» رأي
الغبي والأغبى في المشهد البحريني
محمد نجم - 2011-05-14 - 6:53 ص
محمد نجم
إذا كان القول المأثور "الناس على أديان ملوكهم" صحيحا فهو في مملكة البحرين كان أصح من أي مكان آخر حيث من السهل ملاحظة أن غباء المعارضة في عدم اقتناص فرص الحوار وحسم العلاقة بين الملكيين الدستوريين و الجمهوريين، لم يكن يضاهيه بل يفوقه غباء إلا غباء السلطة وبوقها "تجمع الوحدة الوطنية" في تحويل القضية من حركة مطلبية مدنية إلى حركة شيعية تريد إنشاء دولة شيعية بنظام "ولاية الفقيه" أو بالشكل العراقي كما صرح عبداللطيف المحمود في نسخته الأخيرة، في مؤتمره الصحفي المرتب له سلفا في القاهرة والذي منع منه صحفيو الرأي الآخر لكي يخلو له الجو وحده.
كانت الأنباء تتوارد إبان صعود حركة دوار اللؤلؤة عن الضغط الذي يتعرض إليه جناح الحوار في النظام الحاكم لحسم الحل مع المعارضة وإلا فإن القبضة الحديدية جاهزة لكن المعارضة ماطلت برعونة غريبة وبدا أنها غير مصدقة بأن الوضع خطير إلى درجة كانت تستدعي العمل والحساب بعقلية إليكترونية سريعة تحلل وتجمع وتطرح وتضرب وتقسم وتقرر قبل أن تنزل العقب الحديدية.
وصلت الأمور إلى ورود رسالة شفوية من مسئول كبير يرجو فيها فتحاً جزئياً فقط لطريق المرفأ المالي وبقاء التجمع في الدوار كما هو لكن الراديكاليين هددوا بالانسحاب من الجلسة إن وافقت المعارضة على فتح الطريق وحدثت مشادة في تلك اللحظة العاصفة بين فريق كان يرى في إغلاق طريق المرفأ المالي إكراها للناس على إضراب قد لا يرغبون فيه وبين فريق مصر على أن هذا الإغلاق عمل مدني مشروع وأنه كان وسيلة لمنع قوات الأمن من الوصول إلى الدوار. وبينما كان الوسيط عالي المستوى المرسل من الحكومة ينتظر كلمة الحسم من المعارضة كان هؤلاء باردين بما يكفي للنوم حتى اليوم التالي في وقت كانت طبول درع الجزيرة تدق نفيرها الأول.
كان هذا البرود بالطبع رعونة لا تغتفر ومقامرة بمصير حركة شعبية شبابية أذهلت العالم بسلميتها وحضاريتها ومدنيتها. لكن جزءا من هذا الحذر المبالغ فيه والبرود والبطء في حساب الخسائر والأرباح واتخاذ القرار المناسب يعود لتركيبة القيادات الدينية والليبرالية لا التركيبة المنهجية فقط والتي جعلتها عاجزة عن حسم هويتها منذ انطلاق الإصلاحات الملكية في مطلع القرن الحادي والعشرين ولكن التركيبة النفسية أيضا بكل ما فيها من عقد فردية تتعلق بوسواس الطهارة والنجاسة لدى كبرى القيادات الدينية تحديدا ووسواس فوبيا التخوين والردة على الجماهير والخوف من القطع مع التطرف ومن تحديد عقيدة واضحة للثورة لدى كل القيادات دينية وليبرالية. لم يكن درس الثورة المصرية حاضرا للأسف وهي التي أجلت جميع انفجاراتها لما بعد الانتصار وحددت هدفها في غاية واحدة فقط "رحيل مبارك".
