» رأي
عجل الطائفة
صافي نزار - 2012-10-11 - 11:46 ص
صافي نزار*
كلنا يعرف حق المعرفة أنه ليست هناك طائفة أعلى من طائفة، وأنه لن تدخل الجنة طائفة على حساب أخرى، وأن الله لم يلعن اليهود في القرآن لأنهم يهود، ولم يمتدح النصارى لأنهم نصارى، وأنه لن يخص فئة من المسلمين بنظرة منه لمجرد أنهم أطلقوا على أنفسهم لقب "أهل السنة والجماعة" أو "أهل السلف الصالح" أو "شيعة أهل البيت". فلم الاستمرار في هذا العبث الطائفي؟
لقد فطنت السلطة إلى أن الشحن الطائفي والآثار المترتبة عليه أكثر فاعلية من أي سلاح يستخدم في تمكين السلطة من الاستمرار ويحفظ لها مقومات البقاء لأطول فترة ممكنة. السلطة ليس غافلة عن أن بقاءها في الحكم هو أمر محدود بأجل ـ طال أو قصر ـ لذا فهي تعمل جاهدة على إطالة عمر بقائها بأدوات العنف والقمع، وبتأجيج الفرقة والتشرذم بين مكونات الشعب.
ولأن العقل البشري يسهل عليه التناغم مع منظومة من الثنائيات: الخير في مقابل الشر، والعدل في مقابل الظلم، إلخ؛ فإن السلطة – أي سلطة – عندما تواجه خطرًا يهدد بقاءها واستمرارها، توعز إلى ماكيناتها وأدواتها الإعلامية بتكرار مفردات مثل الخير، والعدالة، والإصلاح، والأمن، لصالح أهدافها وغاياتها، ونسبة أضداد تلك المفردات إلى خصومها. هذا ما حدث ويحدث في جميع المواقف التي تتسم بصراع بين الأطراف على السلطة. أما بالنسبة للبحرين فإن السلطة وجدت أن لديها فائدة مضافة، وهي أن الشعب الذي تحكمه يتكون من طائفتين كبيرتين: شيعة وسنة، فضلاً عن تعدّد أصول كل طائفة وتنوّع أعراقها. وقد خدمت هذه التركيبة السلطة في البحرين واستفادت منها على مدى عقود طويلة، وتسترت وراءها لتخفي عن أنظار الناس ممارسات الفساد والإفساد المستشرية في كافة قطاعات الدولة، وعلى كافة مستويات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
لقد استفادت السلطة والنظام الحاكم في البحرين من تعددية المجتمع وشطرته، بدهاء يخجل أمامه دهاء معاوية، إلى فئة في الدرجة الأولى وفئة في الدرجة الثانية، وخصت نفسها بـ "الدرجة الممتازة"، ثم قسمت فئة الدرجة الأولي إلى فئة "الصفوة" أو من هم "من ثوبنا" ومن هم "غير ذلك"، وانتقلت بعدها إلى "الغير ذلك" فصنفتهم إلى "أولادنا" و "مهب أولادنا"، وبعد ذلك وزعت "المهب أولادنا" بين وظائف الفداوية، والخدم، والعبيد، و"المطاريش"، ومن نأى بنفسه عن هذه التقسيمات وضعته السلطة ضمن قائمة "الضالين".
وعندما جاء الدور لفئة الدرجة الثانية بقيت صفة "الأغيار" لصيقة بكل فرد منهم، ولم يرقَ أي منهم إلى مرتبة الصفوة أو فئة "من ثوبنا"، بينما سمحت لبعضهم أن يكونوا من "أولادنا"، وتركت لمن شاء أما أن يصفّ مع الخدم، والعبيد، و "المطاريش"، أو أن ينضم إلى قائمة "المغضوب عليهم".
هذه هي الكيفية التي ترى فيها هذه السلطة أفراد الشعب. وهذه هي الكيفية التي تتعاطى من خلالها مع مكوناته؛ فتعطي وتمنع، وتقرّب وتبعّد، وتخُص وتستثني، كلٌ بحسب تصنيفه؛ وكل منهم يحصل على ما يُرمى إليه من فُتات بحسب موقعه من هذا التصنيف. لهذا نجد بعض من تهفو نفسه إلى زيادة حصته من فتات عطاء السلطة يجد في السعي إلى الارتقاء من رتبة سُفلى إلى رتبة أعلى، وقد يضطر إلى تغيير جلده، وقناعاته، بل وتزوير تاريخه، إذا كان في ذلك تحقيق ما تصبو إليه نفسه. ولكن مالا يراه ذلك المجدّ في السعي هو أنه مهما بلغ اجتهاده وأيًا كان جهده فإن له سقفًا لن يخترقه ولن يتجاوزه إلى ما هو أعلى منه.
إذن فالمعضلة لا تكمن في كونك سنيًا أو شيعيًا؛ وإنما في "درجة ولائك" للسلطة ومدى مساهمتك في إطالة عمرها وبقائها. فاخرج من شرنقة الطائفة لترى ما يدور حولك بعين لا تغبشها العطايا والمواهب والمكرمات. إن الخروج من شرنقة الطائفة يعرّي منظومة الفساد ويفضح المفسدين. وهذا ما لا تريده السلطة، وهي لن تساهم ولو بخردلة في لم شمل المجتمع وتوحيد صفوفه، وما حديث أدواتها عن الأسرة الواحدة، ومجتمع العدالة والمساواة، ودولة القانون والمؤسسات سوى هباء نثره وفضحه رفض السلطة لتشريع قانون يجرّم التمييز بين المواطنين.
نحن نستمر في عبث الشحن والتشرذم الطائفي، ونستمرئ الاصطفاف خلف من يوظف "العقيدة" ليغذّي فينا نزعة التوق إلى "الغنيمة"، لأن هذا العبث والاصطفاف يجنبنا مواجهة ما هو أعلى كلفة وأخطر عاقبة؛ لأنه يجنبنا استحقاقات المطالبة بحق الوطن وبحق من يعيش على أرضه.
ليس هناك مواطن سني وأخر شيعي؛ وإنما هناك مواطن صالح ومواطن مفسد؛ هناك مواطن قبل بوظيفة العبيد ومواطن يرفض أن يكون عبدًا لسلطة تحرمه أبسط حقوق مواطنته؛ هناك مواطن يأكل من مائدة السلطان ومواطن يبحث عن قوت يومه بين بقايا مائدة السلطان؛ هناك مواطن ينتهي به الأمر إلى السجن نتيجة مطالبته بحقه، ومواطن يقبل بأن يغطي ممارسات الفساد فيودع في السجن كبش فداء لمفسد أعلى منه.
أنت سنيّ أو شيعي عندما تقوم في مصلاّك وتركع وتسجد أمام خالقك، ولكن عندما تكون في حضن الوطن فأنت مواطن لك ما لك وعليك ما عليك؛ فأخرج عجل الطائفة من عقلك وستجد الوطن حاضرًا في قلبك.
* كاتبة من البحرين.
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق