"المشير" الخاسر
نادر المتروك - 2011-05-15 - 10:49 ص
نادر المتروك
لا تستطيع القوّات العسكريّة أن تحسم في أيّامٍ ما لم تستطعه في شهرين.
وأسوأ من ذلك، فكلّ الذين لم يصدّقوا "خليّة البندر"؛ هم اليوم أمام مشاهد حيّة متكرّرة وأكثر تفصيلاً ممّا كتبه المستشارُ الحكومي السّابق، صلاح البندر. ومع ذلك، فماذا حقّقَ العسكر؟ عملية "الفاروق" لم تُنجِز ما يمنح عسكرياً نبيلاً الفخرَ والاعتزاز.
لم تُطلَق "رصاصة واحدة" في عملية "تطهير" دوّار اللؤلؤة ومستشفى السّلمانيّة، وذلك يُثبت أنّ المعتصمين كانوا مسالمين وعُزّلا، وليس بأيديهم أيّ سلاح. فلماذا تدخّلت الجيوشُ إذن؟ لا توجد إجابة "محلّية" مُقنِعة على هذا السّؤال، فكلّ المبرّرات التي سبق وأنْ سيقت، أصبحت رماداً بعد خطبة عاهل البلاد أمام جمْع من رجال الدّين الأسبوع الماضي.
لكي تقترب الصّورة الفاضحة أكثر، فإنّ ما أكّد العاهلُ على نفيه، يصرُّ الحكّام العسكريون في هذه البلاد على إثباته ليلَ نهار، وهي إشارة على توزّع القرار الرّسمي على أكثر من فريق وخيار، وأنّ المعضلة في الأساس ليست في مكانٍ بعيدٍ عن داخل العائلة نفسها، ومن المؤسف أنّ العساكر حتّى السّاعة لازالت لهم اليد الطولى، وتمدّهم "الشّقيقة" الكبرى بأخطر المؤن؛ أيديولوجيا الاقتلاع المذهبي.
في العسكريّة، وحين تنزل الجيوش الجرّارة، يُفترض أن يكون الطرف الآخر مدجّجاً بالسّلاح، أو يُهدِّد النظامَ بالتآمر الأجنبي لتهريب المرتزقة.
لأنّ لك لم يحدث في البحرين، فإنّ العسكر - وفي كلّ يوم يتواصل وجودهم في الشّوارع وفي أزقة البيوت - كانوا ينهزمون هزيمةً جديدة.
إلا أنّ أكبر هزيمة أوقعوا أنفسهم فيها؛ هي فشلهم في اختراع "العدو".
العارفون في الإستراتيجيا، يعلمون أنّ مستوى الإتقان في صناعة "العدو"؛ يُحدِّد حدودَ المعركة ونتائجها، وأفضل قادة العسكر في التّاريخ هم أولئك الذين بَرَعوا في تصميم الأعداء و"إلهاء" النّاس بتخيّلهم أطول وقتٍ ممكن. لم يقتصر الأمر على الفشل في إقناع الرّأي العام بالعدو الصّفوي، ولكنهم استطاعوا توريط عدد كبير من المثقفين والكتّاب والجماعات في صناعة الفشل، وتحوّل هؤلاء جميعاً إلى جنودٍ ينفّذون الأوامر دون نقاش.
هكذا باتت الشّركات والوزارات والهيئات الحكوميّة ووسائل الإعلام.. محاكماتٍ ميدانيّة تُلقي الأحكامَ الجاهزة وترمي "الخونة" خارج الحياة. حين يعود الجُند إلى الثّكنات؛ سيبقى "جنود الاحتياط" في الميدان والمؤسسات، وعلى صفحات الجرائد، وهؤلاء سيكونون آجلاً في مواجهة حقيقتهم الجديدة غير السّارة، وحينها لن يغفر لهم إلا تسامح ضحاياهم. ولكن التّاريخ لا يغفر!