عباس المرشد: الأمانة العامة للتظلمات .. شرعنة الانتهاكات والتصفيات الجسدية

عباس المرشد - 2022-10-01 - 7:29 م

كان تشكيل الأمانة العامة للتظلمات خطوة في شرعنة التجاوزات والانتهاكات التي تجري داخل أبنية وسجون وزارة الداخلية. رغم طابعها المستقل إلا أنها وبحكم طريقة تشكيلها بأوامر ملكية خالصة يجعلها مؤسسة وظيفية لا تخرج على الأطر الرسمية أو لا تقوى على أن تكون خارج المسموح به من قبل النخب الفاعلة في العقل الأمني البحريني.
إذن هي مؤسسة أمنية بامتياز ذات طابع مدني حقوقي وظيفتها خلق توازن سياسي أو هكذا تبدو وظيفتها التي لم تتقن أداءها لحد الآن. تمثل الجمل السابقة قناعة الجميع في داخل البحرين وخارجها وهي قناعة تمثل حصيلة عمل عقد كامل لم تثمر عن إنجاز مقبول. ولكن ماذا عن جذرها الأعمق والذي لا يظهر في الإعلام؟
صحيح أن الأمانة العامة للتظلمات مؤسسة ملكية، لا تخرج وظيفتها السياسية عن عقيدة الدفاع عن سياسات الملك وأجهزة العقل الأمني، إلا أن فحص عقيدتها السياسية يعطي تصورا أعمق لدورها وممارساتها.
في خبرها الأخير المتعلق بقضية الإساءة والتعدي على الفقيه الشيخ عبد الجليل المقداد، تبدو الصورة دقيقة جدا وتبدو العقيدة السياسية لدى الأمانة العامة للتظلمات جلية، فالبيان الذي كتب على عجل وتفاديا لمواجهة موجة الغضب الشعبي إزاء الإساءة لرمز ديني لا يختلف اثنان على نزاهته وتقواه وورعه وشجاعته، أظهر نزعة طائفية مقيتة غذتها عقيدة سياسية لا تختلف عن عقيدة داعش السياسية.
يتوجب علينا فحص هذه المقولة كثيرا لأنها ستضع لنا أفق التوقعات وطريقة التعامل مع المؤسسة. بالرجوع إلى سجلاتها سنجد أنها تؤيد وجود ما يمكن تسميته بالجذر الداعشي والعقيدة السياسية الإقصائية فالأمانة العامة وقفت موقفا مؤيدا لإجراءات إدارة سجن جو المركزي فيما يتعلق بحرمان المعتقلين أو جزء كبير منهم من تأدية شعائر عاشوراء. نموذج آخر يدلل على الجذر الداعشي القائم على الاستهداف الطائفي هو بيان الأمانة نفسها في شأن قضية الشيخ زهير عاشور وخطة التصفية التي أوشك أن يكون أحد ضحاياها.
مراجعة سجل الأمانة العامة للتظلمات إذا ما أزحنا أخبار العلاقات العامة ( استقبال وفود، رسائل تهنئة، لقاءات إعلامية) فلن يكون لها من دور سوى الإجهاز على ضحايا العقل الأمني والتشهير بهم ومحاولة إظهارهم كمجرمين وكذابين، وبالتالي فهم يستحقون العقاب نظرا لنشرهم أخبار كاذبة والقيام بما يسيء لسمعة الجهاز الأمني. ولعل موقف الأمانة من قضية استشهاد الشاب عباس علي حسن دليل آخر على ترسخ عقيدة الإقصاء وعقيدة التصفية لديها وبالمثل فإن بيان الأمانة نفسها في شأن الاختفاء القسري، وهو العقوبة المفضل تنفيذها لدى إدارة سجن جو على مجموعات مختلفة من المعتقلين السياسين، مثل تلك البيانات تعكس أيضا نزعة داعشية في قوامها شرعنة كل أشكال العقوبات البدنية والنفسية بحق المخالفين أو الأعداء المفترضين
ففي كل البيانات التي يفترض قيام الأمانة العامة بتحقيق شفاف وعادل نجدها تتبنى رواية وزارة الداخلية بكل حرفية وتضيف عليها طابع سلامة الإجراءات والانتهاكات، لذا ليس من المستغرب أن نجد هذه العبارة في أحد البيانات المتعلقة بالإضراب داخل سجون جو، وعلى إثر ذلك قام فريق من إدارة مراقبة مراكز الإصلاح والتوقيف بالأمانة بزيارة غير معلنة "مفاجئة" مساء أمس الأحد 9 مايو 2021 م، إلى مركز إصلاح وتأهيل النزلاء، استهدفت بشكل أساس أحد المباني الموجود فيه نزلاء قاموا بأحداث شغب بتاريخ 17 أبريل 2021 م، " ونتيجة لهذه الزيارة المفاجئة جاءت نتيجة التحقيق مؤكدة لبيان وزارة الداخلية " وقد تبين قيام بعض النزلاء في عدد محدود من "العنابر" بأعمال شغب داخل الغرف "الزنازين" القاطنين فيها رافضين تنفيذ التعليمات والتوجيهات التنظيمية والقانونية، ومصرين على البقاء داخل هذه الغرف، الأمر الذي شكل خطورة على هؤلاء النزلاء أنفسهم أولا ثم على طاقم المكان من أفراد الأمن وغيرهم من الطواقم الإدارية المساندة ثانيا، وعطل كذلك تقديم الخدمات الاعتيادية لهم مثل إجراءات الاتصالات الهاتفية والمرئية، بالإضافة إلى ذلك فإن عددا من هؤلاء النزلاء رفضوا الخروج من الغرف وإجراء الاتصالات بشكل طوعي"
إن ما تخبرنا بها سجلات الأمانة العامة للتظلمات أن سجون البحرين هي جنة الله على الأرض وهي الأرض الموعودة بتحقيق العدالة وتطبيق مواثيق حقوق الإنسان ولا تريد الامانة العامة للتظلمات أن تخبرنا أن السجن بما هو سجن لعدد كبير من المعتقلين هو ظلم لحق بهم بلا ذنب سوى أنهم كانوا أصوات دعاة عدالة وحريات عامة وأصوات وجدت في الظلم وحش كاسر يلتهم ثروات الوطن ويقيم دولة الامتيازات. كان الأجدى بالأمانة العامة أن تكون مؤسسة ترفع الظلم أما الواقع فعقيدتها السياسية راسخة في كونها مؤسسة تمتثل لجذور داعش العقائدية، فتشرعن التصفيات الجسدية والإكراهات والانتهاكات الطائفية بحق مجموعة كبيرة من المعتقلين لأسباب طائفية بامتياز.

* كاتب وباحث بحريني مقيم في المملكة المتحدة