أجل، ملكيات الخليج في مأزق

2012-11-17 - 10:24 ص


كريستوفر ديفيدسون: فورين بوليسي 
ترجمة: مرآة البحرين

للوهلة الأولى تبدو ممالك الخليج مستقرة، على الأقل بالمقارنة مع المنطقة ككل. ولكن في الواقع، البنى السياسية والاقتصادية التي تدعم هذه الدول الاستبدادية تئن تحت وطأة الضغوط المتزايدة والقطاعات الواسعة من المواطنين الذين، حتى اليوم، يقومون بتحديات لا يمكن تصورها للنخب الحاكمة.

هذه الممالك الست -- السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، والبحرين، وقطر، وسلطنة عمان- قد واجهت عددًا من حركات المعارضة المختلفة على مر السنين. ولكن، بجزئها الأكبر، لم تكن هذه الحركات ذات قاعدة شعبية عريضة وكانت تميل لتمثل قطاعات ضيقة فقط من السكان الأصليين. وعلاوة على ذلك، وبالنظر إلى مختلف استراتيجيات البقاء الداخلية والخارجية - بما في ذلك النظم الاقتصادية التوزيعية وتراكم القوة الناعمة في الخارج كانت الأنظمة القائمة الحالية عموما في مواقع قوية وواثقة، وعادة ما كانت قادرة على استرضاء أو تهميش أي معارضة قبل أن تكتسب الكثير من الجاذبية.

في معظم الحالات كانت الممالك الخليجية أيضا فعالة جدا في إضفاء طابع الشيطنة على المعارضين، إما أنها تسِمُهم  بالطوابير الخامسة المدعومة من الخارج، أوالأصوليين الدينيين، أو حتى بأنهم إرهابيون. وهذا سمح بدوره للحكام وحكوماتهم تصوير أنفسهم لغالبية المواطنين وأكثر المراقبين الدوليين بأنهم الداعمون للوضع الراهن والذين يمكن أن يطمئن لهم ويعتمد عليهم، وبالتالي أفضل بكثير من أي بدائل خطيرة وغير متوقعة. وبشكل ملحوظ، عندما بدأت قوى التحديث التأثير على شعبها  في كثير من الأحيان تحسين الاتصالات بين المواطنين أو حصولهم على التعليم – كان ملوك الخليج فعالين في التأقلم، وفي كثير من الأحيان يجلبون هكذا قوى تحت مظلة الدولة أو أعضاء الأسر الحاكمة، وبالتالي يمكنهم تطبيق نموذج فسيفسائي من الولاءات التقليدية إلى جانب التحديث حتى في السنوات القليلة الأولى من القرن الواحد والعشرين.

ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت حركات معارضة قوية  أثبتت صعوبة احتوائها.

وكنتيجة للضغوط الداخلية المتصاعدة المتضافرة التي واجهتها دول الخليج (بما في ذلك الموارد المتدنية، ومعدلات البطالة المرتفعة، والإعانات المحاصرة) وظهور قوى تحديث جديدة أثبتت أنه من الصعب على الحكومات أن تتعايش معها (بما في ذلك وسائل الاعلام الاجتماعي، والقنوات الفضائية، والهواتف الذكية)، أعداد متزايدة من مواطني دول الخليج أصبح لديهم الجرأة الكافية للاحتجاج وانتقاد حكامهم علنا. منذ 2011، وبتشجيع واضح من التطورات في أماكن أخرى من المنطقة، استطاع هؤلاء المعارضون  تقديم أخطر التحديات للأسر الحاكمة المتنوعة.

وبشيء من عاصفة مثالية ضد الأنظمة الحالية القائمة، لم تعط ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا  فقط الأمل لأولئك المواطنين الخليجيين والحركات الخليجية القائمة الملتزمة بالإصلاح السياسي الجاد وإسقاط الأنظمة الاستبدادية الحالية، ولكنها جعلت أيضا من الصعب على دول الخليج تصوير أعدائها الجدد على أنهم شيء اخر غير الناشطين المؤيدين للديمقراطية أو المواطنين المتحررين من الوهم الذين اعترفوا بالانهيار الحتمي للبنى السياسية والاقتصادية التي يدعمها حكامهم. وهذا لا يعني أن الأنظمة تركت تطبق الاستراتيجيات القديمة، ولكنّ الادعاءات الناتجة هي الآن أقل تصديقًا: الشيعة المدعومون من إيران في البحرين، والإخوان المسلمون المدعومون من مصر في الكويت، انقلاب بريطاني جار في دولة الإمارات العربية المتحدة مع الحلفاء المحلييين، الخ.

