لماذا على حكومة البحرين أن تنتشل سيد ضياء الموسوي العضو الشوري السابق من مستنقع الكآبة؟
2022-09-27 - 6:40 ص
مرآة البحرين (خاص): لا تبدو أحوال السيد ضياء الموسوي، عضو مجلس الشورى البحريني السابق، على ما يرام هذه الأيام. وتشي تعليقاته التي يلقمها في حسابه على "تويتر" عن رجل مكلوم مكتئب متذمر يعيش في عزلة قاتلة مع إمكانية أن يتطور كل ذلك إلى سخط جارف يصعب احتواؤه. فالرجل خارج الشبكة الزبائنية للحكم لأول مرة منذ (2006 - 2018)، بلا تأمين صحي، ابنه مهندس ظل سنة عاطلا عن العمل. فيما يهيم هو متسكعا منذ أشهر في شوارع أوروبا في غربة اختيارية يخبرنا أنها أتت "من شدة ما شهدتُه من أوجاع ثقافية في الوطن". وأنه لا يعرف ميعاد العودة. "حتى أنا لا أعلم متى. أتركها لطبيب اسمه الزمن".
من بين هذه الأوجاع الشديدة يخبرنا الموسوي عن "إقصائي [الذي] جاء بصور مختلفة ومتنوعة من عزلة وعدم تقدير وتشويه" بما في ذلك إفساح المجال لمهاجمته في الصحف المحلية. حتى أنه؛ في ظل كل ذلك، لم يعد في مستطاعه "الحضور في مناسبتين غاليتين عليَّ"، الأولى كما يخبرنا بنفسه هي "موعد زواج ولدي البِكر"، والثانية "تخرج ابني الثاني من الجامعة". ويقول في نبرة تخترقها المرارة "يعزّ عليّ عدم حضور المناسبتين رغم أن عائلتي هي أغلى ماعندي".
يجلس الرجل ساعات طويلة على موقع "تويتر" لبثّ نهفاته الحرّاقة التي هي أشبه بزفرة إنسان مسحوق وليس رئيس "حزب الإنسان" الذي اعتاد بثّ رسائل الإيجابية وحب الحياة ومادياتها كالموضة التي يستعيض عن لفظها العربي الأصيل ذي الدلالة الغنية باللفظ الإنكليزي المعرب والمستلب "فاشن".
وعلى الرغم من أنه يطمئننا باستمرار بأن أهم ما لديه هو "سلامي الداخلي" وأن "لا أصاب باكتئاب" إلا أن التدقيق في تعليقاته المتدفقة المتسارعة والمنهمرة انهمارا يكشف عن شخص مبلبَل مزلزَل وأن "السلام الداخلي" الذي يتحدث عنه ليس سوى تورية مُرّة تخفي على وجه أخصّ "اللاّسلام الداخلي".
يقول "عام 2022 هو أقسى عام عليّ على جميع المستويات" لافتاً إلى أنه "لست في موقع ذرف الدموع الثقافية [...] والنياحة المعرفية [...] ولا أنتظر صدقات تقدير من وزارة الإعلام أو تسول إحساس من هيئة ثقافية". ثم يمضي ليخبرنا المزيد عن مسببات إحباطاته. "ابني مهندس [متخرج] من جامعة في بريطانيا بتفوق بقي لعامٍ كاملٍ عاطلاً عن العمل. كان يجرحني الموقفُ والمشهد الدرامي وأنا أتصفح التصريحات العسلية من رئيس ديوان الخدمة المدنية".
يبالغ كثيرون بالحديث عن "بحبوحة" السيد الموسوي والموارد المالية التي كدّسها من العمل قرابة اثني عشر عاماً في مناصب حكومية. فهو يستلم راتباً تقاعدياً من عضويته السابقة بمجلس الشورى بواقع 80 % من راتبه الأصلي أي قرابة 3 آلاف دينار شهرياً.
بالنسبة إلى شخص اعتاد نمطاً اقتصادياً مسرفاً مثلما يؤكد هو نفسه عن هوسه بـ"الماركات" كالجاكيتات المشكشكة بالمسامير والأحذية الفضية وبنطالات "الجينز" المحكوكة والساعات الباهظة والأحزمة ذات الدبابيس المشبّكة بالجماجم وأفواه الأسود الفاغرة التي يحاول جاهداً باستمرار إطلاعنا على جديدها مع كل تغريداته تقريباً فإن هذا المرتب - حتى مع المداخيل الأخرى من امتلاك بعض الأصول - لا يكفي لتغطية كُلَف هندام طلعة واحدة.
