عباس المرشد: مؤهلات النائب القادم...عبودية وقابلية للسخرية
عباس المرشد - 2022-09-17 - 7:08 م
المقعد النيابي في البحرين سلعة قيمتها 250 ألف دينار، تعرض في معرض يكلف سنويا أكثر من 10 مليون دينار. أي نتحدث عن أكثر من 38 مليون دينار تصرف بشكل عبثي على الدورة الواحدة لمجلس النواب، يضاف إليها مثلها موازنة مجلس الشورى.
أما التعيينات فأقلها استهلاك أكثر من 30% من صندوق التقاعد دون عمل. هذه الموازنة الرسمية طبعا فنحن لا نتحدث عن عطايا أخرى وعن مكافآت مباشرة وأخرى غير مباشرة. قدرة هائلة بذلها النظام في البحرين لتحويل حق المشاركة في إدارة الدولة وحق الانتخاب كحق إنساني إلى سلعة سياسية تعرض ضمن مزاد سياسي يتكرر كل أربع سنوات.
عقدان من الانتخابات الشكلية لم تكف لكبح جماح العنف الرسمي ولا أن ينتقل المجتمع عبرها إلى تداول سلمي للسلطة أو حتى مشاركة سياسية مقنعة. لم تفلح خمس دورات انتخابية في كبح جماح العنف أو في منعه من أن يكون الطريق الأمثل لحل الخلافات السياسية بين السلطة وقوى المعارضة خصوصا في العقد الثاني من عمر التجربة الانتخابية. والتي كشفت خلال العقدين الماضيين، عن مستويات خطيرة من العنف الرسمي، بما يشيء إلى أن أطر التجربة الديمقراطية والبنية التي تأسست عليها الانتخابات غير قادرة على إنتاج ما يعبر عنه ب "حكاية الديمقراطية للمدنية " وهي الانتخابات والديمقراطية. يمثل هذا الإرث والسجل الانتخابي عقبة سياسية يرهق من يحاول تخطيها، وتشيء بالكثير من الصعوبات لتجاوز تداعياتها. وهو إرث يعزز أهمية السؤال عن سبب عدم قدرة الانتخابات على إفراز تطور نوعي في المجال السياسي؟ وهو إرث يثير السؤال الجذري عن أي انتخابات وعن أي ديمقراطية نتحدث في البحرين؟
جل ما يمكن لمجلس النواب أن يفعله حاليا هو ممارسة صراع الديكة لا غير. يعلو الصراخ بعض الأحيان ويجرح النواب بعضهم البعض ليأتي الراعي بعد ذلك وينهي الصراع على طريقته. بعبارة مختصرة لم يعد لمجلس النواب سوى الاسم أم المعنى، فدلالته لا تعني سوى أنه مجلس أعيان يتم اختيار أعضائه في حلقة خاصة مخفية عن الأنظار ينظر أفرادها في السير الذاتية المقدمة وبعد التأكد من توفر شروط العبودية والطاعة من جهة والقابلية لنزع وجه الحياء والاستمتاع بالاستهزاء والسخرية. القابلية للاستهزاء والسخرية هي أهم الشروط التي يحرص فريق هندسة الانتخابات على البحث عنها في المرشحين.
هذه الشروط الاساسية التي يضعها فريق هندسة الانتخابات الضيقة حتى على مريديها. هذا ما يمكن للجميع أن يلاحظه، ولكن ما الذي لا يظهر علانية لكنه حديث المجالس والتندر؟ مقاعد عديدة في مجلسي النواب والشورى تخصص لبعض أفراد العائلة غير الراغبين في دفع ديونهم المتراكمة لبعض ذي الثراء أو اصحاب الأعمال حيث لا يزال نظام السخرة قائما بصورة عقود تجارية أو مقاولات أو غيرها. يمكن لبعض أفراد العائلة أن يبرم عقود مقاولات لكنه لا يدفع فلسا واحد. ويمكن لأي شخص نافذ في العائلة أن يجبر أي شركة على مشاركته في الأرباح دون أن يدفع ثمن سهما واحدا. المنفذ الوحيد للتخلص من الديون هو أن توزع بعض مجالس النواب والشورى على بعض أولئك الدائنين أو ضحايا السخرة وهم بطريقتهم أي الضحايا سيعتبرون ذلك رفعة ومنة سياسية يجب مراعتها والحفاظ عليها من الزوال.
في محصلة الأمر ونتيجة عقدين من الانتخابات المهندسة، يتحول فعل العار الأخلاقي إلى خيار فردي مدفوع الأجر وتتحول الإدانة الأخلاقية للعبودية إلى خشبة خلاص مالي واقتصادي ورافعة اجتماعية للهامشيين والنفعيين الجدد. ليس مهما أن تكون مطرودا اجتماعيا فأبواب القصر والديوان ستفتح لك .. ليس مهما ولا أخلاقيا أن تقبض ثمن شهادة زور عليك أن تدلي بها علانية، ليس مهما أن يكون لك صوت ورأي الأهم أن تكون خاضعا دائما. الكرامة كصفة في مجلس النواب تتحول إلى صفة منبوذة الأمانة تتحول في مجلس النواب إلى صفة طاردة، فكلما زاد النفاق وزاد الجشع وزاد الاستزلام، ارتفعت حظوظ الفوز والبقاء في مجلس الأعيان.
مرحى للعبيد الجدد فوزهم مقدما.
* كاتب وباحث بحريني مقيم في المملكة المتحدة