علاوة على ذلك، إن ثورات الربيع العربي – أو على الأقل موجات الاحتجاج الأولى القليلة في تونس ومصر-- قد ساعدت أيضا بفضح تفضيل دول الخليج القوي لدعم الدول الاستبدادية الأخرى في المنطقة وخشيتهم من وجود حكومات ديمقراطية وممثلة شعبيا تتشكل في الدول المجاورة. من المؤكد أن الاستجابات الأولية لمعظم دول الخليج كانت وبشكل ملحوظ معادية للربيع العربي. هذا كان له أثر كبير على نزع الشرعية عن الأسر الحاكمة والحكومات المتورطة، كما هو الحال في نظر العديد من المواطنين بانهم قد نصبوا أنفسهم ككتلة متميزة رجعية معادية للثورة.

والذي يثير الدهشة، هو تجلي المعارضة الجديدة ما بعد عام 2011 في دول الخليج بطرق مختلفة تبعا للظروف الفردية والضغوط في كل دولة. وقد تراوحت هذه من أعمال شغب شاملة في الشوارع واستكملت بالقتل والشهداء في دول الخليج الفقيرة إلى المثقفين وحتى "المعارضة الإلكترونية" في ممالك الخليج الأكثر ثراء. ولكن في جميع الحالات اضطرت الأنظمة إلى الاستجابة  بمزيد من القمع أكثر من ذي قبل، وبالتالي نزع الشرعية عن الأسر الحاكمة. ففي بعض الحالات شنت الممالك الحملات الوحشية ونشرت المرتزقة الأجانب بينما في حالات أخرى أخذوا سجناء سياسيين، وتلاعبوا بالنظم القضائية، ووضعوا المجتمع المدني في وضع حرج . تذرعوا بالقرآن لتبرير فرض حظر على الاحتجاجات ودعموا التعليمات لتعليم مواطنيهم على طاعة أسيادهم. حتى الآن تمكنت قطر فقط حقا من تفادي هذه السطوة الكبيرة، ومعظمها بسبب ظروفها الأفضل وموقفها المختلف نوعا ما حول الربيع العربي. ومع ذلك فإن الأسرة الحاكمة في قطر تتعرض لانتقادات، وهناك بالفعل مؤشرات على شقاق داخلي كبير.

كلما تصاعد الوضع، كلما بدا أن دول الخليج على أتم الاستعداد للمضي قدما في القمع والرقابة. فلقد وضعوا شرطة  متطورة ونظم رقابة؛ وجلبوا جنودًا أجانب -- أبوظبي استقدمت جنودا من أماكن بعيدة مثل كولومبيا وجنوب أفريقيا-- وأغلقوا تقريبا جميع منظمات المجتمع المدني الحقيقية. معتمدين على الصمت أو اللامبالاة الدولية من حماة القوة العظمى في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في مقابل ضمان الاستقرار الإقليمي، والحكام يستعدون لمواجهة الربيع العربي وجها لوجه، وعلى الأرجح من دون ترك أي شيء لم يفعل .

وبالتالي يتكشف الآن وبشكل دائم وحازم أن كل الافتراضات الثلاثة الأساسية حول استقرار الملكية في المنطقة   غير صحيحة وهي: أن هناك ما يكفي من الموارد للحكومات للحفاظ على الثروة الموزعة لمواطنيهم في مقابل الإذعان السياسي؛ وأن الجزء الأكبر من المواطنين الخليجيين غير سياسيين أو أنهم يرون النظام القبلي فقط هو نظام الحكم الجدير، وأن الحكام أنفسهم ورعون، وسلميون وذوو نوايا طيبة. الواقع، وبطبيعة الحال، هناك الآن أعداد كبيرة من مواطني دول الخليج عاطلون عن العمل لا إراديا، وجيوب فقر، وانخفاض في موارد الاقتصادبات التي فشلت إلى حد كبير في تنويع اقتصادياتها بعيدا عن صادرات النفط والغاز. وعلاوة على ذلك، هناك الآن وبشكل واضح مواطنون شباب مثقفون متطورون من ذوي الصلات الجيدة الذين لم يعودوا على استعداد للعيش وفقا للقواعد القديمة، ويعبرون جهارا عن ازدرائهم للوضع الراهن، و- في كثير من الحالات - التعبير عن التضامن مع حركات الربيع العربي في أماكن أخرى من المنطقة. وأخيرا، والأهم من ذلك، هو مأساوية الحملات الشرسة والاعتقالات التعسفية التي جرت وسعي الأنظمة لإسكات هذه الأصوات، ولكن ومع ذلك فهي تساعد على تبديد الوهم بأن هؤلاء الحكام غير المنتخبين، وغير الخاضعين للمساءلة لديهم شيء مشترك مع حكام القبائل الخيرين في عصر ما قبل النفط.

*كريستوفر ديفيدسون هو قارئ في سياسة الشرق الأوسط في كلية الشؤون الدولية والحكوية في جامعة دورهام ومؤلف كتاب "بعد المشايخ": الانهيار القادم لممالك الخليج. وهو جزء من مساهمة في ندوة مجمع الشرق الأوسط  حول مرونة النظام الملكي العربي.

13 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus