ولكن ماذا تعني "الراعبية"؟ كواليس كتابة وإنتاج قصيدة "نوح الراعبية" لأول مرة

السيد عصام الهاشمي... رأى غازي حداد في أحد أحلامه فسارع لتلحين قصيدته
السيد عصام الهاشمي... رأى غازي حداد في أحد أحلامه فسارع لتلحين قصيدته

2022-08-06 - 9:10 ص

مرآة البحرين (خاص): "الراعبية" هي طير البر. ربط العرب في أشعارهم بين صوت الحمامة الراعبية والحزن والشجن كون هديلها يقترب من النواح رغم أن اسمها العلمي «Laughing dove» يعني "اليمامة الضاحكة". وهذه من المفارقات. هي نفسها الحمامة ذات اللون البني الرمادي التي تتخذ من براجيل البيوت القديمة أو المهجورة مستقراً لأعشاشها والتي يطلق عليها في بعض التسميات الشعبية المتداولة "حمام يا كريم" و"يا ثابتة" وأحياناً تنطق بالفاء على اللهجة البحرانية. 

الذكر راعبي والأنثى راعبية. وفي معاجم اللغة العربية: رَعَّبَتِ الحمامةُ تَرْعِيبًا وتَرْعابًا أي رفعت هديلَها وشدَّتْهُ.

ارتبط اسمُها بواقعة كربلاء فاستخدمها الشعراء الحسينيون في أشعارهم. إذ يقول مطلع إحدى القصائد المشهورة للشاعر المرحوم الشيخ حسن التاروتي (ت 1834م) التي نظمها حزناً على الحسين "أَللراعبيّة بالأجرعِ/ صبابةُ وجدٍ فلم تهجعِ". 

أما الشاعر الراحل غازي الحداد فيقول في قصيدته "واَسْدَل على الجثة وحملها/ واخيامه بالصيحة وَصَلها/ والچف يتقطر دماية/ والنوحة نوح الراعبية". 

ومن هذا المقطع تحديداً اختار الرادود السيد عصام الهاشمي اسماً للطميته هذا العام 2022 الموسومة "نوح الراعبية"

سبب اهتمام مخيال الشعراء الشيعة بهذا الطائر تحديداً هو وجود تراث روائي ينسب إلى الأئمة يربط بين الحمام الراعبي والبكاء على الحسين. جاء في "الكافي" وهو واحد من أربعة كتب موثوقة لدى الشيعة رغم أنهم لا يقطعون بصحّة كل ما ورد فيه رواية عن الإمام جعفر الصادق "اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فإنها تلعن قتلة الحسين". وفي رواية أخرى حين لاحظ أحد صحابته حماماً راعبياً يقرقر في منزله قال له الإمام "يا داوود أتدري ما يقول هذا الطير؟ يدعو على قتلة الحسين فاتخذوه في منازلكم". 

تتعدد الروايات المنقولة عن الإمام الخامس لدى الشيعة والمدشن الفعلي للمذهب بشأن الحمام الراعبي ما يعطيه نوعاً من الخصوصيّة. ففي رواية أخرى يُنقل عنه أيضاً "اجعلوا هذا الطير الرّاعبيّ معي في البيت يؤنسني". 

استناداً إلى هذا التراث المنقول راحت مخيلة الشعراء الشيعة تتفنّن في استدعاء الحمام الراعبيّ في قصائد النعي والرثاء الحسيني. ويقول الرادود السيد عصام الهاشمي "استخدمه الشاعر في القصيدة فاخترناه اسماً لها". أما الشاعر غازي الحدّاد نفسه فيسمّي قصيدته "قصيدة يَحْبيبْ" على اسم زعيم بني أسد حبيب بن مظاهر الأسدي أحد صحابة الحسين النادرين الذي استحضر اسمه كأول كلمة في مستهلّ القصيدة. 

