هكذا ولهذه الأسباب تمتّ سرقة "مقبرة السادة" في توبلي
2023-03-22 - 12:51 م
مرآة البحرين (خاص): في العام 1968 كانت البحرين على موعد مع افتتاح مشروع إسكاني طموح سمي يومها بمدينة عيسى. مشروع إسكاني للمرة الأولى لم يراع فيه مذهب صاحب الطلب، وكان يمكن له أن يكون خطوة أولى تتبعه خطوات أخرى، تقضي على التمييز شيئاً فشيئاً في الملف الإسكاني.
افتتح أمير البلاد آنذاك الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة هذه المدينة في حفل كبير أقيم في استاد المدينة وحضره الآلاف. يومها خصص الأمير مقبرة لكل طائفة في المدينة لدفن موتاهم، أعطيت واحدة للطائفة الشيعية وأخرى للطائفة السنية. للمصادفة فإن مقبرة الطائفة السنية كانت ملاصقة لمقبرة السادة التاريخية في توبلي.
بقيت مقبرة السنة مهجورة زهاء عقدين من الزمن، حيث فضل المواطنون السنة دفن موتاهم في مناطقهم الأصلية آنذاك. حينها خاطب الأهالي وزارة التربية طالبين إنشاء مدرسة ابتدائية للبنات عليها، وهو الطلب الذي رحبت به وزارة التربية، وبعد 4 أعوام خاطب الأهالي وزارة الإسكان التي تجاوبت مع مطلبهم وقامت بإنشاء مدرسة عليها.
لاحقا اكتشفت الأوقاف السنية التي كانت تعمل على مسح ممتلكاتها أن الأرض المخصصة لها في توبلي قد أصبحت ملكاً لوزارة التربية والتعليم. لكن بعد مراجعة السلطات قامت الأخيرة بوهبها مقبرة السادة بدلاً عنها. هكذا بجرة قلم قرر شخص ما أن مقابر الشيعة لا حرمة لها، ويمكن وهبها لمن يشاء وقتما يشاء.
علمت إدارة نادي توبلي بنقل ملكية مقبرة السادة وقامت بمخاطبة الأوقاف الجعفرية في هذا الشأن، وبدأت بوادر غضبة شعبية تلوح في الأفق، فقرر المعنيون أن تبقى المقبرة على حالها دون أن يطرأ عليها أي تغيير خشية من تطور الأمور أكثر.
لكن الأوقاف السنية عاودت الكرة مرة أخرى، وعادت بعد حوالي 10 أعوام، في فبراير 2004 بمسح المقبرة ووضع علامات فيها، وهو ما استدعى شكوى من عضو المجلس البلدي آنذاك عباس محفوظ ومتابعات مع الأوقاف الجعفرية.
في العام 2005 خاطبت الأوقاف الجعفرية وزارة الإسكان وطالبتها بتوفير مسح جديد للمقبرة، كما قامت بمخاطبة وزير العدل لتبيان حقيقة ملكية الأرض، لكنها لم تتلق أي جواب، فقررت اللجوء إلى دائرة الآثار والتراث ومطالبتها بالتنقيب عن المقبرة وكشف تاريخيتها.
200 سنة عمر المقبرة
في مارس 2005 أعلنت دائرة الآثار والتراث انتهاءها من عمليات التنقيب، وخلصت إلى أن مقبرة السادة يعود تاريخها إلى ما يزيد عن 200 سنة، وهو ما ظن الجميع أنه أنهى جدلاً حول حقيقة المقبرة، لكن شيئاً لم يتغير من قبل الحكومة.
بقيت ملكية المقبرة للأوقاف السنية، التي بدورها قامت بعد عامين فقط (مايو 2007) بمحاولة جرف القبور لإقامة عمارات استثمارية عليها، وهو الأمر الذي أدى لغضب واستنفار الأهالي الذين قاموا بالتعاون مع بلدية الوسطى عبر تنظيف المقبرة في إشارة رمزية لتابعية المقبرة لهم، وعدم السماح بالمساس بها من قبل أي أحد. فيما لوح النائب جلال فيروز باستجواب الوزير وطالب الجعفرية بالتحرك.
