المعتقل أكبر علي... من يصر على دفعه لقعر البئر مجددا؟
2022-02-10 - 8:31 ص
مرآة البحرين (خاص) : قصة من نوع خاص يحتاج أن يعرفها العالم، هي قصة أكبر علي، المولود في العام 1994 في قرية البلاد القديم، السجين الذي عاد من بئر المرض النفسي، المرة تلو الأخرى، لكن للأسف هناك من يصر على دفعه إلى قعر البئر مرة أخرى.
أكبر علي الذي اعتقل وهو في عمر السابعة عشرة (5 ديسمبر/ كانون الأول 2012) مع عدد من أبناء "البلاد القديم"، تعرض للتعذيب بعد نقله لمبنى التحقيقات الجنائية، ووجهت له النيابة العامة تهما عدة في أكثر من 10 قضايا أمنية، ورغم إنه أنكر التهم الموجهة له، إلا أن محاكم بحرينية قضت بإدانته فيها جميعا لتصل سنوات سجنه إلى 64 عاما، والأدهى أنه لازال يُحاكم في قضايا أخرى!
في أحداث 10 مارس 2016 في سجن جو، تعرض (أكبر) للتعذيب من قبل أفراد في الدرك الأردني، ليدخل في أزمة نفسية حادة، بسبب الوحشية التي واجهها. ساءت حالته النفسية، وبعد مطالبات استمرت نحو نصف عام تم نقله للطب النفسي في نوفمبر 2016.
بقي أكبر في المستشفى حتى مايو 2017، حيث قرر قاضي تنفيذ العقاب الإفراج عنه بسبب وضعه الصحي، بعد التقارير الطبية التي أكدت ذلك.
خرج أكبر لعائلته في حالة صحية يرثى لها، كان كثيرون يصابون بالصدمة حينما يرون التغيير الكبير الذي نقل أحد أكثر الشباب مرحا وحيوية إلى مريض نفسي.
بعد الرعاية الكبيرة التي أحاطته العائلة بها، وملازمته للأدوية التي وصفها طبيبه المختص، تحسنت حالة أكبر شيئا فشيئا حتى عادت حيويته وأصبحت صحته النفسية تتحسن بشكل مضطرد، وهو ما أثبت صحة النصيحة التي تقدم بها الأطباء لقاضي تنفيذ العقاب حول أهمية الإفراج عنه وإبقائه بعيدا عن ظروف السجن.
في أبريل 2019، تفاجأت العائلة بمداهمة قوة أمنية المنزل عند الفجر لاعتقال أكبر مرة ثانية، أصيب الجميع بالذهول لماذا تم اعتقاله؟ فالشاب لا زال يحتاج إلى الرعاية والدواء وإن إعادته للسجن تعني تدهور صحة بشكل حتمي.
للأسف فشلت جميع المحاولات التي بذلتها العائلة لاستعادة أكبر والإفراج عنه، ولم تستمتع الداخلية لكل المناشدات والرسائل.
بقي أكبر علي في سجن جو دون دواء، تحت وطأة المعاملة السيئة لتتدهور حالته النفسية مجدداً. وقد وصل الأمر إلى معاقبته ذات مرة وهو في حال نفسية يرثى لها بتقييده في بوابة السجن الحديدية وتركه لساعات مقيدا من يديه ورجليه في الباب.
تدخلت العائلة عبر مناشدة الأمانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، مرارًا وتكرارًا لكن دون جدوى. كانت هذه الانتكاسة الثانية صعبة على أكبر، قبل أن تضطر إدارة السجن في 8 أكتوبر 2019 بعد وصول حالته لحافة الجنون إلى نقله لمستشفى الطب النفسي مجددًا.
دخل أكبر علي رحلة علاج طويلة، فتلك الانتكاسة النفسية كانت أشد من سابقتها. وحققت عناية الأطباء ومواصلته في برنامج العلاج تقدما طفيفا في صحته.
بقي أكبر قرابة عامين في الطب النفسي، يقاوم المرض ويحاول مساعدة نفسه لاستجماع قواه، وفعلا بدأت علامات التحسن تظهر، لكنه المريض الوحيد المسجون داخل المستشفى، فكل المرضى كان يسمح لهم بالنزول لحديقة المستشفى عداه هو.
قال لعائلته إنه يطمح لشم هواء نقي في حديقة المستشفى، كان الأطباء متأكدين أن أكبر شخص مسالم جدا لكنهم ظلوا خائفين من وزارة الداخلية.
رفع الأطباء تقارير تؤكد حاجة أكبر للإفراج، وانتقاله للعيش مع عائلته لأن مرضه لن ينتهي في وقت قريب، وأنه محتاج للمداومة على الدواء والبقاء في استقرار نفسي مع أهله. لكن قاضي تنفيذ العقاب كان قد تبدل وجاء شخص آخر لم يعترف بهذه التقارير وأصر على بقائه في المستشفى.
في 21 نوفمبر2021، عند المغرب دخلت قوة أمنية للمستشفى وقامت بنقله لسجن الحوض الجاف، وهناك أبلغوه إنه سيتم عزله لمدة أسبوعين ثم نقله لسجن جوّ المركزي، وسلموه ورقة تفيد أن مجموع الأحكام الصادرة والمفعّلة ضده بلغت 35 عامًا.
وإذا ما أضيفت هذه الـ 35 عاماً مع الأحكام التي تم توقيفها ضد أكبر فإن مجموع سنوات سجنه تبلغ 64 عاما!
بعد شهرين من إعادة أكبر لسجن جوّ المركزي، نفد الدواء، تجاهلته إدارة السجن رغم محاولاته، تم التواصل مع إدارة مستشفى الطب النفسي، إلا أن المستشفى رفض تزويدهم بالدواء، فالقوانين تمنع صرف الأدوية من غير معاينة
إدارة السجن لم تتعامل مع مناشدات (أكبر) اليومية المتكررة بطريقة منطقية، تركته يعاني. تسلّم الدواء بعد تأخير طويل ساهم في تردّي حالته.
مع الإهمال المتعمد، صارت إمكانية تدهور حالته النفسية للمرة الثالثة واردة، استغاث أكبر بعائلته في اتصالاته الأخيرة، لأنه لا يريد العودة للأزمة النفسية التي خرج منها بصعوبة بالغة في المرة الثانية، ولا زالت العائلة تعيش القلق للآن.
أكبر علي اعتقل وعمره 17 عاماً، كان يجب أن يطبق عليه قانون العدالة الإصلاحية للأطفال، والإفراج عنه بموجب العقوبات البديلة أو أي قانون آخر، لكن الجهات الأمنية أعادت اعتقاله من المستشفى ووضعته في السجن.
ما زال يقاوم المرض، هل تسمع وزارة الداخلية المناشدات وتسهل إعطاءه حق العلاج كإنسان، أم تساهم في تدهور حالته ليعود لقعر المرض النفسي مجددًا حيث ظلام البئر المخيف؟