حقوق الإنسان في البحرين تتأرجح بين الانتهاكات والتبييض

المعتقلان حسن مشيمع وعبد الجليل السنكيس (أرشيف)
المعتقلان حسن مشيمع وعبد الجليل السنكيس (أرشيف)

يوسف شرقاوي - : موقع فاناك - 2022-03-20 - 7:00 م

ترجمة مرآة البحرين

تمتلك البحرين سجلًا حافلًا بانتهاكات حقوق الإنسان، وتُعتَبَر نموذجًا لمختلف أنواع الطّغيان والاضطهاد الدّيني والسّياسي والثّقافي. وهي تواصل رفض طلبات المنظّمات الدّوليّة لحقوق الإنسان بوقف العنف والقمع وانتهاكات حقوق الإنسان.

تطرق الدكتور مارك أوين جونز، وهو مساعد بروفسور في دراسات الشرق الأوسط والعلوم الإنسانية الرقمية في جامعة حمد بن خليفة إلى هذه القضية في كتابه "القمع السّياسي في البحرين"، وقال إنّ "النّظام القضائي في البحرين يصبح بازدياد أداة شاملة للقمع. وعلى الرّغم من ازدياد توحيد مقاييس القوانين الّتي تُسَنّ غالبًا كإجراءات رجعية للسّيطرة على المعارضة، إلا أنّه يتم التّحقيق في مدى الإفلات من العقاب كعامل يُمَكّن القمع، وكذلك تسليط الضّوء عليه".

كما أنّه يشرح بالتّفصيل تطوّر القدرة والأساليب القمعيّة للأجهزة الأمنيّة في البحرين. ويُرَكّز بشكل أساسي على الشّرطة، إذ تتوفر معظم البيانات التّاريخيّة والحاليّة عنها.

انتهاك الميثاق العربي لحقوق الإنسان

في العام 2006، صادقت البحرين على الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الّذي دخل حيّز التّنفيذ في 15 مارس/آذار من العام 2008. كما أقرّت القوانين الّتي تُجَرّم حالات التّعذيب. وينص دستور البحرين على أن "لا يعرض أي انسان للتعذيب المادي أو المعنوي أو للإغراء أو للمعاملة الحاطة بالكرامة" و"بصفة خاصة، يُحظَر إيذاء المتهم ماديًا أو معنويًا".

وردًا على توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في العام 2011، اتّخذت البحرين إجراءات من خلال إدخال بعض التّعديلات التّشريعيّة على القوانين المتعلقة بالتّعذيب. فعلى سبيل المثال، ووفقًا للمرسوم الملكي رقم 52 للعام 2012، يُعَدّل تعريف التّعذيب بموجب قانون العقوبات ليوافِق تعريف المادة 1 في اتفاقية مناهضة التّعذيب.

من جهة أخرى، وفي تقرير أصدره مركز الخليج لحقوق الإنسان في العام 2017 تحت عنوان "التعذيب والإكراه الجسماني والانتقام في البحرين يناقضون التعهد بالإصلاح"، ترد نظرة عامة إلى حقوق الإنسان في الدّمام، في أعقاب احتجاجات العام 2011.

إحدى هذه القضايا تتعلق بالمؤسس المشارك لمركز البحرين لحقوق الإنسان ورئيسه السابق والمدير المؤسس لمركز الخليج لحقوق الإنسان، وهو عبد الهادي الخواجة. تعرض الخواجة للتّعذيب الجسدي والنفسي والجنسي على يد القوات الحكومية. وعانى من عدد من الإصابات الخطيرة تطلبت تركيب 36 مسمارًا جراحيًا و18 لوحًا معدنيًا في وجهه لتثبيت فكّه.

القضية الأخرى تتعلق بمريم الخواجة، الّتي تعمل في منظمة بحرين ووتش، وهي مستشارة خاصة في مركز الخليج لحقوق الإنسان. وقد اعتُقِلَت في العام 2014 في ظروف غير إنسانية مهينة.

ويذكر التّقرير أيضًا أسماء عدد من النشطاء الآخرين، ومنهم زينب الخواجة وناجي فتيل وغادة جمشير وحسين جواد ونبيل رجب ونزيهة سعيد. ويتضمن تقرير مركز الخليج لحقوق الإنسان تفاصيل عن انتهاك الحقوق المدنيّة والسّياسيّة والانتقام من التّعبير عن المعارضة.