لكن الأغبى من المعارضة طبعا كانت هي السلطة التي بدا أنها هي الأكثر استخداما بين الجميع لحبوب الهلوسة والتي أوصلتها أخيرا بعد عدة سيناريوهات تتغير في اليوم والليلة إلى اختيار سيناريو عزو كل ما حدث لمسعى إرهابي شيعي لإنشاء دولة ولاية فقيه. ومكمن الغباء في هذا السيناريو هو أن إيران نفسها ناهيكم عن المجتمع الشيعي عامة قد بدأ يفكك نظرية ولاية الفقيه حتى لا أقول ينساها ولم يعد أحد أصلا يتذكر من هذه النظرية سوى اللحظة التي جاء فيها الإمام الخميني إلى إيران في نهاية السبعينيات تماما كما أن كل ما بقي من الماركسية اللينينية هو رومانسية لحظات البلاشفة الحمر وهم يسقطون الإقطاعية في روسيا في عشرة أيام. لقد أحيا غباء السلطة وبوقها "تجمع الوحدة الوطنية" فكرة ولاية الفقيه من جديد في الذاكرة الشيعية الفتية لشباب لم يعيشوا اللحظة الخمينية أصلا وهم يتعاطفون مع إيران بحكم العادة فقط أكثر مما هم بحكم الإيمان بنموذج ولاية الفقيه. وكان تخبط الشيخ المحمود بوصفه منظرا لهذا السيناريو واضحا وهو يتهم الثوار الشباب بطلب نظام ولاية فقيه كإيران ثم يستدرك في القاهرة فيقول دولة شيعية على غرار العراق و التي هي ليست كإيران طبعا. لقد سوقت السلطة بغبائها المنقطع النظير لفكرة هي منذ زمن بحكم الموت السريري حتى أن آخر ما كتب بإسهاب عن نظرية ولاية الفقيه في الفكر الشيعي قد مضى عليه نحو عقد من الزمن وحتى إن الفقه الشيعي السياسي قد بدأ يغلب عليه الطابع البحثي في المدنية والحداثة ولم يعد للفقيه أصلا هذه الرمزية والقوة التي تصورها السلطة، بل إن حركة 14 فبراير/ شباط نفسها كانت خلعا من ربقة الولي الفقيه. لكن السلطة بالطبع في نسختها السلفية أعادت الحياة لنظرية ولاية الفقيه حين أعطتها كل هذا الزخم في الوجدان الشيعي، وعليها في الأجل المنظور أن تدفع ثمن هذا الإلهام العظيم الذي خلقته بوهمها في أذهان الناس حين جعلت للولي الفقيه هالة تتمتع بكل هذا السحر الذي يجعل من الولي الفقيه محركا لعشرات الآلاف من الناس يوميء فيذهبون حيث يريد. إنه مجد لم يكن الولي الفقيه نفسه يحلم به أصلا فقدمته له السلطة بجناحها السلفي "والليبرالجي الجديد" على طبق من ذهب من مزيج الغباء والرعونة.
إذا كان القول المأثور "الناس على أديان ملوكهم" صحيحا فهو في مملكة البحرين كان أصح من أي مكان آخر حيث من السهل ملاحظة أن غباء المعارضة في عدم اقتناص فرص الحوار وحسم العلاقة بين الملكيين الدستوريين و الجمهوريين، لم يكن يضاهيه بل يفوقه غباء إلا غباء السلطة وبوقها "تجمع الوحدة الوطنية" في تحويل القضية من حركة مطلبية مدنية إلى حركة شيعية تريد إنشاء دولة شيعية بنظام "ولاية الفقيه" أو بالشكل العراقي كما صرح عبداللطيف المحمود في نسخته الأخيرة، في مؤتمره الصحفي المرتب له سلفا في القاهرة والذي منع منه صحفيو الرأي الآخر لكي يخلو له الجو وحده.
كانت الأنباء تتوارد إبان صعود حركة دوار اللؤلؤة عن الضغط الذي يتعرض إليه جناح الحوار في النظام الحاكم لحسم الحل مع المعارضة وإلا فإن القبضة الحديدية جاهزة لكن المعارضة ماطلت برعونة غريبة وبدا أنها غير مصدقة بأن الوضع خطير إلى درجة كانت تستدعي العمل والحساب بعقلية إليكترونية سريعة تحلل وتجمع وتطرح وتضرب وتقسم وتقرر قبل أن تنزل العقب الحديدية.
وصلت الأمور إلى ورود رسالة شفوية من مسئول كبير يرجو فيها فتحاً جزئياً فقط لطريق المرفأ المالي وبقاء التجمع في الدوار كما هو لكن الراديكاليين هددوا بالانسحاب من الجلسة إن وافقت المعارضة على فتح الطريق وحدثت مشادة في تلك اللحظة العاصفة بين فريق كان يرى في إغلاق طريق المرفأ المالي إكراها للناس على إضراب قد لا يرغبون فيه وبين فريق مصر على أن هذا الإغلاق عمل مدني مشروع وأنه كان وسيلة لمنع قوات الأمن من الوصول إلى الدوار. وبينما كان الوسيط عالي المستوى المرسل من الحكومة ينتظر كلمة الحسم من المعارضة كان هؤلاء باردين بما يكفي للنوم حتى اليوم التالي في وقت كانت طبول درع الجزيرة تدق نفيرها الأول.
