفة تسليم البلد لفئة متهورة مراهقة لم تعِ أن الوقت غير الوقت، وأن الإعلام لم يعد أداة يسهل الإمساك بها، وتوجيهها كما تريد الدولة. إن كان النظام يعلم خواتيم ما اختار، فعليه تحمل خياراته والقبول بأن تصطف البحرين ضمن قائمة الدول الرجعية المناهضة للكونية الجديدة، أفكاراً، ومبادئ، وخيارات. وإن كان يجهل، فعلى الممسكين بزمام القرار، أن يحاسبوا من تسبب في كل هذه الفوضى والخسارات. وعليه قبل ذلك، أن يدفع كلفة ما اقترف من أخطاء.

وحتى يعي النظام أخطاءه ويعترف بها، فإن سجل الخسارات يتراكم، داخل البحرين وخارجها.

إن إيقاف نزيف هذه الخسارات المتراكمة مرهون بقرار شجاع من رأس السلطة، قرار يعترف بالأخطاء وأن من أمسكوا بزمام إدارة الملف لم يكونوا أهلاً لأن يمسكوا بشيء من مفاصل الدولة ومراكز القرار فيها، وأن يسعى هذا القرار إلى أن يؤسس لإصلاح هذه الأخطاء وما نتج عنها من خسارات. صحيح أن كلفة إصلاح ما تم تخريبه والعبث به باتت باهظة، وأن أحداً لا يستطيع ضمان أو تأكيد مآلاتها. لكنها كلفة يعتقد الكثيرون أنها لا تزال في اليد، فالتاريخ السياسي في الخليج لم يخبرنا بشعب أكثر سماحة ومحبة من هذا الشعب. فكلما زادته الدولة ظلماً وقهراً زاد أبناء هذه الأرض تأكيدا على إنسانيتهم الرفيعة، وكلما استقبلت هذه الأرض المزيد من جثث الضحايا وصرخات الأرامل والأيتام والمعتقلين المعذبين في نقاط الاحتجاز زاد نضج هذا الشعب وتمثلت مدنيته بوضوح. كلما برهن النظام على مراهقته وأنه النظام الذي لا يستفيد من أخطائه، قدم أبناء البحرين من دلالات النضج ما يعادل هذه المراهقة كلفة وتأثيراً.


لم يبقَ للدولة مرتكز دولي واحد تستند عليه، فحتى المواقف الخليجية التي يصطنعها الإعلام الرسمي قبل يوم أصبحت مفضوحة. قبال ذلك، ثمة إجماع وموقف ثابت من جانب العواصم الكبرى العالمية والهيئات والمنظمات الدولية في الوقوف مع أبناء هذا الوطن في هذه المحنة. موقف يؤكد ما طالبت به القوى المجتمعية من حقوق ويستنكر ما أقدمت عليه آلة العنف البحرينية من جرائم. ومن نافلة القول التأكيد، على أن الإدعاءات بأن البحرين هي النموذج المتقدم في الاتجاه نحو الحكم الديمقراطي الرشيد في منطقة الشرق الأوسط قد تبخرت، وأن الحل الأمني الذي اختطفته الفئة المتشددة في مواطن صنع القرار لتفرضه أمراً واقعاً أمام مبادرة ولي العهد للحوار التي تم اختطافها، قد كلف النظام الكثير، داخلياً وخارجياً.


لقد مزق خيار العنف والقتل والاستهداف الطائفي اللحمة الوطنية، وكان للعب الدولة بالورقة الطائفية والاستهداف الطائفي وفي شطرها وتقسيمها مواطنيها لشطرين محاذير تحققت اليوم على أرض الواقع. فليس في الدولة بعد اليوم مؤسسة أو هيئة أو وزارة أو قطاع لم تعبث به الطائفية الحكومية، وليس لأحد في الواقع أن يتنبأ بما ستحمله الأيام المقبلة من مفاجآت بعد أن يستوي المشهد السياسي في المرحلة المقبلة بعد الأول من يونيو المقبل. وخلاف ذلك، فإن ملامح التسوية المرتقبة لم تتضح بعد، من المنتظر أن يكون لولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة زيارة للندن وباريس وواشنطن لمناقشة هذه التسوية بحسب بعض التسريبات. لكن أحداً لا يكشف بعد عن ملامح هذه التسوية، وقتها، أو حتى شركائها الحقيقيين في الداخل. وقبل ذلك، ثمة سؤال كبير حول مدى قدرة ولي العهد وهذه التسوية، على تجاوز حائط صد الصقور في العائلة الحاكمة.


في اليد اليوم المحاور التي طرحتها مبادرة ولي العهد للحوار الوطني قبل أن يتم اختطافها، والقاضية بالتحول المباشر نحو ملكية دستورية حقيقية يقرها مجلس تأسيسي أو تعديل دستوري شامل، يضاف لذلك استبعاد مباشر لجميع الوزراء والمسؤولين المعنيين بما شهدته البحرين منذ الرابع عشر من فبراير حتى اليوم، وصولاً لإقرار المحاكمات القضائية النزيهة لكل من قتل وعذب أو اساء استخدام السلطة في التنكيل بأبناء وطنه وتصفية حساباته الخاصة. أما المربك فعلاً، هو أن يكون كل هذا أقل ما يمكن أن يتضمنه  خيار "تسوية" ما قد تقبل به الجمعيات السياسية وجمهورها. وليس أمام الدولة اليوم سوى خيط الجمعيات السياسية قد أن مزق خيار العنف كل الخيوط الأخرى.


وخلاف ذلك، تستطيع الدولة أن تستمر في سياسة فرض الأمر الواقع، لكنها بذلك تكون قد اختارت البقاء في ادارة شبح دولة، دولة ممزقة، مهووسة بالعنف والاعتقالات، مكروهة ومستنكرة من الأسرة الدولية، بالإضافة لما قد يفضي به خيار العنف المتواصل من تطورات داخلية واقليمية خطيرة. وحينها ستكون سيادة الدولة وبقاؤها، في خطر كبير.


* صحافي وكاتب بحريني


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus