» رأي
الأول من مايو/آيار البحريني: اتهامات لا تنتهي
يوسف سلمان يوسف - 2013-05-01 - 5:13 م
يوسف سلمان يوسف*
ظلت السلطة على الدوام منذ التحركات العمالية الأولى في الثلاثيات حتى العام 2002 لا تعترف بحق العمال في عيدهم العالمي المجيد وكانت تعتبر كل من يحتفل به خارجاً عن القانون وتعاقبه بالسجن والتعذيب، لكن حناجر الطبقة العاملة البحرينية وجميع الكادحين والمتعاطفين معها استمرت بالصراخ والتمرد لكسر (التابو).
تحدت التحركات العمالية بشكل سري وعلني أحياناً إرهاب السلطة والمخابرات البريطانية والقوانين القمعية، تارة تحتفل في البساتين والتظاهر كما كان في الخمسينات والستينات والسبعينات، وتارة أخرى بالاحتجاج والإضرابات العمالية في المصانع والمعامل والورش، كما في الثمانينات والتسعينات حتى بدايات الألفية الثالثة وكانت تهتف دون كلل للأول من مايو/آيار مطالبة بعطلة رسمية لهذا اليوم المجيد وتدعو لوحدة الطبقة العاملة المحلية والعالمية لانتزاع حقوقها المشروعة من الشركات الاحتكارية والسلطة، فيما جوبهت بتعسف وقمع دائمين عن طريق الفصل والاعتقال والتنكيل تحت مسميات مختلفة، مرة مؤآمرة لأيدي خفية شيوعية، ومرة أخرى أيدي قومية أو إيرانية وزعزعة الاقتصاد الوطني وهروب الشركات إلى بلدان مجاورة ليس بها إضرابات وتحركات عمالية.
وقد سجل العام 1974 حدثين تاريخيين كبيرين في منعطف نضالات الطبقة العاملة البحرينية بعد نهاية الدور الذي لعبته "اللجنة التأسيسية للاتحاد العام للعمال والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة بالبحرين في عام 1972 "، الحدث الأول؛ هو مرور نحو ستة شهور على أول انتخابات لمجلس وطني (البرلمان)، والثاني، هو تأسيس النقابات العمالية الأربع التي انبثقت في "مصنع الألمنيوم"، و"وزارة الصحة" و"إدارة الكهرباء" ونقابة "البناء والمهن الإنشائية" ثم خروج أول مسيرة مُخطر عنها رسمياً على مضض بعد طول مكابرة للسلطة لعرقلتها، حين وقع نشطاء عماليون على طلب الترخيص للاحتفال بعيد العمال العالمي، ومن بين الموقعين على هذه عباس عواجي (نقابي عمالي وسياسي/ رئيس نقابة البناء والمهن الإنشائية السابقة)، المرحوم جليل الحوري (ناشط عمالي وسياسي) وأحمد سند البنكي (ناشط عمالي) ومحمد الريّس (ناشط عمالي وسياسي) وآخرون.
وقد سُلم الخطاب إلى وزارة الداخلية، وبعد مفاوضات واستدعاء من قبل وزير الداخلية آنذاك الشيخ محمد آل خليفة وعناصر من المخابرات ووزير العمل إبراهيم حميدان، لكن السلطة كعادتها حاولت أن تعطي تبريرات وذرائع لمنع المسيرة وإظهار نفسها بمظهر الأمين على مصالح الناس والبلاد والعباد وأنها تفهم مصلحتهم أكثر منهم، وعلى العكس من ذلك، إظهار العمال والحركة النقابية ونشطائها بمظهر المخربين والفوضويين الذين لا هم عندهم سوى إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار، فقالت للمتفاوضين معها: أن البلاد للتو دخلت المسيرة الديمقراطية، فلا تحتمل "هزات وقلاقل وفوضى وتخريب".
ففي الأول من مايو/آيار 1974 خرج العمال في المسيرة السلمية المُصرح لها، وذلك بعد أن تعهد النشطاء العماليون باحترام السلمية وعدم الخروج على القوانين فتحركوا من موقع وزارة العمل آنذاك باتجاه مبنى البرلمان مطالبين النواب أن ينصفوا بعض الحقوق العمالية لهم في "زيادة الأجور، وبحرنة الوظائف بتوظيف العمالة البحرينية في المؤسسات الرسمية وتشغيل العاطلين، فيما قام المتظاهرون بتسليم (المرحومين، حسن الجشي وعبد الله المدني ـ الرئيس ونائبه بالمجلس الوطني) رسالة تتضمن مطالبهم، وبعد يومين من تسليم هذه الرسالة، باشر البرلمان من خلال كتلة الشعب اليسارية بطرح الموضوع للمناقشة.
بعد نحو شهرين من مسيرة الأول من مايو/آيار، وتحديداً في 25 يونيو 1974، صعد العمال مطالباتهم وصعدت السلطة من جانبها هجماتها عليهم، حيث شنت السلطة في فجر ذلك اليوم حملة اعتقالات وداهمات واسعة شملت عشرات منازل المناضلين والنقابيين ليضافوا إلى العشرات من عمال مصنع الألمنيوم (ألبا) المضربين والذين تم اعتقالهم من موقع عملهم قبل ذلك بأيام.
الأمس كما اليوم، فقبل بدء الاعتقالات والمداهمات تُهيئ السلطة لانتهاكاتها ضد العمال والمتعاطفين معهم من الكادحين، بحملة إعلامية، ترطن بلغة اتهامات في قوالب جاهزة مثل:" الأيدي الخفية التي تستهدف استقرار البلاد وإيقاف ازدهارها" ثم يطالب هذا الإعلام عبر صحافته الصفراء (الأضواء والمواقف آنذاك) بـ"الضرب بيد من حديد كي لا تفقس بذور الشيوعية في بلادنا"، فيما طالبت الحكومة عقد جلسلة سرية ألقى فيها وزير الداخلية خطبة عصماء على شكل بيان تباكى فيه على "الديمقراطية وعلى الازدهار المهدد بالزوال بسبب رغبة الشركات الأجنبية في نقل مكاتبها إلى إمارات الخليج الأخرى، حيث لا اضرابات ولا تحركات عمالية"، وقال في نهاية بيانه: "إن كل ما يجري هو مؤامرة شيوعية تستهدف الخليج بأكمله انطلاقاً من البحرين".
الأمس كما اليوم، ظل الحراك العمالي رافداً للحركة الوطنية، وكان دائماً في طليعة الانتفاضات والثورات ومتضامن قوي مع الحراك الوطني المطالب بالعدالة الاجتماعية والديمقراطية والتحرر من الاستبداد، ودفع ثمناً باهضاً تجلى ذلك في ثورة 14 فبراير لتضامنه مع التغيير الذي تنشده جماهير شعبنا، حيث تم فصل واعتقال وتعذيب الآلاف من العمال والكادحين، فيما لعبت السلطة ومن ورائها النقابات الصفراء كالاتحاد الحر للنقابات بقيادة علي البنعلي دوراً مكارثياً في الفصل على الهوية، غير أن نضالات الطبقة العاملة التي انتزعت حق العطلة الرسمية لعيد العمال في العام 2002، مثل بقية الدول تحتفل هذا العام وبحوزتها حزمة من الاستحقاقات والمطالب المشروعة.
*كاتب بحريني.