استقاء المعلومات من مصادرها (الفضيحة)!

باتت الناس مستعدة لتصديق مراسلات مجهولة على أن تصدق وزارة الداخلية
باتت الناس مستعدة لتصديق مراسلات مجهولة على أن تصدق وزارة الداخلية

2021-09-11 - 11:47 ص

مرآة البحرين (خاص): هل نحن أمام أجهزة حكومية تتصرف بمستوى إدارة الدول أم إننا مجددا أمام مجموعات أقرب للصبيانية؟ 

لقد أرّقت «واقعة استشهاد فتى يدعى محمد ناس» المجتمع البحريني وأدت إلى توتر الشارع وقلق شريحة كبيرة لديها أقارب معتقلين، قبل أن تنفي وزارة الداخلية ووزارة الصحة الموضوع بالكامل. لقد أعلنت الداخلية أن الشخص لم يرد اسمه في سجلات مركز الإصلاح والتأهيل (مصلحة السجون)، وذكرت الصحة أنه لا يوجد متوفى بهذا الاسم. 

لقد جاءت تلك البيانات متأخرة على نحو مقصود، رغم أن قضية الفتى المزعوم أخذت أشكالا مختلفة من التفاعل. 

عناوين مثل: (اعتقال محمد ناس أثناء عودته من ماليزيا)، أو (إصابته بفيروس كورونا داخل السجن)، أو (تدهور حالته الصحية ونقله للعناية المركزة)، لماذا لم تدفع الأجهزة الرسمية لتبيان الحقيقة للرأي العام مبكرا.

لماذا لم يتم ذلك فعلا؟ لأن تلك الأجهزة لا تضع الحقيقة على سلم أولوياتها، ولا تعتبر أن طمأنة المجتمع من صميم وظيفتها، بل إن إثارة الهلع والإرباك في المجتمع وتزوير الحقائق هي وظيفتها التي من أجلها تم تأسيسها. 

وهذه ليست مجرد اتهامات، بل هناك ما يدعمها من تساؤلات حقيقية تتعلق بسلوك تلك الأجهزة في «قضية ناس» تحديدا. 

فالسؤال الكبير، لماذا فعلا لم تباشر الأجهزة الأمنية والصحية في نفي موضوع الاعتقال، أو نقله للمستشفى ما دام الأمر كذلك؟ ألم يكن من شأن ذلك تخفيف الاحتقان في زمن مواجهة الوباء ووفاة معتقلين آخرين بنفس الكيفية.

وما الأجهزة التي تقف وراء مراسلة جهات بشأن واقعة وفاة الفتى المزعوم؟ من الذي راسل صفحة Bahrain Dead على الانستقرام وأبلغهم بنبأ وفاته؟ ومن راسل الناشطة الحقوقية ابتسام الصائغ وأبلغها بنبأ وفاته ودفنه في المحرق دون علم عائلته؟

لقد لعبت جهات داخل السلطة هذه اللعبة مسبقا مع صحيفة الوسط، عندما أغرقتها بأنباء مزورة أثناء قمع الاحتجاجات في مارس 2011، وكان الهدف مماثلا: ضرب مصداقية الصحيفة والتمهيد لتغيير هيئة تحريرها. 

إن ألعاب التضليل هذه لا تطعن في الجهات المُستهدفة، خصوصا في ظل صعوبة التحقق، وإنما تطعن في أهلية الجهات الرسمية التي تتبع هذه الأساليب. فعندما تعمل أجهزة حكومية بصبيانية تجعلها تهدد استقرار المجتمع لمجرد تسجيل نقاط على صحيفة أو ناشط، فأنت لست أمام دولة. 

أما الأمر الآخر فيتعلق بالشفافية. إن النجاح في تمرير هذه الخدعة يكشف أننا في دولة من الصعب فيها الوصول للمعلومات، وأن ما تطلبه الداخلية من «استقاء المعلومات من مصادرها الصحيحة» لا يمكن تحقيقه، لأنها باختصار تتحكم في تدفق المعلومات فتكشف عنها وتحجبها متى ما شاءت هي. 

كما يكشف ذلك أن الناس باتت مستعدة لتصديق مراسلين مجهولين عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أن تصدق بيانات وزارة الداخلية بعدما امتهنت الكذب واحترفت فيه بكل أشكاله. ويمكن هنا التذكير أن الشهيد كريم فخراوي الذي عذّبته الداخلية حتى الموت، استشهد بـ «فشل كلوي» إذا كنّا سنستقي المعلومات من مصادرها الصحيحة!