رسالة أهل البحرين إلى قداسة الحبر الأعظم، البابا فرانسيس

قداسة الحبر الأعظم
قداسة الحبر الأعظم

2022-11-03 - 3:57 م

رسالة أهل البحرين إلى قداسة الحبر الأعظم، البابا فرانسيس 

قداسة الحبر الأعظم، البابا فرانسيس،

قبل كل شيء، نحن لدينا طلب وحيد منك، ستجده في ختام هذه الرسالة، لكن اسمح لنا أن نُعرّفك بأنفسنا، لأننا متيقنون أن الجهة التي دعتك لبلادنا لن ترغب في أن تتعرف علينا.

مرحبا بك، في البحرين أرض الإيمان، أرض أبناء عبدالقيس، تشبعنا برسالة المسيح هنا منذ القرن الثالث الميلادي، وربما قبل ذلك، مازال هذا الإيمان وحب المسيح وأمه في نسيج تكويننا.

 قبل أن تعرف هذه الجزيرة التعليم الحديث، كانت النساء تُعلّم الأطفال حروف الهجاء من خلال قصة عيسى، إنها قصة مشوقة، مكتوبة في مخطوطات كتبنا التي تحكي وفاة مريم (ع)، في كل عام نقرأ قصة حياتها وإنجابها للمسيح في ذكرى وفاتها، ونوزّع خبز مريم ورطب مريم ومنتوجات الخضار، تبركاً بها وبابنها.

 تقول الحكاية إن مريم أرسلت ابنها المدرسة، فأخذ يسأل المعلم عن تفسير (أبجد هوز)؟ فلا يعرف المعلم المعنى، فيضرب عيسى بدل أن يجيبه، فيقول له عيسى: لقد أرسلتني أمي لتعلمني، لا لتضربني، لكنك لو سألتني لأجبتك. هنا يأخذ عيسى دور المعلم، ويقول له: الألف لا إله إلا الله، والباء بهاء الله، والجيم جلال الله، والدال دوام الله. 

هكذا، نحن نتعلم حروف الهجاء من خلال قصة عيسى، ونتعلم الكلمات بما هي إشارات إلى توحيد الله، وجماله وبقائه دوما حافظا وحفيظا لنا وللعالم.الإيمان المسيحي الذي تشبعنا به، فتح عقولنا وقلوبنا على فكرة التوحيد في الإسلام، فصرنا بمسيحيتنا الموحدة مسلمين مسالمين. 

في العام 1783م جاءت العائلة الحاكمة لهذه الجزيرة حاملة معها تجربة الصحراء والغزو، اعتبرتنا غنائم فتح، تملكت مزارعنا وأرضنا وفرضت الضريبة على رقابنا، وبحكم العمق الحضاري وتراثه الثقافي الذي نحمله طوال هذه القرون، لم تتمكن من القضاء علينا، على الرغم من القتل والتشريد والتهجير والتمييز والتهميش، بقينا نكتب ونؤلف ونقاوم ونتوارث الشعر والأدب والفقه والدين والقصص التي تحكي أصالتنا، وبقيت العائلة الحاكمة عصية على الترويض والقبول بنا مواطنين وشركاء في السلطة والحكم. 

مع نهاية العام، نحتفل بمرور مائة عام على بداية الإصلاحات السياسية التي ناضل آباؤنا البحرانيون لإقرارها عبر السلطة البريطانية التي عزلت الحاكم وفرضت أول شكل حديث للدولة، إلا أن مسار الإصلاح تعثر، وصرنا على رأس كل عقد نشهد انتفاضة أو ثورة أو موجة احتجاج، كان آخرها موجة احتاجات الربيع العربي في 2011، وكانت النتائج كارثية حتى هذه اللحظة، أكثر من أربعة آلاف سجين رأي سياسي، مئات المهجرين واللاجئين السياسيين، إعدامات وإسقاط جنسيات وتجريد من حقوق المواطنة وتدمير للمساجد والتراث الثقافي. ورفض الاستماع للمطالب أو الحوار الجدي حولها. 