لقد أخذ الموسوي من مفاهيم العصرنة والتحضر كل قشورها ما عدا أفكارها في اقتصاديات العيش وفنون إدارة الموارد المالية وعدم التبذير.
تزداد غربة الموسوي أوجاعاً على أوجاع مع أيلولة جمعيته التي راهن عليها كثيراً عند إنشائها والتي أسماها "حزب الإنسان" إلى آلة عاطلة معروضة في مزاد. نعم أنت لم تقرأ العبارة بشكل خاطيء "معروضة في مزاد". ويتحدث مصدر في وزارة التنمية الاجتماعية لـ"مرآة البحرين" عن كيف أن الوزارة عرضت الجمعية على عدد من مقدمي طلبات تأسيس جمعيات حقوقية أو تتقاطع مهمة الجمعية التي ينوون تأسيسها معها. "ترى الوزارة أن عدد الجمعيات في هذا المجال كاف فلماذا لا تأخذون جمعية الإنسان وتقومون بتفعيلها؟" مشترطة عليهم فقط أخذ موافقة الموسوي. الشيء الذي كان يثير حفيظة الأخير على الدوام إذ سرعان ما ينفجر غضباً في وجه سائله حال معرفة أن المتصل مرسل من قبل الوزارة.
ولعلّ هذا ما يفسر تغريدته في هذا الصدد قائلاً "يضحكني البعض عندما يسأل لماذا لا نفتتح موقع حزب الإنسان السابق مبنى أو موقعاً إلكترونيا؟ الإجابة: خليها على الله". الطريف في هذا الصدد هو استشهاده بعبارة داخلية معروفة عند التنظيمات السرية لتعليل تكتمه "أقول الكلمة المشهورة: المعلومة على قدر الحاجة لا على قدر الثقة. دعوا الغربة الثقافية تلملم شظاياها". الحقيقة أن هذه ليست كلمة مشهورة على الإطلاق. بل هي عبارة خاصة بأدبيات التربية الحزبية المنغلقة.
ربما على سلطات البحرين أن تبادر إلى انتشال الموسوي لأن تركه في هذا الوضع يرسل رسالة سلبية إلى مناصريها بتخليها عنهم كما يتغافل باستخفاف عن ما يمكن أن ينتهي له مسلسل إحباطاته. لقد اعتاد الموسوي أن يكون متطرّفاً في جميع مراحل حياته. هو من النوع الذي إذا نظر إلى الأعلى فإلى الذروة مباشرة وإذا نظر إلى الأسفل فإلى القاع. ليست لديه مهارة النظر إلى طبقات القشرة الأرضية أو الأمور التي بين بين.
حين كان معارضاً كان يتفاخر بالدوس على علم البحرين الوطني في المسيرات التي كانت تنظم في الخارج. إحدى قصائده التي كتبها في تلك الفترة كانت تقول "خُيرّتُ بأن أشرب نخباً فاخترتُ دماء الحكامِ/ وحسيتُ بحوراً دمهم فظميتُ وما زلتُ الظامي".
وحين أصبح حكومياً أصبح ممن أطلق عليهم الكواكبي في طبائع الاستبداد "عمائم السلطان" و"الجهلة المتعممين" و"كوكبة المتمجدين". وحين توجّه إلى الموضة أو ما يسميه بإلحاح "الفاشن" جعل من نفسه أضحوكة وسط أناس أغلبيتهم ليس في مستطاعهم شراء مشبك واحد من مشابيك هندامه ذي الماركات الطنّانة. هو لا يعرف أن يكون شخصاً عادياً يحب الأشياء بقدر ويكرهها بقدر مستمتعاً بالتدرجات اللونية للحياة وتيار الثقافة العريض. هو "أنا" ممتلئة من النوع الانفجاري الذي "يفقع" في أيّ ميلة يميل. لهذا فإن إهماله خطر. ثمة حاجة إلى انتشاله. حاجة إلى انتشال السيد ضياء الموسوي على وجه السرعة.