قرية العكر تقاوم غزوة النظام

يوسف مكي - 2012-10-21 - 3:11 م


يوسف مكي*

لا اعرف بالضبط من أين جاءت تسمية قرية العُكُر، لكنني أعتقد أن القرية أخذت اسمها من نوع من المساحة المزروعة بالنخيل تسمى عكرة وهي شكل من أشكال حيازة الأرض في البحرين فيما مضى. وربما تكون هذه المنطقة وهي زراعية بالتأكيد مليئة بهذا النوع من الحيازات المزروعة بالنخيل، لذلك سميت هذه المنطقة على أساس نوع حيازة النخيل، أي عكر جمع والمفرد عكرة. ونحن نعرف أيضا أن من بين أسماء الفلاح في البحرين (عكار) ومن هنا جاء الشعر "عكار يزرع نخل، غواص يحمل سلف".
 
ربما يكون اسم المنطقة جاء من هذا القبيل. لكن الأهم منذ ذلك أن هذه القرية كانت على تماس مباشر بصناعة النفط، وقد انخرط كثير من أهالي القرية منذ البداية في في شركة نفط البحرين بابكو وبدأ يظهر جيل تلو الآخر من العمال والمهنيين والمتعلمين والجامعيين والمثقفين، ليمارسوا دورهم الاجتماعي والثقافي والسياسي كمواطنيين في منطقتهم  (العكر)  ووطنهم اسوة  ببقية المواطنين. 

مناسبة هذا الكلام هو ما تعيشه هذه القرية من حصار وعقاب جماعي ظالم من قبل النظام منذ بضعة أيام. وأمام هذا الوضع لايسع المرء إلا أن يتساءل لماذا هذا الحصار، لماذا هذا العقاب غير المبرر لا سياسيا ولا قانونيا، ولا أخلاقيا بطبيعة الحال. فإذا كان رجل الامن المقتول عمران محمد احمد مواطنا له كل هذه القيمة والاهمية من النظام، فإن أهل العكر من المفترض أن لا يقلون اهمية أو قيمة، وإذا كان الشرطي المقتول هو في البداية والنهاية شخص واحد، فلماذا يتم معاقبة قرية العكر بشكل جماعي، لماذا يتم محاصرتها وإهانة أهلها، لماذا عمران يساوي قرية العكر كلها. هل يجوز ذلك قانونا في بلد متحضر؟ 

هل الشرطي عمران أحمد مواطن درجة أولى وأهل العكر مواطنون درجة ثانية وثالثة. أظن أن التصرفات القمعية من النظام تجاه هذه القرية المسكينة تؤكد بأن أهلها ليسوا مواطنين، لأن ما يجري هو نوع من الاستباحة . إجراء خارج القانون، يعني تعسفا واستبدادا، ولا شيء غير ذلك.

اعود للتأكيد أن ما يقوم به النظام تجاه قرية العكر من عقاب جماعي بسبب قضية تدور حولها الشكوك، إنما يهدف إلى كسر إرادة أهالي هذه القرية التي كان لها دور بارز في الحراك الشعبي المستمر، بل كانت في المقدمة، ويعتقد النظام أنه من خلال كسر إرادة هذه القرية سيجعل منها عبرة للمناطق الأخرى. وما قضية عمران إلا ذريعة لا أكثر ولا أقل. ولو لم توجد قضية عمران فإنه سيجد ذريعة غيرها. وعقاب قرية كاملة مقابل شخص يضع على ما تقوم به السلطة علامة استفهام كبيرة، كما أن ما تقوم به تجاه القرية يطوح بقضية مقتل عمران من أساسها.

لكن أياً تكن الأسباب أو الأهداف التي تبتغيها السلطة من جراء هذا الحصار/العقاب، فإن إرادة أهالي العكر لن تنكسر، وستخرج هذه القرية أقوى مما كانت عليه، لا بل حتى إن اولئك الذين ليسوا مع النظام وليسوا ضده سيصبحون من الآن فصاعدا ضد النظام، حتى أولئك الذين مع النظام من بعض أهالي القرية سيقفون إلى جانب أخوانهم في القرية، وسيخذلون النظام، كما أن القرية ستخرج أقوى من ذي قبل، لأن سياسة القمع غير المبرر لا تستطيع أن تكسر الإرادة، وربما يستطيع النظام أن يلاحق الشباب وأن يركل النساء ويدوس الورد في قرية العكر، لكنه لا يستطيع أن يمنع قدوم الربيع، ليس في العكر الصامدة إنما في البحرين من أقصاها إلى أقصاها. 

نعم ستخرج العكر أقوى مما كانت، وستظهر الحقيقة الناصعة، حقيقة مقتل عمران أحمد، وحقيقة فضائح النظام في القرية الصامدة. وستظل قرية العكر مخزنا للشباب من أجل الحرية الحمراء، ولن يجني النظام غير الخسران المبين.

*باحث بحريني متخصص في علم الاجتماع.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus