موقع أمريكي: العلاقات الهشة والمتجددة بين قطر والبحرين

أعلام الدول الأربعة في حصار قطر (أرشيف)
أعلام الدول الأربعة في حصار قطر (أرشيف)

ألكسندر لانغلوا وجيورجيو كافييرو - موقع Responsible Statecraft الأمريكي - 2023-05-01 - 4:21 م

ترجمة مرآة البحرين

تمتد جذور التوترات بين البحرين وقطر بشكل عميق في التاريخ. لكن في 12 أبريل/نيسان، اتفقت المنامة والدوحة على استعادة العلاقات الدبلوماسية رسميًا بعد حوالي ست سنوات من كون البحرين أول دولة عربية تقطع علاقاتها مع قطر في بداية أزمة مجلس التعاون الخليجي الّتي امتدت من العام 2017 إلى العام 2021.

وأكّدت وزارتا خارجية قطر والبحرين استعادة العلاقات بينهما "وفقًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأحكام معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية الدبلوماسية في العام 1961" مع التأكيد على رغبتهما في "تعزيز الوحدة والتكامل الخليجيين بموجب النظام الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي ".

يجب فهم المصالحة بين المنامة والدوحة في سياق جيوسياسي أوسع نطاقًا، شهد اعتماد كلّ من الدول العربية وتركيا وإيران نهجًا أكثر براغماتية ودبلوماسية مع خصومهم الإقليميين منذ العامين 2020/2021. دفعت مجموعة متنوعة من العوامل، من انتشار جائحة الكورونا إلى نهاية عهد ترامب

وإدراك حدود ما حققته السياسات الخارجية المتشددة للجهات الفاعلة الإقليمية، الدول في الشرق الأوسط  لاعتماد سلوك أكثر دبلوماسية وأقل عدوانية. ازداد تركيز دول المنطقة على التكامل الاقتصادي والصفقات الاستثمارية والتجارة بين بعضها البعض أكثر من ذي قبل، لا سيما في أعقاب انتفاضات الربيع العربي في العام 2011.

التقارب البحريني القطري مهم نظرًا للجهود المستمرة لتعزيز وحدة الخليج العربي في أعقاب قمة العلا التاريخية في يناير/كانون الثاني 2021. وعلى الرغم من أن القمة اتخذت قرارًا برفع الحصار عن قطر، ظلّت العلاقات بين المنامة والدوحة سلبية للغاية منذ أن بدأتا التقارب العام الماضي.

وقال جوزيف آي. كيشيشيان، وهو من كبار الزملاء في مركز الملك فيصل في الرياض لموقع Responsible Statecraft إنّه "كان للبحرين وقطر، الثنائيين الغريبين في دول مجلس التعاون الخليجي بامتياز، على مر السنين نصيب من  النزاعات والخلافات، المدفوعة في الغالب بالمنافسة التقليدية على الصلة بين الجيران الأكبر والأكثر قوة".

لو كان القرار بيد البحرين والإمارات العربية المتحدة، لما تمّ رفع الحصار عن قطر في بداية العام 2021. شعرت أبو ظبي والمنامة بنوع من الخيانة بعد أن قرّر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي دعا إلى قمة العلا، استعادة العلاقات مع قطر. ومع ذلك، تحركت الإمارات نحو المصالحة مع قطر بعد أشهر، ما أدّى إلى عدد من الزيارات الرفيعة المستوى بين المسؤولين الإماراتيين والقطريين انطلاقًا من أغسطس/آب 2021، وبلغت العلاقات بينهما ذروتها مؤخرًا بالإعلان في وقت سابق من الشهر الحالي عن تخطيط الدولتين لإعادة فتح سفارتيهما.

