التغيير من الداخل: الممكن في الكويت مستحيل في البحرين
2022-10-30 - 7:13 ص
مرآة البحرين (خاص): لطالما ارتبط اسم البحرين بالكويت في كل مقارنة متعلقة بالحراك السياسي بشكل عام والعمل البرلماني بشكل خاص، وسبب هذا الارتباط يعود تاريخياً إلى عدة عوامل لربما أبرزها أن الدستور البحريني الأول (دستور 1973)، هو في حقيقته كان دستور الكويت مع إدخال تعديلات توائم خصوصية البلد.
وفيما يتعلق بالعمل البرلماني، فإن البحرين كانت تشبه إلى حد كبير الكويت التي سبقتها في العمل البرلماني بعقد من الزمان.
نلاحظ مثلاً إن الحكومة في برلمان 1973 كان لها حق التصويت في المجلس، وإن عضو البرلمان كان يستطيع استجواب أي وزير في أي لحظة يشاء، وإن حصانة النائب كانت حقيقية لا صورية كما هو اليوم.
لكن الأمور اختلفت كثيراً بعد دستور (المنحة) 2002، وبالمناسبة فإن الخبير الدستوري الكويتي البارز الدكتور محمد الفيلي هو أول من أطلق على دستور 2002 البحريني لقب "المنحة".
ما الذي اختلف اليوم، ولماذا أصبح برلمان البحرين أشبه بمجلس شورى، يشارك الناس في انتخاب أعضائه؟ ولماذا أصبح الحديث عن "التغيير من الداخل" حديثاً فكاهياً لا يأخذه أحد على محمل الجد؟ للإجابة على هذه الأسئلة يمكننا النظر إلى التجربة البرلمانية الكويتية وقوة المجلس وتأثيره، وتطور العملية السياسية هناك.
بالعودة قليلاً إلى تجربة الكويت البرلمانية سنلاحظ إنها مرّت بمنعطفات ومطبات حقيقية. لقد حل البرلمان وعلّق العمل بالدستور في الكويت مرتين (حل غير دستوري)، (الأولى 1976-1981) (والثانية 1986-1992).
لكن الأسرة الحاكمة في الكويت توصلت سريعاً إلى نتائج أبرزها، أن حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور لا يحقق استقراراً، وتزوير العملية الانتخابية بالتأكيد لن تكون الحل (كما جرى في انتخابات 1976)، لذلك لجأت الدولة إلى لعبة قانونية معمول بها في معظم دول العالم، وهي لعبة تعديل الدوائر، لتزيدها من 10 إلى 25 دائرة، وكل دائرة ينتخب منها نائبين (يتكون مجلس الأمة الكويتي من 50 نائباً).
على الرغم من هذه القيود بقيت المعارضة تشارك في العملية الانتخابية، واستمر الضغط الشعبي في تواريخ ومنعطفات مهمة أبرزها ما نتج عنه التغيير الكبير في شكل الحياة السياسية في العام 2006 حين رضخت الحكومة نتيجة للضغط الشعبي إلى مطلبين مهمين هما تقليص الدوائر الانتخابية من 25 إلى 5 دوائر فقط وأعطي الناخب الكويتي حق التصويت لأربعة أشخاص (في أقرب نظام انتخابي لنظام القوائم الانتخابية والنسبية)، وإعطاء المرأة للمرة الأولى حق الترشح للانتخابات بعد سنين من النضال أيضاً.
لكن نظام الحكم بالتأكيد سيقاتل من أجل إعادة تقليص صلاحيات البرلمان، وهذا ما حصل في العام 2012 حين أصدر الأمير مرسوماً بتقليص حق الناخب الكويتي من الإدلاء بأربعة أصوات إلى الإدلاء بصوت واحد، وهو ما أدى إلى إعلان المعارضة مقاطعة الانتخابات، واعتبار ما حدث تراجعاً.
في العام 2018 قررت المعارضة العودة إلى الحياة السياسية بقوة، وشاركت بشكل واسع في الانتخابات واكتسبت أغلبية نيابية، لكن مشاركة الحكومة في التصويت لرئيس المجلس ونائبه في الجلسة الافتتاحية أدى لترجيح كفة مرزوق الغانم المنبوذ من المعارضة وهو ما فتح الباب أمام دوامة من الأزمات السياسية المتتالية التي انتهت بحل المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة كسبت فيها المعارضة الأغلبية مجدداً. بعد أيام من انقضاء الانتخابات أعلن عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة أحمد النواف (نجل الأمير)، لكن التشكيلة الوزارية لم تعجب المعارضة التي تشكل غالبية البرلمان، وهو ما أدى إلى تأجيل الجلسة الافتتاحية وإعادة تشكيل الحكومة بعد الاستغناء عن 8 وزراء من أصل 15 وزيراً (53٪ من التشكيلة الحكومية)، ما يعني فرض إرادة النواب على الحكومة قبل انطلاق أعمال المجلس.
وترجمة لقوة النواب والبرلمان الكويتي، انسحبت الحكومة من الجلسة الافتتاحية أثناء انتخاب الرئيس ونائبه كي لا تؤثر على مسار التصويت، وسط تصفيق من الحاضرين، على الرغم من امتلاك الحكومة للحق الدستوري بالبقاء في الجلسة والتصويت لمرشح الرئاسة ونائبه وصولاً إلى اللجان البرلمانية وأعضاؤها.
الخطوة الحكومية الأخيرة نزعت فتيل أزمة متوقعة مع السلطة التشريعية، وهي قد تكرّس عرفاً دستورياً تتوارثه الحكومات المقبلة دون حاجة لإجراء أي تعديل دستوري، وكما هو معروف فإن الأعراف الدستورية لها قوة القانون/الدستور إذا ما تم تكريسها عاماً بعد عام ونستطيع القول إن العرف الدستوري هو أبرز نماذج "الإصلاح من الداخل" التي قد تسحب من أمير البلاد أهم نفوذ له على السلطة التشريعية في قضية انتخاب رئيس المجلس.
لهذه الأسباب كلها، فإن التغيير من الداخل ممكن في الكويت، لكنه مستحيل في البحرين.