كُتبت "قصيدة يَحْبيبْ" أو التي صرنا نعرفها الآن باسم "نوح الرّاعبية" في ليلة الخامس من محرم وتحديداً في 15 سبتمبر 2018. في الساعة 11:08 من مساء ذلك اليوم وصلت الرادود السيد عصام الهاشمي رسالة "واتس اب" التالية من الشاعر: "بطرش [سأبعث] لك مالت [قصيدة] الليلة وانت لحنها". وجاء في الرسالة أيضاً التي اطلعت عليها "مرآة البحرين" وتتيحها للقرّاء ومحبّي هذا العمل لأول مرة "الليلة أنا مسوّنها" أي أنها كُتبت في الليلة نفسها. (اطلع على الرسالة على حسابنا في انستغرام)  

أُلقيت القصيدة في موكب الزنجيل في نفس ذلك العام ولكن بطور آخر. كانت تلك أوّل معالجة فنية لها. 

لكن المعالجة الأهم والأبرز تمثلت في عمل "نوح الراعبية" الذي تم طرحه هذا العام عبر قناة "ميدان أهل البيت" والذي تقترب مشاهداته من المليون رغم أنه لم يستوعب كامل القصيدة بل أجزاء منها فقط خشية الإطالة. وهو من إخراج مكي مرهون. ثمّة قصة هنا منطلقها حلم في المنام. لنترك للرادود السيد عصام الهاشمي يحدثنا عن حلمه بنفسه.

"لم تكن هذه القصيدة في بالي. سجلت ثلاث قصائد من أجل عاشوراء هذه السنة من كلمات الشاعر غازي الحداد ولكن لم تكن هذه القصيدة إحداها. ثم حلمت به يقول لي «أبو أدهم» ـــ هكذا اعتاد أن يسميني ـــ لَحّقْ على قصيدة يَحْبيبْ ترى بتضيع أو ضاعت. لَحّقْ على قصيدة يَحْبيبْ ترى بتضيع أو ضاعت. ثم في الحلم رحت أدوّرها [أبحث عنها] مو لاقنها [لا يمكنني العثور عليها] وتهادرت [تلاسنت] ويه البيت ثم رحت إلى الاستديو. هناك شفت حسن [سوروز مهندس الصوت] وتهادرت وياه أيضاً. كنت أقول له: لا أنا جبتها [أحضرتها] اهنيه وأحدٌ ما أخذها". 

إلى هنا انتهى حلم السيد عصام الهاشمي. ولكنه كان حافزاً لبداية جديدة مبدعة. "استيقظت الساعة الثالثة والنصف فجراً. صليت على النبي ورحت أبحث عنها حتى لقيتها. لقيت القصيدة. في نفس ذلك اليوم رحت إلى الاستديو وهناك قمت بتلحينها على الطور الذي خرجت به في عمل «نوح الراعبية». لم أكن مرتباً لذلك" على حد تعبيره.

بمثل هذه التلقائية تمّ تصوير العمل وإعداد مشاهده مع الكادر المؤلف في معظمه من كهول السن في التفاتة رمزية تستحضر شخصية حبيب ابن مظاهر الذي يقول مؤرخون إن عمره 75 عاماً حين استشهد مع الحسين. 

طارت رسائل نصية إلى مشاركين مقترحين من كبار المنطقة. حضروا جميعهم ما عدا واحد حالت ظروف عمله دون مجيئه. 70 شخصاً بالضبط مجموع من في الكادر والخدمة معاً حضروا استجابة لرسالة نصية وصلتهم في يوم واحد. بعضهم فوجيء برؤية أخيه في نفس المكان حيث لم يكن يعلم عنه بتلقيه دعوة هو الآخر. ويقول السيد عصام الهاشمي "عشنا ساعتين ليست من ساعات الدنيا. كان الجوّ مكهرباً فيه بكاءٌ كثير. كان إحساساً عجيباً. إحساس غريب غريب".