تاريخ مُعَقّد

حتى وقت قريب، وجدت البحرين نفسها في الجانب الخطأ من الديناميكيات المتغيرة عبر الخليج خلال فترة ما بعد قمة العلا. أكّد الغياب اللافت لقيادة البحرين، على النقيض من حضور قادة دول الخليج الآخرين في كأس العالم لكرة القدم 2022  الّتي أقيمَت في قطر، كيف ظلت المنامة والدوحة منفصلتين عن بعضهما البعض. لكن على المرء أن يفهم مشاعر البحرين تجاه قطر من خلال سياق تاريخي أوسع.

سبقت الخلافات الإقليمية حول جزيرتي حوار وجنان، ومدينة الزبارة في شبه الجزيرة القطرية، ومختلف الشعاب المرجانية والمياه الضحلة في الخليج، استقلال البحرين وقطر في العام 1971. وعلى الرغم من "حلّ" هذه الخلافات بينهما من قبل محكمة العدل الدولية في العام 2001، فقد استذكرتها البحرين في مرحلة مبكرة من أزمة دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2017. وأيضًا، بمعزل عن قضية محكمة العدل الدولية، في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، خاضت دولتا مجلس التعاون الخليجي تقريبًا حربًا بخصوص جزيرة اصطناعية بنتها البحرين بالقرب من قطر قبل أن تتفقا على تدميرها. وفي تلك الفترة، ساعدت الوساطة السعودية في تجنب نشب نزاع مسلح بينهما.

في العام 2015، احتدمت التوترات الثنائية بشأن قضايا تتعلق بالمواطنة. وحذّر وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة من أن المنامة قد "تتخذ إجراء" ضد الدوحة ردًّا على "السياسات غير الودية لقطر ومحاولاتها إغراء البحرينيين بالتخلي عن جنسيتهم". في وقت سابق، بدا أنّ فيلمًا وثائقيًا لقناة الجزيرة عن الربيع العربي في البحرين ("البحرين: صراخ في الظلام") زاد من تصور المنامة بأنّ الدوحة تُشَكّل تهديدًا خطيرًا على الرغم من دعم قطر لقوات دول مجلس التعاون الخليجي التي قادت الحملة ضد الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية ذات الغالبية الشيعية في البحرين في العام 2011. بالإضافة إلى ذلك، أدّت العلاقة البراغماتية الشاملة لقطر مع إيران التي يتزعمها الشيعة إلى تأجيج مخاوف عائلة آل خليفة السنية المالكة، التي تحكم غالبية شيعية مضطربة.

في أعقاب قمة العلا، تفاقم الخلاف بين الدولتين عندما استولت السلطات البحرينية على عقارات تملكها في البحرين، وانتقد مسؤولون في المنامة قناة الجزيرة، كما احتُجِزَت سفن صيد بحرينية وطواقمها بعد دخولها المياه الإقليمية القطرية دون إذن.

فصل جديد

اليوم، يفتح انضمام البحرين إلى المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر في المصالحة مع قطر   الباب أمام الدول الستة في مجلس التعاون الخليجي لتنسيق أفضل بشأن عدد من القضايا المتعددة الأطراف. وقال ستيفن رايت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة حمد بن خليفة لموقع Responsible Statecraft إنّ "التقارب بين البحرين وقطر يُمَثّل بداية فصل جديد في علاقتهما التاريخية المعقدة، فصل يتّسم بالتنافس وانعدام الثقة، فضلاً عن البراغماتية والتعاون".

وأضاف رايت في تبادل للرسائل عبر البريد الإلكتروني أنّه "في العام المقبل وما بعده، من المتوقع أن تُحَفّز هذه المصالحة التعاون الثنائي وإجراءات بناء الثقة، بما في ذلك زيادة التجارة والاستثمار والجهود المشتركة لمعالجة نزاعات الحدود البحرية. ويُمَهّد ذلك الطريق أيضًا لمشاركة أكبر في المبادرات التعاونية المتعددة الأطراف بقيادة المملكة العربية السعودية."

