عباس المرشد: لماذا يصر بيت الحكم على أن لا يشاركه أحد في إدارة الدولة؟
عباس المرشد - 2022-03-02 - 7:12 ص
التغيرات التي تجرى حاليا في البحرين رغم خطورتها وتأثيراتها المباشرة في تشكيل هوية النظام السياسي المقبل، تحدث بعيدا عن المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات بعيدا عن الشراكة في رسم معالم هوية النظام السياسي الذي يفترض أن يقود المرحلة القادمة.
ما الذي يدفع ببيت الحكم إلى مواجهة المخاطرة بروح منفردة و إقصائية إلى أقصى الدرجات؟ وبعبارة أدق لماذا يصر بيت الحكم على أن لا يشاركه أحد من مكونات المجتمع في إدارة حقيقية لشئون الدولة؟ وبعبارة أكثر وضوحا لماذا يفضل بيت الحكم تغييب روح الدولة الحديثة، وإحلال الصورة الأبوية المركزية بديلا عن الديمقراطية والمواطنة المتكاملة؟
مقاربات عديدة تم تداولها، أولى المقاربات أن بيت الحكم في البحرين هو جزء من منظومة خليجية متكاملة جغرافيا ومتحدة في الأغراض السياسية ومتعاونة اقتصاديا. وهذا يعني غير مسموح لبيت الحكم في البحرين أن يخرج على إطار ما يرسمه مركز تلك الوحدة الخليجية ألا وهو المملكة العربية السعودية التي ترى في روح الدولة الحديثة شبحا وغولا يجب اجتثاثه ومحاربته وأن الخيار الأفضل لمنظومة بيوت الحكم في الخليج هي الإبقاء على الصيغ القديمة في الإدارة السياسية، ومما يقوي هذا الخيار انحياز الإمارات العربية أيضا إلى هذا المجال المعادي للديمقراطية والإسلام السياسي.
أي تغيير سياسي يجب أن يكون مقبولا لدى كل من السعودية والإمارات تحديدا. ولما كانت روح الدولة الحديثة هي مطلب قوى المعارضة البحرينية وهي المستقبل المتخيل لديها فمن غير المتوقع أن يبادر بيت الحكم في البحرين للتضحية بمنظومته الكبرى لصالح مكونات المعارضة حتى وإن علا صوتها وحراكها، فآلة القمع العسكري كانت وستكون يقظة وشرسة في التعامل مع أي خروج على الرواية المرسومة لهوية النظام السياسي.
وفق هذه المقاربة فلا مخاطر جدية يخشاها بيت الحكم سواء تلك المتعلقة بفقر الدولة وإفلاسها نتيجة الجشع والفساد أو من ناحية تصاعد قوة المعارضة السياسية التي يعتقد النظام أنه لقنها درسا في القمع. أما الشراكة التي يعمل النظام عليها فهي الشراكة مع الوحدات الخليجية الأكثر ثراءً والأكثر نفوذا داخل النظام الدولي. مثل هذه المقاربة قد تعطي تفسيرا جزئيا ومتماسكا لدرجة ما، خصوصا في ظل انغماس بيت الحكم البحريني في تنفيذ رغبات وطموحات بيوت الحكم في السعودية والإمارات.
الإمارات ترى البحرين حديقة خلفية تنفذ من خلالها الأعمال التي تترفع بيوت الحكم في السعودية والإمارات عن القيام بها كما في وضعية الخلاف القطري/ الخليجي الأخير والدور الذي لعبه بيت الحكم في البحرين في هذا الخلاف لدرجة أن تتصالح الإمارات والسعودية مع قطر وتبقى البحرين معلقة رغم مرور أكثر من عامين على قمة العلا.
قد يكون ذلك متفها ومفسرا لتفضيلات العقيدة الأمنية في الداخل البحريني ويعطي رؤية واضحة لحدود واقعية للإصلاح السياسي الذي تطالب به المعارضة. إلا أن هذه المقاربة تفتقد إلى التوافق مع قوانين التغير المجتمعي الذي وإن بدأ بطيئا ومتعسرا إلا أنه مع مرور بعض الوقت يصبح جاهزا لممارسة دور البديل عن النظام القديم. فهذه الوحدة الخليجية تبقى في الأخير وحدة متخيلة تشوبها التباينات الخطرة فيما بينها وهي متخيلة بدلالة أنها مستجدة لم يمضِ عليها غير أربعة عقود لا أكثر. وبالتالي فإن الرهان على استمرارها هو محل تأمل.
هناك فرق شاسع بين بقاء بيوت الحكم متفردة بسلطة أبوية في مجتمعات الخليج، وبين القول أن تلك البيوت تعيش وحدة سياسية قادرة على كبح مسار التغيير، خصوصا إذا ما رأت العناصر الدولية المتحكمة في شئون المنطقة أن التغيرات السياسية يجب أن تكون وتيرتها أسرع وأكثر وضوحا. عندها تتهمش الوحدة الخليجية المتخلية ونعود إلى البحث عن رواية واعدة لمستقبل السلطة في البحرين.
المقاربة الثانية التي يمكنها تلمس تفسيرات أكثر صلة بالواقع هي اهتزاز الهوية الوطنية لدى بيوت الحكم وعدم استقرارها، وبالتالي انعدام الثقة في أي مشروع سياسي قد يعيد أو يغير من شكل هرمية السلطة. فنحن أمام شيء قريب من غريزة الحياة التي تدفع ببيوت الحكم إلى مقاومة الموت السياسي وما يترتب عليه من مخاطرة هي برؤية بيت الحكم أشد وطأة من مخاطرة الانفراد بالسلطة.
ربما تستطيع هذه المقاربة أن تقربنا أكثر لفحص الهوة والفجوة بين بيت الحكم في البحرين والمكونات السياسية المعارضة على وجه الخصوص وكيف أنها مبنية على انعدام الثقة والتشكيك الدائم في نوايا المعارضة لا كشماعة سياسية فقط وإنما كخطر وجودي يراه بيت الحكم يحيط بأمنه وسلطته.
على ضوء هذا المقترب من الممكن فهم العلاقة الملتبسة التي كشفت عنها اتفاقيات ابراهام والارتماء بكل قوة في الحضن الإسرائيلي بغية الحصول على حكايتين على الأقل الأولى إضافة حماية أمنية خارجية إلى جانب الترسانة الواسعة من الأحلاف العسكرية التي يرى بيت الحكم في البحرين أنها تعفيه من أي استحقاق سياسي داخلي. والثانية السعي لإنهاء حدية المعارضة والعمل على ترويضها سياسيا بحيث ينتهي المطاف بها لقبول سقوف بيوت الحكم من خلال وضعها أمام مفترق الطرق إما زيادة الارتماء في التطبيع وإما تخفيف سقف الإصلاح السياسي المطلوب بما يتوافق ومصالح وهيمنة بيت الحكم.
وفق هذه المقاربة فالدعم الاقتصادي الخليجي هو رافعة لا أكثر خصوصا إذا عرفنا أن الاستئثار بالثروات وغياب الرقابة المالية على مداخيل البحرين الاقتصادية هو ضمانة لمواجهة أخطار الاحتكار والانفراد بالسلطة وهذا يعني أن بيت الحكم في البحرين لا يدرك إلى حد الآن خطورة المسار والتفضيل السياسي الذي هو متمسك به وأنه قبل نهاية المطاف سيجر معه توترا وحدة في التعامل السياسي لا تكون هذه الضمانات كافية على دفع كلفته.
كاتب وباحث من البحرين.