قداسة الحبر الأعظم،

نعم، نحن السكان الأصليين في هذه الجزيرة، وعلامتنا المميزة لهويتنا مُعمَّدة بثقافة المسيح، وبسلامه ومحبته واتساعه وإيمانه، ستجد هذه العلامات في أسمائنا وأسماء قرانا ومعجم كلماتنا وآثار أرضنا وطبيعة تديننا وأجندة مناسبات احتفالاتنا الدينية وسردنا وحكايات جداتنا وفطرتنا الطيبة النابذة للعنف والصراع والكراهية.

أبناء هذه الثقافة يعرفون أن توحيد الله وبهائه وجلاله ودوامه كلها في القرآن، ومفتاح هذه التوحيد في (أبجد). ويعرفون من خلال قصة مريم التي يقرأونها في حكاياتهم وسردهم وقرآنهم، أن الحسين هو المسيح الذي يُجسّد الكلمة،  فصاروا يرفضون الظلم والاستبداد ويحبون الحرية المظللة بالإيمان ويعشقون الآية القرآنية التي تقول "أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" إنها تلتقي مع ما ورد في إنجيل لوقا "اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ، وَالظَّالِمُ فِي الْقَلِيلِ ظَالِمٌ أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ".

قتْلُ نفس واحدة ظلم كثير، واضطهاد جماعة واحدة قتل للناس جميعا، إننا نفهم الدفاع عن النفس الواحدة المظلومة والجماعة الواحدة المضطهدة، بأنها تمثل رسالة الإسلام ورسالة المسيحية، وهذه رسالة الكرسي الرسولي المقدس بالمسيح ورسله وأبوتكم.

قداسة الحبر الأعظم،

نحن من هؤلاء الذين يفخر بهم بولس الرسول في رسالته "نَحْنُ أَنْفُسَنَا نَفْتَخِرُ بِكُمْ فِي كَنَائِسِ اللهِ، مِنْ أَجْلِ صَبْرِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فِي جَمِيعِ اضْطِهَادَاتِكُمْ وَالضِّيقَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا" لم نفقد إيماننا بالمسيح ولا بما عمّد به ثقافتنا من حب وسلام ووحدانية، فنحن أبناء الكنائس والمساجد والحسينيات ومحمد وعيسى والحسين.

كانت مرجعيتنا الدينية والروحية في نينوى حيث الكنيسة المسيحية الشرقية، وظلت نينوى مرجعيتنا بعد أن عمّدها الحسين بدمه من أجل كلمة الحق التي تجسّدت في المسيح ومحمد والأنبياء والأئمة، وعلى مقربة من نينوى اليوم مرجعيتنا الدينية في مدينة النجف حيث السيد علي السيستاني الذي تعرّفت عليه وأحبك وأحببته في زيارتكم التاريخية.

نحن أبناء هذه المرجعية، يا قداسة الحبر الأعظم، بحاجة إلى كلمة سواء وإنصاف وحوار، منذ 2011 وسلطتنا السياسية تستخدم شعار الحوار والتعددية الدينية والانفتاح والتسامح مع جميع الأقليات، تفعل ذلك لتُمعن في ظلمنا واضطهادنا وتقليل غالبيتنا بالتجنيس السياسي، لأننا نشكل ثقلا يحتاج إلى تمثيل في الحياة السياسة ومشاركة في السلطة التنفيذية.

 قداسة الحبر الأعظم،

الإيمان في ثقافتنا يجعل صورة الإنسان رداء جميلاً للألوهية، يقول أحد كبار المتصوفة "ما ترّدى الحق برداء أحسن من الإنسان".نرجو ألا يُستغل رداء قداستكم للتغطية على الظلم الذي يلحق بنا، نطلب منكم، نحن الغالبية من السكان الأصليين، كلمة تليق بقداسة الكرسي الرسولي، كلمة تدعو السلطة للحوار الجدي لا الإعلامي مع من تعتبرهم خصومها من أبناء السكان الأصليين وارثي كلمة المسيح وسماحته، وقداستكم تعرف أن تدبييج الكلمات الفارغة إمعان في قتل الناس جميعا، وظلم كثير لا يقبل به المسيح. 

دامت بركاتكم وقداستكم، وجعلكم للمظلوم عونا وللظالم خصما

أبناء محمد والمسيح والبحرين