بالإضافة إلى ذلك، يُفَصّل التقرير الحرمان من الإجراءات القانونيّة الواجبة، والحق في المحاكمة العادلة، والاستهداف المنهجالي للمدافعين عن حقوق الإنسان.

كما أنّه لا يمكن التّغاضي عن قضيّة الأكاديمي والمُدوّن البحريني عبد الجليل السنكيس، الّذي لا يزال معتقلًا بشكل غير قانوني، ومحكومًا بالسّجن المؤبد.

عبد الجليل السنكيس والسجناء والمطالبات الدّولية

السنكيس مدون وأكاديمي، وهو الرّئيس السابق لقسم الهندسة الميكانيكيّة في جامعة البحرين. وقد كان المتحدث باسم حركة حق للحرية والديّمقراطية ورئيس مكتب حقوق الإنسان فيها عند اعتقاله في العام 2011.

السنكيس واحد من مجموعة من السّجناء تُدعى "البحرين 13" وهي رائدة في الدّفاع عن حقوق الإنسان والنشطاء الّذين اعتقلتهم حكومة البحرين على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات السّلميّة في العام 2011. ويقضي السّنكيس الآن حكمًا بالسجن مدى الحياة، بموجب أمر محكمة عسكرية.

أعلن السنكيس الإضراب عن الطّعام عدة مرات، بما في ذلك في 21 مارس/آذار 2015، احتجاجًا على العقاب الجماعي والتّعذيب والإجراءات المهينة، وكذلك تدهور الظّروف العامة في السجن.

ومنذ 8 يوليو/تموز 2021، خاض السنكيس إضرابًا عن الطّعام احتجاجًا على سوء معاملته ومطالبته بأن يُعاد إليه بحث أكاديمي أعدّه على مدى أربعة أعوام في السّجن، بعد أن صودر منه.

صمّت البحرين أذنيها عن تلك المطالبات كلّها. وفي نهاية الشهر الماضي، طالبت 27 منظمة دولية لحقوق الإنسان عددًا من الزعماء الدوليين بالتّدخل لدى سلطات المنامة للإفراج عن السنكيس بشكل فوري وغير مشروط.

ودعا عدد من المنظمات، من بينها منظمة العفو الدولية والمركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان الزعماء الدوليين للمطالبة بالإفراج "عن كل الّذين سُجِنوا على خلفية ممارستهم حقوقهم في حرية تكوين الجمعيات والتّجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير بمن في ذلك المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المعارضة والصّحفيين".

ويتزامن ذلك مع توقيع 63 نائبًا بريطانيًا من أحزاب وتيارات سياسية مختلفة في 11 يناير/كانون الثاني 2022 على عريضة. وبموجب التّقرير الّذي نشره برلمان المملكة المتحدة، تعبر العريضة عن قلق المجلس بشأن الانتهاكات الخطيرة المتواصلة لحقوق الإنسان في البحرين، بما في ذلك الاحتجاز التّعسفي المستمر والمعاملة اللاإنسانية لسجناء الرأي.

وذكرت العريضة أنّ منظمة "فريدوم هاوس" صنّفت البحرين في تقريرها للعام 2021 بأنّها دولة "غير حرة"، إذ احتلت المرتبة 150 بين 167 دولة في مؤشر الديمقراطية في العالم للعام 2020، والمرتبة 168 بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة في العالم للعام 2021.

وحثّت العريضة أيضًا الحكومة البحرينية على "الإفراج عن جميع سجناء الرأي وتمكين ممثلي المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان من العمل بحرية، والسّماح بالمعارضة السّياسية الحقيقية، والسماح بوسائل إعلام مستقلة، ووقف عقوبة الإعدام".

وتُسَلّط الضّوء أيضًا على أهميّة "إطلاق حوار موضوعي وشامل في داخل البلاد بشأن الإصلاح السّياسي والدسّـتوري، والتّعاون مع خبراء ومنظمات حقوق الإنسان -بما في ذلك الأمم المتحدة- وإجراء تقييم مستقل للأوضاع في السّجن وأجندة الإصلاح".