كان هذا البرود بالطبع رعونة لا تغتفر ومقامرة بمصير حركة شعبية شبابية أذهلت العالم بسلميتها وحضاريتها ومدنيتها. لكن جزءا من هذا الحذر المبالغ فيه والبرود والبطء في حساب الخسائر والأرباح واتخاذ القرار المناسب يعود لتركيبة القيادات الدينية والليبرالية لا التركيبة المنهجية فقط والتي جعلتها عاجزة عن حسم هويتها منذ انطلاق الإصلاحات الملكية في مطلع القرن الحادي والعشرين ولكن التركيبة النفسية أيضا بكل ما فيها من عقد فردية تتعلق بوسواس الطهارة والنجاسة لدى كبرى القيادات الدينية تحديدا ووسواس فوبيا التخوين والردة على الجماهير والخوف من القطع مع التطرف ومن تحديد عقيدة واضحة للثورة لدى كل القيادات دينية وليبرالية. لم يكن درس الثورة المصرية حاضرا للأسف وهي التي أجلت جميع انفجاراتها لما بعد الانتصار وحددت هدفها في غاية واحدة فقط "رحيل مبارك".
لكن الأغبى من المعارضة طبعا كانت هي السلطة التي بدا أنها هي الأكثر استخداما بين الجميع لحبوب الهلوسة والتي أوصلتها أخيرا بعد عدة سيناريوهات تتغير في اليوم والليلة إلى اختيار سيناريو عزو كل ما حدث لمسعى إرهابي شيعي لإنشاء دولة ولاية فقيه. ومكمن الغباء في هذا السيناريو هو أن إيران نفسها ناهيكم عن المجتمع الشيعي عامة قد بدأ يفكك نظرية ولاية الفقيه حتى لا أقول ينساها ولم يعد أحد أصلا يتذكر من هذه النظرية سوى اللحظة التي جاء فيها الإمام الخميني إلى إيران في نهاية السبعينيات تماما كما أن كل ما بقي من الماركسية اللينينية هو رومانسية لحظات البلاشفة الحمر وهم يسقطون الإقطاعية في روسيا في عشرة أيام. لقد أحيا غباء السلطة وبوقها "تجمع الوحدة الوطنية" فكرة ولاية الفقيه من جديد في الذاكرة الشيعية الفتية لشباب لم يعيشوا اللحظة الخمينية أصلا وهم يتعاطفون مع إيران بحكم العادة فقط أكثر مما هم بحكم الإيمان بنموذج ولاية الفقيه. وكان تخبط الشيخ المحمود بوصفه منظرا لهذا السيناريو واضحا وهو يتهم الثوار الشباب بطلب نظام ولاية فقيه كإيران ثم يستدرك في القاهرة فيقول دولة شيعية على غرار العراق و التي هي ليست كإيران طبعا. لقد سوقت السلطة بغبائها المنقطع النظير لفكرة هي منذ زمن بحكم الموت السريري حتى أن آخر ما كتب بإسهاب عن نظرية ولاية الفقيه في الفكر الشيعي قد مضى عليه نحو عقد من الزمن وحتى إن الفقه الشيعي السياسي قد بدأ يغلب عليه الطابع البحثي في المدنية والحداثة ولم يعد للفقيه أصلا هذه الرمزية والقوة التي تصورها السلطة، بل إن حركة 14 فبراير/ شباط نفسها كانت خلعا من ربقة الولي الفقيه. لكن السلطة بالطبع في نسختها السلفية أعادت الحياة لنظرية ولاية الفقيه حين أعطتها كل هذا الزخم في الوجدان الشيعي، وعليها في الأجل المنظور أن تدفع ثمن هذا الإلهام العظيم الذي خلقته بوهمها في أذهان الناس حين جعلت للولي الفقيه هالة تتمتع بكل هذا السحر الذي يجعل من الولي الفقيه محركا لعشرات الآلاف من الناس يوميء فيذهبون حيث يريد. إنه مجد لم يكن الولي الفقيه نفسه يحلم به أصلا فقدمته له السلطة بجناحها السلفي "والليبرالجي الجديد" على طبق من ذهب من مزيج الغباء والرعونة.