» رأي
تحية إجلال لانتفاضة الرابع عشر من فبراير في ميلادها الثاني
أنور الرشيد - 2013-02-10 - 8:18 ص
أنور الرشيد*
لا شكّ بأن تاريخ الرابع عشر من فبراير طُبِع بصفحات تاريخ البحرين والمنطقة، بعد أن أعلن الشباب البحريني أنّ هذا التاريخ هو تاريخ انتزاع الحقوق المهدورة والمسلوبة، التي تعتقد الأسرة الحاكمة بأنّها مِنَّة وتفضّل منها على شعبٍ عانى طوال عقود من التسلّط والقهر. البحرين اليوم، حكومةً وشعبًا، في مأزقٍ حقيقي وتاريخي، لأن كل الأساليب التي اتُّبِعَتْ خلال السنتين الماضيتين لم تُفلِح في إنهاء هذه الأزمة، التي انطلقت في الرابع عشر من فبراير عام 2011، وبكل تأكيد ستستمر الأزمة إن لم يُفَعَّل العقل لدى الأسرة الحاكمة.
ومن سخريات القدر أن ما تمر به الأسرة المالكة من أزمة مع شعبها، تُكرِّر فيه نفس أساليب المعالجة التي سبق وأن مرت بها أنظمة حكم طواها التاريخ بالنسيان وشردها في المنافي، فقد استخدمت الأسرة المالكة أسلوب القمع الشديد، وبكل ما لديها من إمكانيات، حتى بلغ عدد شهداء الانتفاضة أكثر من مئة وثلاثين شهيدًا، وآلاف من المفصولين من الأعمال، آخرهم فصل سبعة من خيرة الأطباء، ناهيكم عن الجرحى، الذين يُقدَّر عددهم بالآف، والخسائر المادية التي تكبَّدتها خزينة المملكة بالمليارات، والتي لاتهتم بها الأسرة المالكة، لأنّ نصيبها من هذه الخزينة مرفوعٌ بكل الأحوال. وفي نفس الوقت تأثرت تأثرًا كبيرًا من خلال الانهيار الاقتصادي، الذي دعمته دول الخليج في مؤتمر قمتها في 2011 بعشرة مليارات دولار مع سلطنة عُمان، بحجة توفير فرص عمل، وكأنّ الصراع هو صراع شعوب لا تجد ما تسدُّ به رمقها، وآسف على استخدام هذه الكلمة "كذب"، الدعم الدي وصل من دول الخليج هو للحفاظ على النظام، لكي لا يُسلِّم السلطة للشعب. هذه الحقيقة التي لا يريدون أن يعترفوا بها.
لذلك لم تجد الأسرة المالكة أفضل من سلاح إثارة الفتنة الطائفية وإظهار الحراك السلمي الشعبي على أنه حراك طائفي، وعزِلت الطائفة السنية عن الطائفة الشيعية، ومن رفض ذلك من أبناء الطائفة السنية، مثل الزعيم المناضل إبراهيم شريف، ومحمد البو فلاسة، وغيرهم الكثير من أبناء الطائفة السنية، تعرضوا لانتهاكات واضحة. يكفي أن أبا شريف مُعتقل منذ عامين، ومحمد البو فلاسة تم سحب جواز سفره وتقييد حركته وغيرها من سياسات لم تعد خافية، ناهيكم عن الدكتورة نهاد الشيراوي، التي عرّضت نفسها للانتحار نتيجةً لسياسات حكومية لا تضع للإنسان أي قيمة.
لذلك، ما يهمني في هذه الذكرى التاريخية أن الحراك لم تخمده كل السياسات القمعية، ولم تخمده التهديدات، ولا التفتيت الطائفي البغيض، الذي استخدمته الأسرة الحاكمة لضرب مكونات الشعب، الذي لم يعرف بتاريخه هذا التفريق الطائفي البغيض، وعليه فإن التاريخ اليوم لن يرحم.
وأطمئن الشعب البحريني، الذي تُمارَس ضدّه أبشع صنوف الإذلال والمهانة والتعذيب، بأن فرجكم قريب إن شاء الله، وستتمتعون بالحرية المفقودة آجلًا أم عاجلًا، وإن كان الأمريكان وأعوانهم لا زالوا يعتقدون بأنّ همة الشعب ستنهار، ويمدون النظام بالقوة، أقول للإدارة الأمريكية مباشرة: أنتم شقاء شعبنا وشعوب المنطقة، وسبق أن التقيت بأكثر من مسؤول أمريكي و قلت له: طالما أن هذه سياستكم التي تدعمون بها أنظمةً تقتل شعوبها، فلا تتساءلوا لماذا تكرهنا الشعوب. نعم هذه حقيقة لا بد وأن ينقلها سفيرهم في المنامة للإدارة الأمريكية، الراعية الرسمية لانتهاكات حقوق الإنسان، وأؤكد لهم: لا تلوموا المواطنين المقهورين عندما يلجأون لمن يوفر لهم الأمن والأمان كحقٍّ شرعي لهم، شعب محروم من العيش بأمن وأمان، ومشتت في المنافي، ومستقبل مظلم، ولايوجد بآخر النفق أي ضوء، فماذا تنتظرون منه؟ هل تتوقعون أن يلقي عليكم زهور المحبة أم حجارة الكراهية؟ لا شك بأن حجار الكراهية هي التي ستصيبكم.
وأخيرًا أقول للأسرة المالكة كفى ذلًا وهوانًا، كفى تعذيبًا، كفى تخريب مستقبل، كفاكم سجون، كفاكم اعتقالات، كفاكم صنع تاريخ أسود، كفاكم تدليسًا وكذبًا وليَّ حقائق. لم تعد لا سميرة رجب، ولا إعلامكم ولا كُتّابكم مقنعين للعالم، بالقول إنّ ما يحدث هو انقلاب على الحكم، فيكفي العالم أن ينظر نظرةً واحدةً على وثيقة المنامة لكي يكتشف كذبكم. وقبل النهاية، ما أود قوله أن سياسة الصقور والحمائم بين أجنحة الأسرة لم تعد تقنع أحدًا أيضًا، جناحٌ يضرب بيدٍ من حديد، وجناحٌ يُظهر نفسه غير راضٍ عن تلك المعالجة، وهي سياسة انكشفت، فأنتم في النهاية أسرةٌ واحدة، فإن فشلت سياسة القبضة الأمنية أظهرتم الحمائم كبديل ليكرّروا السيناريو القبيح. أنتم اليوم تحت المجهر، لم تعد هذه الأساليب تنطلي على أحد، إن كنتم بالفعل تريدون أن تحلوا الأزمة، فبيدكم الحل لا بيد أحدٍ أخر، وغير هذا الكلام غير مقبول، وسنتذكّركم كتاريخ سيئ لا نتمنى أن يتكرر.
أما بالنسبة لمسرحية الحوار، أقول للشعب البطل، الذي قدم شهداء وجرحى ومشردين، احذروا من الدخول بمسرحية لا تعرفون نهايتها، فهي مسرحية لكسب مزيدٍ من الوقت، لكي يبطشوا بالبقية الباقية من شعبكم المسكين، الذي تحمّلهم طوال عقودٍ طويلة. لذا، آن أوان إنهاء هذه المسرحية، لكي تبرد قلوب الأمهات الثكالى، والأرامل، وكل من دفع ثمن موقفه مع هذه الأسرة، التي باعت نفسها للكرسي.
* كاتب من الكويت.