«استعصاء» بحريني بامتياز..البوصلة في الاتجاه المعاكس!

أحمد البوسطة - 2012-11-20 - 5:43 م


أحمد البوسطة*

 "مات رجل

لم يكن يملك ما يدافع به عن نفسه

غير ذراعيه الممدودتين للحياة

مات رجل

لم يكن له طريق آخر

غير ذاك الذي يكره فيه الإنسان البنادق

مات رجل ضد الموت..ضد النسيان

مات

لأن كل ما يريده

كنا نريده نحن أيضاً"......(الشاعر الفرنسي "بول ايلوار")

يكاد الكل يجمع، وإن شئنا أن نكون أكثر دقة وموضوعية "جلنا" يتفق على إن البحرين تمر بفترة بالغة "الاستعصاء في الفهم" ـ صعوبات وتعقيدات متداخلة لـ"هدف/ أهداف واضحة"، وسط إشارات أمنية متناقضة ومنفلتة أحياناً كثيرة مع ردود أفعال محلية ـ إقليمية وخارجية متباينة فيها الغَثْ والسمين، وبإيجاز شديد، يبدو في مجملها يُشير إلى أن نبقى "نتعذّب في متاهات الطريق"،  فيما البلاد والمنطقة مفتوحة على كافة الاحتمالات والتطورات: الإيجابية منها والسلبية، وربما مقبلون على تحوّلات إدراماتيكية أيضاً. 

ها قد وصلت مشاكل الهيمنة المنفلتة على الثروات والسلطات إلى مواصيلها، أي، "قمة الهرم وهي مرشحة إلى التفاقم دون حسيب أو رقيب ويرجع ذلك منذ هجمة 23 أغسطس 1975 ضد الحركة الوطنية البحرانية حين حُلَّ المجلس الوطني وعُلقت بعض مواد الدستور وزُجَّت السلطة بعشرات الوطنيين في السجون والمعتقلات، ناهيك عن  فقدان العدالة الاجتماعية وتراكماتها: "مشكلة المشاكل تأجيل المشكلة" كما يقولون، إذاً، إنها الذروة،  فلم يَعُد الحكم بإمكانه تسويق نفسه للناس على أنه لازال صالحاً ورشيداً، ولم يَعُد الناس باستطاعتهم الوثوق به وبتعهداته أو بإمكانية إصلاحه.

الأسباب كثيرة لهذه المعادلة الكريهة ونتائجها المزرية، وإن كانت العبرة بالنتائج  فالتفاصيل تطول في الحديث عنها ويصعب إحصاؤها واستقصائها كدليل على ذلك، مع وجود كم هائل من المشاهد المأساوية، حيث تجرًَع شعبنا كل ألوان العذّاب والألم والحرمان وسياسات التمييز السياسي بمرافقة ملفات "منتفخة"، بدرجة كل ملف فيها، بيئياً كان أو دستوريا، يستدعي ثورة وإسقاط حكومات دون مأسوف عليها، يضاف إلى ذلك، والأشد ضراوة واستهانة وسخرية، استيلاء الطبقة الحاكمة على السواحل والجزر وممتلكات الدولة ونهب الأراضي في توازٍ مع انتهاكات فظيعة وممنهجة في الملف الأمني، ناهيك عن ملف مرض الفساد الإداري والمالي ومشاكله المستعصية التي لم تعد خطيرة فحسب، بل خطيرة جداً.

لم تجد المسكنات، أو حتى المضادات الحيوية للعلاج الشافي بعد أن صارت البحرين الدولة الوحيدة في العالم التي تكافئ المفسدين بدل محاسبتهم على جرائمهم، على الرغم من إقرار ديوان الرقابة بوجود هذا الفساد في مؤسسات الدولة ويطال عدداً من الوزراء وكبار المسؤولين.... ولكن "أين المفسدون؟".... هل سمعتم بمحاكمة مسؤول فاسد كبير، من حجم "هامور" على سرقة مليارات وملايين الدنانير من أملاك الدولة والمال العام؟!...(عبد الجليل خليل، النائب المستقيل، قدرها وفق الوثائق التي حصلوا عليها بـ"15 مليار دينار بحريني"، أي ما تكفي لموازنة البحرين لسبع سنوات ونصف السنة).

