راشد لخطباء المنابر الدينية: تحدّثوا عن السماء والكواكب!

مرآة البحرين - 2024-11-26 - 10:14 م

يُحبّ عرّاب المشروع الأمني في مملكة البحرين، وزير الداخلية راشد بن عبدالله ممارسة طائفيّته من وقتٍ الى وقت. يغيب فترةً، ليعود مُجدّدًا بمستوى قياسي من الكراهية والاضطهاد لشركاء له في الهوية والوطن.

 

وكأنّه هاربٌ من كتابِ تاريخٍ رثّ، يجلس أمام صحافيي البلاط ليُهدّد ويتوعّد خطباء جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز. ليس هم فحسب، بل المجالس الأهلية أيضًا، والسبب أنهم يواكبون شؤون البلد والجِوار وما أبعد من قضايا المسلمين المركزية. 

 

حصار المنبر الديني في البحرين يُستكمل بكلّ وضوح وبلا أيّ التباس. يخرج وزير الداخلية ليعلنها حربًا على المساجد والمجالس التي تُضمّن خطابها "السياسة". ومن جملة ما يُصرّح به بأن "المخالفات انحصرت في مسجد واحد فقط وهو مسجد الصادق في الدراز، وتمثلت في الخطب المُسيّسة، والمسيرات المُخالفة للقانون بعد صلاة الجمعة بشكل ممنهج ومستمر"، ويتابع "المساجد بيوت الله، جُعلت للعبادة والذكر والصلاة وقراءة القرآن والاستماع للأحاديث والمواعظ".

 

للمواعظ اذًا! يريد راشد بن عبد الله ألّا تخرج النشاطات والأحاديث في الجوامع والمجالس عن حدود الإرشاد الذي يتحدّث عن خلق الله والسماء والنجوم والكواكب وأحوال الطقس وفوائد ركوب الخيل وأكل الجحّ ربّما! لكن من دون التطرق الى ما يحصل حولنا، لا في البحرين ولا خارجها. أمّا اذا فكّر أحد الخطباء أو المشايخ بالتضامن مع شعب مظلوم في فلسطين أو في لبنان فيكون الحرام قد وقع! وتُستحضر للغاية عبارات كـ"الحفاظ على الإرث والحضارة والثقافة والعادات والتقاليد".

 

الهدف واضح ومُحدّد بالنسبة لوزير داخلية آل خليفة. استهداف أيّ صوتٍ يُناصر غزة ومقاومتها ويرفع لواء العداء للكيان الصهيوني ورفض كلّ إجرام يُقدم عليه بحقّ الشعبين اللبناني والفلسطيني. ولأن الغاية المنشودة هي كذلك، يُحاصر الجامع، ويُحبط أيّ مجلس يشهد على مؤازرة ولو بالدعاء لرجال الميدان الذين يقفون بوجه آلة القتل الاسرائيلية. لهذا قال العلّامة السيد عبد الله الغريفي صراحة إن هناك حصارات ثقيلة وصعبة تواجه الخطاب الديني من قبل مواقع كبيرة. المواقع الكبيرة التي تسمح لراشد بن عبد الله بأن يعيث بطشًا وُملاحقات أمنية لشخصيات دينية تعتبر تكليفها الشرعي نصرة المظلوم ولو بالكلمة. 

 

لا يكشف راشد بن عبد الله عن نواياه لأنها بالأصل بائنة. يُعبّر بلا لُبس عن حرص بالغ على عدم صدور أيّ صوت يبغض الصهاينة في دولة ارتمت في أحضانهم، فلا يُعقل أن يُهاجَم العدو في ظلّ نظام مُطبّع يتفاخر بعلاقاته القديمة - الجديدة مع الاسرائيليين، فكيف اذا كان من يفعل ذلك منبر ديني وطني ملتزم قضية فلسطين حتى الثمالة؟ إفراغ المنبر الديني من وظيفته الأساسية في توعية الشباب وصقل الفكر العقائدي لفهم ما يجري من حولنا، هو مُنتهى آمال السلطة الحاكمة، ترغب في تحقيق ذلك، لكنها تعجز، حتى لو لوّحت بالعصا الأمنية، وتحكّمت بمجلس الدمى في الأوقاف الجعفرية، وأوعزت إليها أن تصدر البيانات التحذيرية التي تصبّ فقط في صالح الدولة.

 

ماذا بقي من خيارت أمام حملات تهويل راشد بن عبد الله للمنبر الديني الوطني؟ ليس مُستبعدًا بل محسومًا أن يلجأ الى إعلاء أصوات مشايخ النظام بشكل مكثّف، وربّما يتحوّل الى مُفتٍ يُنظّر في حلال الله وحرامه وماذا يمكن قوله وماذا يُمنع الحديث فيه!