» رأي
من العرين إلى موسكو: 14 فبراير يفرض إيقاعه
عباس بوصفوان - 2013-02-11 - 12:01 م
عباس بوصفوان*
يأتي 14 فبراير هذا العام وسط حراك ميداني ملحوظ، ونشاط سياسي داخلي غير معهود، وحركة دبلوماسية خارجية مفاجئة.
في الداخل تعم التظاهرات الميادين، لتؤكد حيوية جمهور 14 فبراير وإدراكه دوره الحيوي في محاولات إجهاض انتفاضته الواثبة، عبر عملية طويلة ومعقدة من الخطوات التي تقودها الأجنحة المتشددة والمعتدلة في النظام، عمودها الفقري اليد الغليظة التي تنفذها أجهزة العسكر وقاعدتها من المرتزقة والطائفيين، والتي تحاول تغطية احتكاريتها وانتهاكاتها الفظة لحقوق الإنسان عبر مؤسسة برلمانية تابعة ومنقوصة الشرعية الشعبية، وقضاء يصعب الدفاع عن قرارته المسيسة، وإعلام يكفي أن تكون واجهته سميرة رجب كي يفقد مصداقيته، ومؤسسات حقوقية سيكون مفاجئا أن لا تتحول إلى شهود زور، ومتاهة حوار قد تقود إلى أوسلو بحريني جديد، لا يفضي إلا إلى تكريس الدكتاتورية الخليفية القائمة، المتحالفة مع إقليم خليجي قبلي طائفي معادٍ للديمقراطية، وربيع عربي خانع منحاز طائفيا ضد ربيع البحرين، ومزاج دولي يتحرك لضبط منسوب التوتر في البحرين، أكثر مما يهمه التحول الديمقراطي في الجزيرة الصغيرة، ذات الموقع الجغرافي المتميز، والوقع التاريخي الاستثنائي.
وسط كل هذه التحديات غير العادية يتحرك جمهور اللؤلؤة، مستوعبا أرضيته السياسية الداخلية والخارجية، وتاريخه النضالي الطويل، ومدركا مركز قوته كشعب مناضل، وصاحب حق ساطع في أن يدير دولته التي اغتصبتها القلة، وحولتها ملك خاص.
يدرك جمهور 14 فبراير أنه يواجه تحديات يكاد لا يواجهها غيرهم من طالبي المساواة، وهذه هي بالضبط عظمة هذا الجمهور، وهذه الانتفاضة، بعقلها التكنوقراطي، الذي يهندس خطواته بتؤده، وقراءة لواقع الحال وتوقعات المآل، وجمهور مقدام لا ينكسر، ولا ينحني أمام رصاص جيش لا يؤمن بالبحرين أرضا للجميع، بل أرضا لآل خليفة، ومن يرضون عنهم.
وإذا يوضع الشعب أمام خيار الاستسلام أو التسويات الهزيلة، فإنه يختار الصمود والاستمرار، والسلمية نهجا ليس فقط لتقليل الخسارات، ولكن لأن الإيمان عميق بأن التحول السلمي وحده يقود إلى ما هو أفضل للبحرين وأهلها، وليس من بين ذلك بالتأكيد آليات حوار العرين الذي يبتغي أصلا احتواء الاحتجاجات لا الاستجابة لمطالبها، وتدرك الجمعيات المعارضة ذلك، وهي إذ تساير النظام، فمن أجل كشف تكتيكه، كما تقول.
ومع ذلك، يضطر مهندسو متاهة الحوار اختيار ذكرى 14 فبراير لانطلاقته. إنه اليوم الذي سيظل يؤرق المعادين للديمقراطية، والذي ينظرون للمساواة كبعبع.. وسيظل هذا اليوم كذلك حتى تتحقق العدالة للجميع.
في البحرين نحو 600 ألف مواطن، غالبيتهم يتطلعون إلى تغيير جوهري في مؤسسة الحكم، ويناضلون من أجل خير أبنائهم وبناتهم، ودفعوا ومازالوا غاليا لتأمين انتقال صحي وهادئ وسلمي لبحرين ديمقراطية لجميع أهلها.
واضح لدى هؤلاء أن النظام اتخذ قرارا صارماا بمواجهتهم بكل ما أوتي من قوة وخبرة، ولذلك يصرون ويلحون على إيصال رسالتهم إليه وإلى من يعنيهم الأمر في السعودية وأميركا وموسكو وطهران وبريطانيا بأن لا عودة لحياة منقوصة المواطنة، يتحكم بمعادلاتها البعض، ليكرس واقعا مريضا وأنانيا.
يبحث الناس عن حياة الكرامة والسعادة، ومؤسسات تحمي حقوقهم، وتجتهد لتلبي طموحهم، ولن يرضيهم إلا تسوية تاريخية، لا شبه تسوية.
تتجدد ذكرى 14 فبراير هذا العام لتجعل البحرين من دوار اللؤلؤ إلى العرين ترقص على وقعها، ولتجعل الدنيا من واشنطن إلى موسكو تنتبه إلى نغمتها.. ولتؤكد من جديد أن الحديث عن احتواء الثورة ليس إلا حلم يقظة.
*صحفي من البحرين.