حين نسترجع يوميات الأحداث لثورة 14 فبراير 2011 المجيدة وتطوراتها المتسارعة إلى يومنا هذا نرى لوحة مرسومة بدقة معبرة عن مشاعر الأمواج البشرية التي احتشدت في دوار اللؤلؤة والساحات، ونتفهم بعمق حقيقي لما يمور من حرارة أوضاع تراكمية  لمختلف أطوار الحراك الثوري، نعم، قد يكون الأمر غريباً، أن يخرج صحافي أجنبي قد نعتقد إنه يجهل لغتنا وواقعنا وعاداتنا، أن يكتب يإنصاف صرخته المدوية: "لو خرجت مسيرة في لندن بهذه الضخامة لاستقالت الحكومة البريطانية قبل أن تنتهي هذه المسيرة!"، بينما على الضفة البحرينية كتّاب بحرينيون لا يكتبون عن واقعهم وحرارة أوضاعهم، والدماء الزكية التي رويّت أرضهم، كما يكتب الكتّاب الأجانب عن شعبنا الجريح... بماذا نفسّر ذلك؟!.

هل لأن كتّابنا لا يفهمون معنى الأحداث، لماذا ينتفض الناس، هل لأن كتّابنا لا يحلو لهم الرقص والطرب إلا على الجراح وبهذه العقلية الساديّة المقززة، حين يتلذذون بمشاهدة رأس الشهيد أحمد فرحان، أو بمشاهد فظيعة لما يتعرض لها شركاؤهم في الوطن من أذى: قتل، فصل، اعتقال، تعذيب، اغتصاب، مداهمات هتك أعراض...وهكذا؟؟!.

عندما تصل المواصيل إلى إن النظام لم يُوفر له صديقاً من غالبية شعبه يعتمد عليه، أو يثق به، أو يحصل على مناصرين له، اللهم أولئك الذين من طينته وبطانة سوئه، حيث ترتبط مصالحهم ببقائه، وببقاء الانتهاكات والمنتهكين والفساد والمفسدين وما يُسمون بـ"الموالين"، فإن هوّة النظام تتسع وتتعمّق في عزلته مع شعبه ومع القوى والدول المحبة للحرية والسلم والديمقراطية العالمية.

قبل فترة، تصفّح أحد الأصدقاء مجلة "النضال"، لسان حال جبهة التحرير الوطني البحرانية، العدد رقم 6 لسنة  1977 ، وبعد قراءة عِدة ملفات ساخنة آنذاك كانت منشورة بهذه المجلة من بينها: ملف "الزراعة في ظل نظام آلـ خليفة"، وملف "بلادنا.. أرض يقتسمها آلـ خليفة"، وملف تصفية الشهيد سعيد العويناتي بقوة دفاع البحرين، تحت عنوان "الشاعر الشهيد الذي لن يموت" وغيرها من الملفات والتحليلات المدعومة بالأرقام والوثائق والخرائط والجداول.. علق قائلاً:" ألم تلاحظوا، إن الذي نطالب به الآن هو ذاته الذي كان يطالب به شعبنا في الأجيال التي سبقت، وبنفس الوجع ونفس المرارة ولم يتحقق منه شيئاً؟!.. (لا تعليق).

انظروا بين تفكيرين وقارنوا: الآن، وبعد "فزعة" صلاة الاستسقاء وسقوط الأمطار لا زال النظام يعتقد إن "المطر" من الأوليات المطلوبة والملحة والضرورية لإنقاذ البلد من أزمته المزمنة التي تراكمت أجيالاً وراء أجيال، بينما التفكير الثاني يرى إن كل ما نحتاجه: "عدالة اجتماعية" والبقية تعرفونها!.

*صحافي من البحرين.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus