عباس المرشد: من خلف القبضان... العلماء الرهائن يكسرون مشاريع العقل الأمني
عباس المرشد - 2022-07-07 - 9:07 م
أن يصدر أحد الرموز المعتقلين في سجون البحرين سيئة الصيت بيانا هو أمر اعتيادي، فقد درج أولئك الرموز على كسر إرادة العقل الأمني مرارا وتواصلوا مع الجماهير سرا وعلانية. الحدث النوعي الذي خرق آفق التوقعات هو إجماع العلماء الرهائن في سجن (جو) على كتابة بيان موحد موقع بأسمائهم يوجهون فيه الساحة السياسية إلى جهة البوصلة السياسية التي يجب على القوى السياسية والجماهير أن تأخذ بها.
الذين يعرفون تفاصيل مواقف أولئك العلماء يعرفون تماما ما الذي يعنيه توحدهم في الدعوة والخطاب، فآية الله الشيخ عبد الجليل المقداد وسماحة الشيخ سعيد النوري يمثلان القوة الدينية الفاعلة في تيار الوفاء وسماحة الشيخ علي سلمان يمثل الهرم السياسي لجمعية الوفاق ورمز المعارضة العام. وبالتالي فإن اتفاقهم وتوحدهم وهم تحت هيمنة العقل الأمني يعطي رسالة واضحة وصريحة للقوى السياسي العاملة خارج السجن لأن تتوحد أيضا ولأن تكون على قدر من المسؤولية السياسية والوطنية. العلماء الذين أصدروا البيان يمثلون فعليا الصف الأول في قيادة المعارضة وبالتالي فإن دعوتهم إلى تفعيل بيان آية الله الشيخ عيسى قاسم هو أمر هرمي وتنظيمي للجماعات المنضوية تحتهم.
العقل الأمني وبحسه الاستخباراتي كان على وعي بقرب هذا اللحظة التي يكسر فيها الرموز مشروع فصل القيادة عن الجماهير فبدأ من عدة شهور بعزل الرموز عن بعضهم وتقليل اجتماعهم وتلاقيهم، وفي الخارج عمل على طرح مشاريع ومبادرات من شأنها أن تضخ موارد تشتيت المعارضة وتقسيمها وزيادة اختلاف تشخيصها للمشهد السياسي.
استطاع العقل الأمني تحقيق بعض الإنجازات المبتورة وفشل في تحقيق أهدافه الكلية وتنفيذ استراتيجته الأساسية، فشلا كان يقف من خلفه فقيه مسقطة جنسيته منفي قهرا عن وطنه مثقل بأعباء شعبه وحريص على ترسيخ قيم الدين العليا كمحور رئيسي لحياة المواطن الكريمة. فكانت بيانات سماحة الفقيه القائد آية الله عيسى قاسم صارمة في كسر إرادة العقل الأمني ومشاريعه محذرة من مخابئ السياسة التي اختبرها منذ وضع أول دستور للبحرين في 1973 وفي أروقة المجلس الوطني في 1974.
ركز سماحة الشيخ عيسى قاسم على ثلاث محاور رئيسية تمثل استراتيجية السياسة المقاومة للحكم المطلق والعقل الأمني في البحرين:
المحور الأول: إعادة الاعتبار للملف السياسي وإعادة تداوله في أوساط المعارضة بعد أن هيمن التعاطي الحقوقي لسنوات على خطاب المعارضة وسلبها رؤيته وموقفها السياسي وبالتالي تقديرها للأحداث وتعاطيها مع المفردة السياسية الضائعة وسط الزحمة الحقوقية. ويبرز هنا الملف الدستوري والتعاقد السياسي الجديد كأحد أهم الملفات التي رجع بريقها عبر خطابات وبيانات سماحة الشيخ عيسى قاسم.
المحور الثاني: التصدي لمشاريع الحكم المطلق والتي تكون عادة مشاريع مراوغة والتفافية غايتها الإيقاع بمشروع المعارضة ومطالبها. نتذكر هنا موقفه من العقوبات البديلة ومن اختراق صفوف المعارضين في الخارج ومن بعض الدعوات الرسمية.
المحور الثالث: الدعوة المؤكدة والشديدة على ضرورة تجاوز انقسامات المعارضة السياسية والعمل على إيجاد فضاء تنسيقي فيما بينها لإنجاز المشروع السياسي المعطل أو البطيء في تنفيذه. ففي ثلاث مرات كان الشيخ عيسى قاسم يصدر بيانات خاصة وتحذيرات من بقاء الوضع الحالي بين قوى المعارضة وما قد ينتج عنه من مخاطر يكون ضحيتها الوطن والمواطنون.
سنجد في بيان العلماء الرهائن الصادر من سجن جو يوم أمس تأكيدا صريحا على هذه المحاور الثلاثة التي رسخها الفقيه القائد الشيخ عيسى قاسم. وعدم تفويت فرصة التوحد السياسي بين قوى المعارضة وإنجاز المشروع السياسي المنقذ للشعب البحريني من نيران الاستبداد ومن التحديات والمخاطر التي يخلقها واقع الانقسام والتشتت. البيان أوضح بشكل جلي أن قدرة التوحد قابلة للتطبيق إذا ما تم وضع الواجب الديني والأخلاقي والوطني أمام الأنظار وكانت هناك نية فعلا للترفع على الخلافات الشخصية والرغبة في الزعامة. كما يشير البيان أيضا إلى المخاطر السياسية والاجتماعية التي تحيط بالقضية البحرينية والواقع الذي استطاعت السلطة أن تخترقه مستغلة المدة الزمنية الطويلة للثورة وارتهان القيادات السياسية والرموز السياسيين.
الخلاصة التي يريد بيان العلماء الرهائن أن تصل إلى القوى السياسية المتصدية هي أن شعب البحرين يستحق أن تكون لديه معارضة موحدة أو على أقل التقادير أن تكون المعارضة متفقة على مشروع يخرجهم من قبضة الاستبداد. وأنه شعب يستحق نظام أفضل وأرقى من نظام الحكم المطلق.
كاتب وباحث من البحرين