من شبه المؤكد أن البحرين تعرّضت لضغوط كبيرة من الدول الشقيقة في مجلس التعاون الخليجي لاستعادة العلاقات مع قطر. بالنسبة للرياض، تُبَشّر العلاقات المستقرة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي خيرًا في ما يخص التكامل الاقتصادي للمنطقة، وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق أجندة رؤية المملكة 2030.

ومع التحديات الاقتصادية الخاصة بها، ستستفيد البحرين من علاقات الطاقة والاستثمار والتجارة والسياحة مع قطر، وهي دولة أكثر ثراءً منها. من جانبهم، سيشعر القطريون بالارتياح لتخطي الحصار الممتد من العام 2017 إلى العام 2021، حتى لو لم يتم حل التوترات الناجمة عنه بشكل كامل.

وقال الأستاذ رايت إنّه "من خلال التغلب على الحصار من دون التضحية بسيادتها، أثبتت قطر عدم جدوى النزاعات الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي وطبيعتها العكسية" وأضاف أنّ "هذه المصالحة لا تدعم فقط موقف قطر بشأن أهمية التعاون الإقليمي، بل تُعَزّز أيضًا مصلحتها الوطنية في تشكيل خليج موحد وأكثر مرونة، يتم فيه احترام السيادة والتمسك بها".

التحديات المقبلة

على الرغم من وجود الكثير من التفاؤل لدى المسؤولين الخليجيين في ما يتعلق بمستقبل العلاقات البحرينية القطرية، ووحدة دول مجلس التعاون الخليجي على نطاق أوسع، لا يزال الماضي المتقلب لكل من الدوحة والمنامة يحتاج إلى العمل الجاد للتغلب عليه.

بالإضافة إلى القضايا الثنائية الإقليمية وغيرها من القضايا التي لا تزال دون حل، تواصل الدوحة علاقاتها الجيدة مع طهران، في الوقت الذي تعتبر فيه المنامة أن الجمهورية الإسلامية تُشَكّل أكبر تهديد خارجي لها. وبالمثل، تتبنى الدولتان مواقف مختلفة جدًا بشأن التطبيع مع كل من سوريا وإسرائيل، إذ تواصل البحرين استعادة العلاقات مع دمشق وتتقرب أكثر من إسرائيل.

وصرّح كيشيشيان لموقع Responsible Statecraft   "أنّ هذه المصالحة الأخيرة تحتاج إلى معالجة عدد من العقبات: أولًا، الآراء بشأن إيران ، التي تتفاوت بين آل خليفة وآل ثاني [العائلة المالكة في قطر]. فآل خليفة حذرون من طهران في حين يعتبرها آل ثاني شريكًا تجاريًا. ثانيًا، في الوقت الذي تضم فيه كلتا الدولتين منشآت عسكرية غربية، تنسق البحرين اتفاقياتها مع المملكة العربية السعودية، وبدرجة أقل مع الإمارات والكويت. تعتبر قطر اتفاقياتها العسكرية مع الولايات المتحدة مسألة ثنائية بحتة. وستحدد كيفية تجميد المنامة والدوحة هذه الأمور ومجموعة متنوعة من الأمور المماثلة اتجاه المصالحة".

مع حصول كلتا الدولتين الخليجيتين على موقع حلفاء رئيسيين من خارج حلف الأطلسي، ترحب واشنطن بعلاقات أفضل بين جميع حلفائها وشركائها في المنطقة، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أنّ مقر الأسطول الخامس الأمريكي يقع في البحرين بينما كان المقر الرئيسي للقيادة المركزية الأمريكية في القاعدة الجوية القطرية في العديد منذ بداية الألفية. شكّلت أزمة دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة الممتدة من العام 2017 إلى العام 2021قضية صعبة لواضعي السياسات في الولايات المتحدة، والذين رأوا أن الأزمة في الغالب مفبركة، وأنّها ذات نتائج عكسية تضر بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية.

 

النص الأصلي