معوقات الحل القادم للأزمة البحرينية

جواد عبد الوهاب - 2012-12-26 - 3:12 م


جواد عبد الوهاب*

تأتي صعوبة معالجة الأزمة التي تأخذ بخناق العائلة المالكة في البحرين من أنها ليست أزمة طارئة بسبب قرار مفاجئ اتخذ على عجل على أي مستوى سياسي، بل لكونها ناجمة عن حالة سلوكية تنتمي بنيويا إلى زمن آخر، وعلاجها اليوم يحتاج إلى التخلي الكامل عن السياسات التي نبتت وترعرعت فيها وعن أدواتها التي فقدت صلاحياتها والتصرف بما ينسجم مع الظروف والواقع الجديد.

لا يكون ذلك على طريقة دعوات الحوار التي يطلقها رموز السلطة بين الفينة والأخرى وبلغة مستهجنة كما لو كانت ترجمة رديئة لنص رديء فكان ثمة سؤال أمام كل دعوة وكأنهم قادمون من كوكب آخر متناسين أن التاريخ لا يعود إلا على شكل مسخرة أو مأساة كما يقولون.

ربما لم يبق للسلطة سوى أن توقف كل السياسات القديمة ورجالها ومصالحهم وممارساتهم وقوانين عملهم بما يشبه الانقلاب العسكري والبدء من الصفر من جديد ، وهذا ما لا ينسجم مع عقليتها البالية القديمة وقيمها القبلية العتيقة التي طبقتها طوال تاريخها في مقابل قيم الدولة الحديثة.

من المؤكد أن ذلك صعب حتى الآن. تكمن الصعوبة في أوضح أشكالها في إدراك السلطة لكل أبعاد المأزق، وكل ظروفه وتوافق على التقييم الذي حمله إليها على سبيل التحذير كل الذي تهمهم سلامة السلطة، لكن الأخيرة تتردد أمام الحلول الجذرية المطروحة والتي لا تكون جدية إلا إذا كانت جذرية، بل هي تريد النكوص إلى الخلف علها تختفي لبعض الوقت وراء أكمة مجهولة ريثما تمر العاصفة.

ومشكلة السلطة أن العاصفة التي هبت في الرابع عشر من فبراير 2011 مستمرة وليس هناك إشارات على أنها ستتوقف، بل كل الإشارات تدل على أنها مستمرة وستستمر وأن كل خطط إخمادها باءت بالفشل، فضلا عن أن السلطة ذاتها تفتقد للرؤية والمشروع الذي ينتج حلا أو تسوية تاريخية تحقق للشعب مطالبه ولو في أدنى مستوياتها.

لقد ورطت سلطات البحرين نفسها عندما تعاطت مع مطالب شعب البحرين بالعقلية القديمة، وفضلت الخيار الأمني دون جميع الخيارات معتمدة في ذلك على تجاربها السابقة التي اكتشفت مؤخرا أنها لا تتناسب لا مع العصر ولا مع الجيل الحالي الذي يخوض غمار الثورة، مما اضطرها إلى ممارسة أساليب قمعية ووحشية عرتها وكشفتها أما الشعب الذي ازداد صلابة وقوة ليس في مقاومة هذه الممارسات فحسب، بل ازداد تصميما على تغيير هذا الواقع وإلى الأبد ورفع شعار تقرير المصير الأمر الذي زاد من تعقيد حل الأزمة، وفتح المجال أمام أزمة ثقة عميقة بين الشعب الذي خرج يطالب بحقوق مشروعة، والسلطة التي واجهته بالحديد والنار، وبأساليب وممارسات أقل ما يقال عنها أنها لا أخلاقية ولا إنسانية.

وبعد أكثر من 20 شهرا باتت الأمور أكثر تعقيدا، وبات إنتاج حل سياسي تاريخي للأزمة هو أصعب الأمور وذلك لوجود معوقات كثيرة ساهمت السلطة مساهمة فعالة في انتاجها، من خلال قراءتها الخاطئة للحدث البحريني،  ومن هذه المعوقات :

أولى هذه المعوقات: الانقسام الحاد في وسط السلطة، فهناك طرف في السلطة لا يريد إعطاء أي مكسب للشعب ناتج عن هذه الثورة . وهذا الطرف والذي يمثله رئيس الوزراء خليفة بن سلمان مدعوما من المملكة العربية السعودية مستعد لتخريب أي حل لا يتوافق مع مصالحه وأهمها بقاء خليفة على كرسي الحكم، الأمر الذي يتناقض مع أهم بند في وثيقة المنامة التي أقرتها المعارضة السياسية وهو أن يقوم الشعب بانتخاب حكومته. وهذا المطلب لا تستطيع المعارضة السياسية التنازل عنه أو تحويله إلى ورقة مساومة ، فهو يمثل أدنى مطالب الشعب .

ثاني هذه المعوقات: يتمثل في البعد الاقليمي، فالمملكة العربية السعودية التي غزت قواتها البحرين من أجل اخماد الثورة لن تسمح حتى بنصف ديمقراطية ليس في البحرين فحسب، بل في جميع دول الجوار، ولقد رأينا كيف منعتها في اليمن ، وتخربها اليوم في الكويت، خوفا من انتقال المد الديمقراطي إليها. وهي لهذا السبب تساند الطرف المتشدد في العائلة الخليفية اذا صح التعبير ، وستحاول أن تعطل أي حل سياسي ينتج حالة ديمقراطية حتى في مستوياتها الدنيا.

ثالث هذه المعوقات: هو أن من يريد حل الأزمة سياسيا في السلطة البحرينية هو الطرف الأضعف وهو جناج الملك وولي عهده، فالأول سقطت هيبته وهو لم يعد يمثل أي رقم لا في المعادلة الحالية ولا في المعادلة الجديدة التي ستنشأ في أعقاب الأزمة، والثاني فقد مصداقيته في نظر الكثيرين نتيجة لتراجعه عن مبادرته ذات السبع بنود التي أطلقها في بداية تفجر الثورة وأيضا لكثرة الدعوات التي دعى إليها ولم تجد لها سبيل للتنفيذ.

رابع هذه المعوقات: أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الحامي الأول لسلطات آل خليفة أبلغت احدى الدول الاقليمية مؤخرا أنها لن تسمح باقامة ملكية دستورية في هذه المنطقة من العالم، مبدية تخوفها من من تمدد النفوذ الايراني في المنطقة اذا ما حدث ذلك ، الأمر الذي يعد تراجعا واضحا في الموقف الأمريكي الذي دعم في بداية الأزمة مطالب المعارضة السياسية.

كل هذه المعوقات بالاضافة إلى الانقسام بين المعارضة السياسية التي تطالب باصلاح النظام، وبين ائتلاف الرابع عشر من فبراير الذي يقود الحراك الجماهير ويطالب باسقاط النظام، لن ينتج عنه حل تاريخي للأزمة، لأن الحل التاريخي لابد أن يكون توافقي بين جميع الأطراف.

أمام هذا المشهد ليس هناك خيار أمام الشعب البحريني إلا الاستمرار في الثورة وإيصال رسالة واضحة إلى كل من يهمه الأمر أنه وبعد كل هذه التضحيات لا يمكنه التراجع عن حقوقه ومطالبه المشروعة مهما كان حجم القمع الذي ستمارسه السلطات ضده، ومهما كانت التضحيات جسيمة. أما السلطة فليس أمامها خيار إلا البحث عن طرق عملية مقبولة وطنيا واقليميا ودوليا للخروج من مأزقها.  
 
* كاتب من البحرين.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus