» رأي
وزير الداخلية ستفشل حتمًا
عباس المرشد - 2012-10-31 - 6:40 ص
عباس المرشد*
هل يحتاج قرار وزير الداخلية البحريني، القاضي بمنع المسيرات والتظاهرات حتى تحقيق الاستقرار الأمني المنشود، هل يحتاج لمزيدٍ من التعليق والتحليل؟ أعتقد أنه من العبث القيام بمثل هذه المهمّة، فالقرار يكشف عن نفسه، وبكل جلاء ووضوح، أي عودة الدكتاتورية بوجهها القبيح، بعد أن توارت عن الأنظار محاولةً التقنّع بأكثر من قناع. دلالة هذا القرار ربما تكون في المستوى النظري أكثر منها ضمن الممارسة العملية، فمثل هذا الخيار يُدلّل على أنّ الدكتاتورايات وأنظمة الاستبداد تعجز عن إخفاء معالمها، حتى وإن حاولت، فمهشدية القمع والدم مُتأصّلة في بُنيتها السياسية والأمنية، لذا فإن مقاومتها تنعكس على مستويين:
المستوى الأول: مقاومة الأقنعة نفسها، بما فيها الأقنعة الديمقراطية والإصلاحية، وتذكّرنا هذه المقاومة بالمأثور عن شخصية الحجاج الثقفي، الذي كان يستهويه منظر الدم في كل صباح رغم فرض سيطرته وخضوع الناس له. فهذه هي حال الدكتاتوريات، تعيش صراعًا أبديًا مع مظاهر الديمقراطية، فضلًا عن جوهر الحياة الديمقراطية، وأسس هذا الصراع هي أسس نفسية أكثر من كونها أسسًا مادية تتعلق بمصادر القوة أو حجمها وجبروتها، فبحكم تركيبة الأنظمة الدكتاتورية تبني حواجز نفسية تعيق تواصلها مع الفكر الديمقراطي، وتعتبره العدو الأبدي، فصراع الدكتاتوريات مع الخصوم والمعارضين من شأنه أن يكون صراعًا مؤقتًا ينتهي بانتهاء ساحة المواجهة الميدانية، إلا أنّ الصراع النفسي لا يحكم التنبؤ بانتهائه إلا بحل العقدة النفسية نفسها، وهي هنا شخصية الدكتاتور نفسه، أي أنّه صراع صِفري ينتهي بانتهاء الدكتاتور أو انتهاء الديمقراطية. إنّ فهم حركة الصراع الداخلي والمقاومة التي تبديها الأنظمة الدكتاتورية يؤكد على أنّ مثل هذا القرار طال انتظاره ليس إلا، وأنّ القادم من القرارات سوف يتّسق تمامًا مع البنية المستحكمة في النظام الاستبدادي.
المستوى الثاني: مقاومة جيوب المقاومة الديمقراطية، وهي التي يشار إليها غالبًا بالمعطيات الميدانية. إن اللجوء إلى قرارات عبثية، مثل قرار منع كافة أنواع المسيرات والمظاهرات، يأتي في ظل العجز المستمر عن السيطرة الفعلية على الأرض، وعن تحقيق ما يرضي القيادات العليا كي تتخلص من الضغط ومن ما يثيرها. على ضوء ذلك تستعر الرغبة المكتومة؟ والرغبة الظاهرة في القمع، وإلحاق الأذى بالجميع، كحركة انتقامية، وكعقاب جماعي، في فعلٍ هستيري يكشف مدى التخبّط والإحباط السائد في مؤسسات النظام الأمنية. فقد استعانت الأجهزة الأمنية بأكثر خبراء قمع التحركات الجماهيرية خبرة، ومع ذلك فشلوا في تحقيق ما يمكن أن يقدّموه أمام السادة الأوروبيين، كنتائج لصحة رهان النظام على فُسح زمنية تكفل له القضاء على مظاهر الحراك الميداني.
