عباس المرشد: فشل نظرية الأعيان الجدد، وضرورة إطلاق سراح القيادات السياسية في البحرين

توقيعات وثيقة الأعيان
توقيعات وثيقة الأعيان

عباس المرشد - 2022-05-18 - 10:20 م

في 2014 وبعد لقاء ولي العهد سلمان بن حمد مع أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان وبدلا من مناقشة الورقة التي قدمها الشيخ علي سلمان لوضع حلول عملية للأزمة السياسية المتفاقمة منذ 2002، أعرض ولي العهد عن الحوار مع المعارضة وطرح مشروعا بديلا أطلق عليه وثيقة الأعيان. مشروع ولي العهد كان عبارة عن تجميع تواقيع أكثر من 40 شخصية أغلبها مغمورا، ولا يمتلك وزنا سياسيا أو جماهيريا. يبايعون الأعيان في عريضتهم حكم العائلة ويقفون مع تفضيلاتها السياسية القاضية بإقصاء الديمقراطية والتضييق على الحريات العامة. الخطوة اللاحقة بعد إعلان تلك الوثيقة كانت اعتقال الشيخ علي سلمان ومحاكمته بتهمة التخطيط للانقلاب على الحكم والتخابر مع جهات خارجية، اتضح لاحقا أنها مكالمة مع وزير الخارجية القطري جاسم بن حمد أجراها معه من مكتب وديوان الملك حمد ولاحقا تم إغلاق جمعية الوفاق وجمعية العمل الديمقراطي وهما أكبر الجمعيات السياسية في البحرين.

انتهى المشهد الاول من مسرحية وثيقة الأعيان في 2014 بإجراء انتخابات نيابية باهتة أقرب إلى الهذيل السياسي منها إلى الفعل السياسي الرشيد ولم تتجاوز نسبة المشاركة حدود 40% في انتصار واضح لشعار تصفير الانتخابات الذي أطلقه الشيخ علي سلمان لمقاطعة الانتخابات. وقتها كان الشيخ علي سلمان في مساجلة شرسة مع السفير البريطاني الذي مارس تدخلا فاضحا عندما وصف المقاطعة للانتخابات بأنها جنون وهبل، فجاءه الرد صاعقا من القيادات السياسية المعارضة.
في حقيقة الأمر دفع الشيخ علي سلمان ثمن مواقفه السياسية المبدئية وثمن وطنيته التي يفتقد إليها أغلب من وقع على وثيقة أعيان ولي العهد، كان واضحا في رسائل بريطانيا وحكم العائلة في البحرين أن مجابهة الانتخابات وعدم القبول بتفضيلات نظام الحكم يعني البدء في تنفيذ خيار التخلص والإعدام السياسي، ففضل الشيخ علي سلمان دفع الثمن وإن كان غاليا من أجل إسقاط مشروع الأعيان الجدد الذي تقدم به ولي العهد.
انتهى الفصل التشريعي الرابع في 2018 وبدأت الجولة الثانية من إعداد الأعيان الجدد وكانت خطة الديوان الملكي هي التخلص من كل مكونات الجمعيات السياسية أو أي تكتل سياسي محتمل أن يكون مزعجا أو متطلبا، فخسرت الجمعيات السياسية الموالية جميع مقاعدها في مجلس نواب 2018 إلا ما ندر، وسهل الديوان وصول المستقلين إلى مقاعد مجلس أعيان العائلة الحاكمة. وبذلك وفرت الهندسة الانتخابية والهندسة الأمنية متطلبات انجاح مشروع الأعيان الجدد. فمجلس النواب ومجلس الشورى لا يمثلان سوى رافعة اجتماعية وسياسية لشخصيات مغمورة وفاقدة للحس السياسي والدعم الجماهيري، لكنها يجب أن تتصدر المشهد السياسي وأن تزاحم بعملها الغوغائي عمل القيادات السياسية المعارضة المودعة كرهائن في السجون. كانت النتيجة صفر سياسة في كلا الفصليين التشريعيين فلا أحد يتذكر نواب مجلس 2014 كما لن يتذكر أحد نواب مجلس 2018 بغير الغضب والسخرية.
يمثل مشروع ولي العهد في تخريج أعيان جدد بديلا عن القيادات السياسية المعارضة امتدادا لمشروع ضخم يعتمد على إعادة إنتاج المجتمع البحريني وإعادة بناء الشبكات الاجتماعية والاقتصادية وربط ذلك كله بشخصية ولي العهد. وكان ولي العهد سبق وأن طرح مشروع القيادات الشبابية وتدربيها في الخارج على نفقته من أجل إعادة تدويرها ضمن شبكاته الإدارية في الدولة وربما نجح في ذاك المشروع بعض الشيء فجاهد على تطبيقه في الحقل السياسي وإعادة ترتيب المشهد الداخلي بما يتلائم وتطلعاته بإعادة تشكيل قواعد العلاقات السياسية والاقتصادية في المجتمع البحريني.
بعد أكثر من ثمان سنوات بات واضحا فشل مشروع الأعيان الجدد كبديل سياسي عن الديمقراطية وكبديل عن القيادات السياسية التي اعتاد المواطنون الوقوف معها وقبول قيادتها طوعيا. وهنا يخطئ مستشارو ولي العهد والعائلة الحاكمة الخطأ الأول في قراءة المشهد البحريني وطبيعة العلاقات غير القابلة للهندسة السياسية المفروضة عليه. فالقيادات السياسية الشعبية تحتاج إلى مقومات أساسية يعجز حكم العائلة والأعيان الجدد عن الحصول عليها وأبرزها الإرث السياسي والمصداقية في العمل والوطنية في المسار والتفضيلات وهي كلها مواصفات لا تنطبق على مجموعة الأعيان الذين تقدم بهم ولي العهد والديوان الملكي.
الخطأ الثاني الذي يقع فيه ولي العهد، هو الاعتقاد أن إقصاء القيادات السياسية ومحاولة ترويضها، هي مسألة سهلة المنال ويمكن تلافي عواقبها مثل ما يحدث في ترتيب شبكات الزبائن في إدارت الدولة واستبدالهم وقت ما شاء الحاكم أو وقت ما وجد زبائن جدد يجدد بهم شريان الخدماتية والزبائنية في الدولة.
يقودنا ذلك إلى اعتبار أن مشروع الأعيان الجدد فشل تماما في تخليص حكم العائلة من القيادات السياسية المعارضة وأن الإبقاء عليهم كرهائن لن يخلص نظام الحكم من الاستحقاقات السياسية المترتبة عليه، بل أكثر من ذلك إن فشل مشروع الأعيان يبين مقدار الفجوة الواسعة بين النخبة الحاكمة وطبيعة المجتمع السياسي في البحرين. فهل بات الوقت مناسبا ليعيد نظام الحكم قراءة المشهد السياسي ويفرج عن القيادات السياسية ويتخلى عن المشاريع الواهمة بالسيطرة والتحكم والهندسات الفاشلة؟