"القبّيض" عمر فاروق!
2022-07-01 - 5:43 ص
مرآة البحرين (خاص): حين خرج "اليوتيوبر" البحريني عمر فاروق في العام 2019 ليعتذر عن شتائمه المخزية بحق المواطنين الشيعة كتبنا في "مرآة البحرين" مقالاً بعنوان "اليوتيوبر البحريني عمر فاروق: الصّفح فقط يوم الصّفح" رافضين طريقة اعتذاره. لم تنطلِ علينا اعتذاريته المتأخرة بعد افتضاحه، ولا تبرير عنصريته وسفاهاته الطائفية بسنّه الصغير حين قيامه بها (17 سنة).
قلنا إن الصفح عنه وعن ماضيه لن يكون إلا يوم يُنتصف الضحايا معه وتُعاد كرامتهم. خصوصاً أن بين المخازي التي قام بها عمر فاروق دعوات إلى الدهس والقتل (وهناك من دُهِس واستُشهد بفعل مثل هذه الدعوات). وتحريض على حرمان أبناء طائفة كاملة من البعثات (وهناك من حُرم فعلاً ويُحرم إلى اليوم). إضافة إلى طعن أعراضهم بألفاظ غاية في التطرّف العنصري والكراهية الطائفيّة كالقول إنهم "مجوس عيال متعة" و"بناتهم عاهرات" و"رجال دينهم قواويد". هذه كلها ألفاظ استخدمها حرفياً ونعتذر للقاريء عن إعادة ذكرها.
يومها قيل لنا من البعض إنه كان غرّاً مراهقاً. وأنه اعتذر عن الأخطاء التي قام بها. وأننا كمجتمع قدرنا أن نسامح بعضنا وننسى و"نمشّي العَزَا" حتى لا نجعل الماضي يتحكم في مستقبلنا.
ثم أن الرجل فيما بعد زار كربلاء وتاريخها وأضرحتها وثقافتها. وصوّر رحلته وبثها فبدا بالغاً راشداً كمن أكمل رحلة تطهره من الماضي الطائفي المقيت فبلغ فطامه.
نحن نودّ أن نخاطب هذه الفئة تحديداً؛ الفئة التي تجيد تظهير قيمة التسامح والرفق ولكن للأسف بشكل خاطيء.
نسأل هؤلاء عن رأيهم في تعاقد "اليوتيوبر" عمر فاروق مع وزارة الداخلية لإعداد وتنفيذ سلسلة أفلام ترويجية بكلفة 13 ألف دينار لتبييض انتهاكاتها في السجون بحق الناس الذين شتمهم وشتم قادتهم وطعن في شرف نسائهم ودعا لدهسهم وفصلهم عن أعمالهم وحرمانهم من البعثات.
هذه السلسلة التي رأت النور ـــ يا للمصادفة! ـــ في نفس السنة التي مهر فيها اعتذاريته الكاذبة في العلن عن السفاهات الطائفية التي قام بها (2019) تحت عنوان #عمر_يجرب_السجن ضامة تحتها الحلقات التالية: "أنا مسجون" و"الحبس" و"العيد في السجن" و"العقوبات البديلة". ليتبين لنا اليوم أن اعتذاره لم يكن سوى تمثيل في تمثيل.
فتوبة عمر فاروق المزعومة لم تكن سوى انتقال من مستوى خطابي يبدو فيه عبيطاً وتافهاً جداً إلى مستوى آخر يبدو فيه "مودرن". من الشتائم والبذاءات ودعوات التحريض الفجّة إلى "برغي" ناعم في الماكنة الإعلامية الضخمة لوزارة الداخلية يتلطّى فيها خلف خطاب الانفتاح والتغيير وأدوات التأثير الناعمة وينعم في المقابل بمردودها المادي عليه من المال العام.
تحت هذا اللون من الخطاب الجديد المخادع صوّر لنا السجن الذي يقبع فيه آلاف الشباب والأطفال الأبرياء الذين حرّض عليهم في السابق ودعا لرميهم في السجون ودهسهم، صوره مثل جنّة. ضبّاط محنكون يقطرون إنسانية. وجدران رائعة يقبع خلفها نزلاء تمّ توفير لهم كافة احتياجات الراحة وكل ما من شأنه شغل أوقات فراغهم وإصلاحهم وتغيير سلوكهم إلى الكمال. ومؤن ولوجستيات لم يكن ينقصها سوى أن يستثمرها السجناء بشكل جيّد فقط ليبنوا بها المدينة الفاضلة وراء الأسوار الأربعة التي أسماها في فيديوهاته "المدينة الكبيرة".
باختصار تجربة السجن مدرسة رائعة. هذا هو ملخص الحلقات الأربع التي أعدها عمر فاروق في العام 2019 لوزارة الداخلية وقبض عليها 13 ألف دينار. وهو نفسه ملخص سيرة الشاب التائب من الكراهية والتحريض والوضاعة والبهيمية الطائفية. من شتم الضحايا إلى تصوير استمرار وضعهم كضحايا بأنه الوضع المثالي وتصوير جلاديهم بأنهم ملائكة الرحمة الذين يجيدون فن التدبير والتحقيق مع المتهمين "من دون طراق واحد".
هذا هو نوع التوبة التي تابها عمر فاروق. توبة رخيصة تباع وتشرى بالدنانير.
لقد خسر عمر فاروق الفرصة الثانية لكسب ثقة الناس الذين أجرم بحقهم. فرصة أن يكون آدمياً صاحب محتوى مستقل وضمير لا "قبّيضاً" مأجوراً ينشر رسالة من يدفع له أكثر. وعلى هذا يجب النظر له.
هو ليس صاحب قناة يوتيوب أو ذات مجردة من أية ملحقات. هو صانع محتوى مرتزق يعمل لصالح وزارة الداخلية ويتقاضى أتعاباً لقاء ترويج الرسائل التي تجمل قبحها وظلمها. هذا هو التوصيف الصحيح لوضعه ومكانته. ونرجو أن لا يأتي من يقول لنا إنه ما زال مراهقاً بعد في السابعة عشرة!