وهنا قد يشار إلى حالة استباقية تقوم بها الأجهزة الأمنية، في ظل تزايد دعوات التصعيد في ملف الاستاذ حسن المشميع، الذي تأكدت عودة مرض السرطان إليه مجددًا، وهو وضع يحتاج لأن يتم الإفراج عنه سريعًا للخضوع للعلاج المناسب.
إنّ قرار وزير الداخلية يعكس المرحلة الأخيرة التي يدخلها أي نظام في مواجهة حراك ميداني متنامٍ ومستمر، ويعبّر عن حالة الخلل لدى جهة المركز التي تتمثل في: (الحكومة، والعائلة المالكة، والأجهزة الأمنية والعسكرية المتعددة، والموالاة السياسية)، وتَفاقم تقطّع شبكة التنسيق بينها، لا بوجه الصراع المسوّق له سابقًا بين جناحٍ إصلاحي وآخر متطرف، بل إنّ تقطّع شبكة المصالح يستند إلى تداعيات استمرار الحراك، والتأثيرات المتراكمة على المدخول الاقتصادي، والقيمة السياسية لأركان المركز. وبالتالي فإن القرار لا يعني سوى الإجماع الشامل بين أطراف المركز على ضرورة إنهاء الحراك وبأسرع وقت.
لا يمنع ما تقدم من تلمّس مستوىً أعمق له صلة مباشرة بالإعلان عن هذا القرار، وهو العمق الأمريكي والبريطاني وتدخلّهما المباشر في إدارة شؤون البحرين الداخلية، فقد عرضت بريطانيا مؤخّرًا عرضًا سياسيًا يقوم على النقاط التالية:
1.الاستجابة لمطالب المعارضة الرسمية فيما يتعلّق بالدوائر الانتخابية وصلاحيات مجلس النواب والإفراج عن المعتقلين.
2. القيام بمصالحة وطنية على غرار قانون 56، حيث يتم الإفراج عن القيادات السياسية مقابل تسوية الدعاوى القانونية ضدَّ القيادات الأمنية المتورّطة في التعذيب والقتل.
3.تأجيل مطلب الحكومة المنتخبة لمرحلة قادمة بعد إنجاح المصالحة الوطنية وتحقيق الاستقرار الأمني.
وقد عُقدت لقاءات عالية المستوى لتمرير هذه الصفقة، إلا أنّ قوى المعارضة الرسمية ظلّت متمسّكة بمطلب الحكومة المنتخبة، وهو ما أفشل هذه المبادرة، بعد أن أفضى ولي العهد لمسؤوليين بريطانيين بأن الوفاق غير جادة في قبول هذه المبادرة، وأنّه غير مهتم حاليًا بالقيام بأي دور سياسي في هذا الشأن. بدورها فقد ناقشت الإدارة الأمريكية قضية البحرين واعتبرت أنّ المعارضة الرسمية، وغير الرسمية، تُعيق معالجات النظام المتقدّمة في هذا الشأن، وأنّ الادارة الأمريكية على قناعة بأن مزيدًا من الضغط الأمني والسياسي من شأنه أن يكسر جمود مواقف القوى المعارضة ويمنعها من التصعيد السياسي المتوقع.
بين سطح القرار وعمقه تقع قضية الدكتاتورية، وكيف تدعم الأطراف الدولية بقاءها، مقابل ضمان سيولة النفط، وصفقات الأسلحة من جهة، وتحقيق رؤيتها لأمن الخليج، القائمة على منع ملء الفراغ، والانفراد بتحديد مخاطره من جهة ثانية.
من الطبيعي أن يكون هذا الرهان ساقطًا قبل تداوله، فالجهة التي تدّعي قدرتها على إمضائه عجزت سابقًا، وفي مراتٍ عديدة، وهي في عز قوتها وغطائها السياسي والأمني، عن أن تقضي على الحراك الميداني، وتراجعت خائبةً أمام مجموعات صغيرة وأخرى كبيرة، لا تقوم سوى بمراوغات دون أن يكون في نيّتها الاستهداف، فهل تقوى الآن، وهي مهزومة سياسيًا وميدانيًا؟
*كاتب من البحرين