كيف كان العاشر الأول من غير غازي الحداد؟
2021-08-19 - 12:09 م
مرآة البحرين (خاص): عَرَفَ غازي بحسه الشعري، أن ملحمة العاشر معلقة في رابعة شمسه الحارقة، وأن الحكاية الخالدة تنسج خيوطها من حرارة هذه الشمس، فراح يرقبها في شعره من ليلة العاشر حتى غروبه مرورا بصباحه الذي ظل غيرا وشينا ونحبا.
إنه العاشر الأول من غير غازي، أراده الرواديد أن يكون غيراً أيضا على مستوى الاحتفاء بشاعر الحسين، فحولوا الغياب حضورا حميما.
نشيد الليلة الأخيرة (هذه الليلة) بصوت الشيخ حسين الأكرف أشعلت ليل البحرين، كما أشعل قبل عامين صباحها بقصيدة (عاشرنا صُباحه غير) التي استعادها الرادود السيد عصام الهاشمي في أول محرم هذا العام بطور جديد أعاد من خلاله نحيب طير العاشر بشجو فجائعي.
لقد أعاد الشيخ الأكرف بأدائه الشجي هذا العام إشعال القصيدة في النفوس من عُمان حتى البصرة، حيث أدّاها الكثير من الرواديد والفرق الإنشادية، وليُشعل من جديد مرارة رحيل الحدّاد عن الساحة الشعرية.
(شيخ الأهل) التي ختم بها الأكرف إصداره، حضرت في أكثر من عمل، لتقول إن آخر قصائد الراحل الكبير في مهرجان شاعر الحسين لن تكون اللحظة الأخيرة، بل الذروة المكينة. فكما أدّاها الرادود عبدالأمير البلادي، فعل رواديد من الخليج بينهم جعفر القشعمي ومحمود أسيري، في عمل وصفه منتجوه بالأضخم.
الحكواتي محمد صالح أخذ قصيدة (الحسين والأنبياء) التي خطّها الحداد قبل أكثر من ربع قرن، وراح، في حلقاتٍ خُصِّصَت للأطفال، يطوفُ بالأنبياء على كربلاء، ليُبلغهم ما جرى في التاريخ الذي لم يحل بعد.
ما يزال الحدّاد (هنا) يتقصّى تاريخ يوم عاشوراء وأمرَهُ (منفردا) في المواكب والمنابر وفي حرم شعره، حيث أحب أن يكون عقله ووجدانه وقلبه قبل أن ترديه إحدى دفقاته الشعرية وتتركه في غيبوبة جسدية طويلة.
لقد ظلَّ يجلو الصُّفرةَ عن ساحة المعركة في (الغبار انجلى)، حتى يأخذ الحسين عشّاقه معه ويطوف بهم على مصارع أهل بيته وأنصاره مؤبنًا، في مشاهد متحركة، تدور معها العيون وتنقادُ لها الأسماع وترتفع لها الصيحات.
وبِجَهْوَرِته صدح المنبر مراثٍ تتقصى مواطن الأسى واللوعة وتسيل لها (أدمعُ الحبرِ)، وكانت حواريات الحسين والعباس في قصائده النبطية (ما أرضى يا بو السجاد ما أرضى)، و(عباس من سهم الجود) تُجري عيون النادبين دموعا ساكبة.
أما موكب العزاء على الحسين فسار على إيقاعاته هذا العام يتحدّى كما (تحدّى بِحَبائِل الأودَاجِ حدّا). وفي إصرار المُعزين على عدم الانصياع لأهواء السلطة، كأنك تسمع صوته وهو يردد مُعاندا:
سطّر الدمُّ بِيومِ الطَّفِّ أفكار... نحنُ أحرارٌ مدى الدهرِ وثوار.
وفي هذه القصيدة يُعرِّفُ الموت كما يفهمه من (فلسفة كربلاء) قائلا (المماتُ مخرجٌ نحو الحياة... والحياة مدخلٌ نحو الممات)، (من يمت يعلم ما معنى الوجود... ويعي معنى الحياة والخلود).
لقد خرج الحداد نحو الحياة ليكون خالدًا متجذرًا بعد أن صاغ أناشيد الهوية البحرانية وتهويدة جراحها شعرا لا يخبو وهجه مهما تقدمت به الأيام.