لكن وزارة العدل وبدلاً من احتواء الموقف، قامت بالتصعيد وقررت رفع دعوى قضائية ضد بلدية الوسطى لقيامها بتنظيف المقبرة. قالت (ديسمبر 2008) إن وثائق قديمة لديها تثبت أن مقبرة السادة تعود ملكيتها للأوقاف السنية.
قرر المعنيون مرة أخرى أن يضعوا ملف مقبرة السادة على الرف دون أن يطرأ عليه أي تغيير، عل وعسى أن ينسى الأحفاد مستقبلاً أجدادهم المدفونين فيها. بعد حوالي 13 عاماً، عاودت الأوقاف السنية الكرّة، وبعثت أحد موظفيها لوضع لوحة وعلامات في المقبرة، لتطفو إلى السطح القضية مجدداً.
واجه الأهالي موظف الأوقاف السنية، ومنعوه (ديسمبر 2021) من وضع العلامات داخل المقبرة، وقاموا بحملة جديدة بدأت بتنظيف المقبرة، ثم التحشيد لإقامة الصلاة في مسجدها التاريخي، كما دعت إدارة الأوقاف الجعفرية للتنقيب عن المسجد وبيان تاريخيته.
خلاصة التنقيب
استجابت إدارة الأوقاف الجعفرية لطلب الأهالي ونقبت عن المسجد لمدة ثلاثة أيام وخلصت إلى أن المسجد بشكل مستطيل، طوله 39 قدماً وبوصة واحدة، وعرضه 20 قدماً و6 بوصات، وهو من ضمن المساجد التي بنيت على شكل "رواقين وفناء" مثل مسجد الشيخ إبراهيم في كرانة.
كما وجد المنقبون أن المسجد مفروش بالحصم والصبان البحري والجص، وعثر فيه أيضاً على بقايا حريق، ما يدل على تعرض المسجد للحرق سابقاً. كما عثر خلال التنقيب على المحراب الذي يحدد اتجاه القبلة، بعرض قدمين و6 بوصات، وطول قدم وارتفاع قدم.
خلص المنقبون أيضاً إلى احتمالية وجود مدرسة دينية (حوزة) ضمن المسجد. وجاء في استدلالهم أن مساجد المقابر امتازت بصغر حجمها، فيما كان لافتا أن حجم مسجد مقبرة السادة كان أكبر من المتعارف عليه. وبعد التنقيب توصل الباحثون إلى وجود ملحق بمساحة 30 * 14 قدم، قريب من مساحة مسجد المقبرة نفسه، وهو ما رجح فرضية وجود حلقة درس ديني في المسجد، خصوصاً أن توبلي اشتهرت قديما بحلقات الدرس الديني مع العلامة السيد هاشم التوبلاني وغيره.
وعثر المنقبون على قبر مبني بالجص في الجهة الشرقية من مدخل المسجد، وهو ما يعتقد أنه يعود لأحد علماء المنطقة، أما عن تاريخ المسجد فيعتقد أنه بني قبل قرون عدة نظراً لتكوين أساسات جدرانه من عدة طبقات. أما الهندسة المعمارية للمسجد فهي دليل آخر على أنه يتبع الأهالي من الطائفة الشيعية، بالإضافة لأنه مقام في منطقة شيعية ذات كثافة سكانية عالية.
مقبرة السادة، مسجد الخميس، مسجد البربغي وغيرهم، من معالم الطائفة الشيعية القديمة التي تم استهدافها والتي تحكي ثقافتهم وتاريخهم. مثل هذه المعالم يحلو لصاحب القرار استهدافها عبر تزوير تاريخها، أو محوها وإنهاء وجودها إن استطاع لذلك سبيلا.