المملكة المتحدة ليست وحدها في المطالبة بوقف الانتهاكات، فوزارة الخارجية الألمانية تراقب عن كثب "وضع حقوق الإنسان في البحرين". وقد استخدم وزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية، توبياس ليندنر، العبارة السابقة، في ردّه على النّائبة في البوندستاغ الألماني مارتينا إنجلهارت كوبف.

وكانت النّائبة وجّهت رسالة إلى وزارة الخارجيّة الألمانيّة بشأن وضع حقوق الإنسان في البحرين، ووضع السّجين السّياسي عبد الجليل السنكيس. وقال وزير الدولة إن قضايا حقوق الإنسان بشكل عام والقضايا الخاصة نوقِشَت خلال المحادثات مع الحكومة البحرينية.

ودعا السيناتور الأمريكي عن حزب الديمقراطيين بن كاردين إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن السنكيس. وغرّد على موقع تويتر إنّه "يجب عدم احتجاز أي فرد خلف القضبان على خلفية ممارسته الحقوق المضمونة دوليًا في حرية التجمع وحرية التعبير". كما طالب بالإفراج عن جميع السّجناء السّياسيين في البحرين.

كما شارك البرلمان الأوروبي هذه المطالب أيضًا. فقد وجّه اثنا عشر نائبًا في البرلمان الأوروبي رسالة مشتركة إلى جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشّؤون الخارجيّة والسياسة الأمنية، مُعرِبين عن قلقهم البالغ إزاء القمع المنهجي الّذي تمارسه البحرين ضدّ المعارضة. ولفت النّواب إلى الظّروف السّيئة الّتي يعاني منها زعيم المعارضة السّياسية المسجون حسن مشيمع وعبد الجليل السنكيس.

ليست هذه الادعاءات الدّولية جديدة، بل هي موجودة قبل الانتهاكات المُرتَكَبة في البحرين، والمطالبات الّتي امتدّت في أبريل/نيسان من العام الماضي إلى فرنسا وإسبانيا.

تبييض الانتهاكات وصغار السجناء

هل ستستجيب السّلطات البحرينية لكل هذه المطالب الدولية، أم ستلجأ إلى تبييض الانتهاكات كما فعلت في الانتهاكات التي ارتكبتها في العام 2021؟

في العام 2021، تمّت تبرئة مسؤولي السجن من الانتهاكات المُرتَكَبة ضد السنكيس. أصدر الملك حمد بن عيسى آل خليفة قانون العدالة الإصلاحية للأطفال ورعايتهم وحمايتهم من سوء المعاملة في 15 فبراير/شباط 2021، وأُدخِل حيّز التّنفيذ في 18 أغسطس/آب 2021. مع ذلك، لم يُلحَظ له أيّ أثر في وقف الانتهاكات، وسوء معاملة القُصّر المُدانين في سجن الحوض الجاف.

على العكس من ذلك، تواصلت الاعتقالات التّعسفية للقُصّر بشكل ملحوظ، بما في ذلك الأطفال دون سن 16 عامًا، خاصة في بداية سبتمبر/أيلول 2021.

وتعمّدت السّلطات البحرينيّة عبر وسائل الإعلام تبييض الانتهاكات وسوء معاملة المُدانين الشّباب من قبل المؤسسات الّتي كان يُفتَرَض بها الاهتمام بمراقبة الانتهاكات المماثلة والتّحقيق بشأنها وتأمين الحق بأفضل معاملة للسّجناء.

وبعد فترة قصيرة من ارتكاب السّلطات البحرينية للانتهاكات الأخيرة، أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية أنّ السّلطات البحرينية كانت تحتجز ستة أطفال تتراوح أعمارهم بين 14 و15 عامًا في دار للأيتام.

وقال بيل فان إسفيلد، وهو المدير المساعد في قسم حقوق الطفل في منظمة هيومن رايتس ووتش، إنّ البحرين عزّزت إصلاحاتها القانونيّة للأطفال العام الماضي. ومع ذلك، لا يُعتَبَر السّجن التّعسفي للأطفال في دار للأيتام دليلًا على تحسن مماثل. وأضاف أن معاملة هؤلاء الأطفال هي اختبار لاحترام حقوق الأطفال في البحرين، وأنّ السّلطات البحرينية فشلت في هذا الاختبار.

هل ستواصل البحرين فشلها وتصم أذنيها عن هذه النّداءات؟

النص الأصلي