حقيقة سياسة النظام بين المنامة والدوّار

يوسف مكي - 2012-09-21 - 5:08 م


يوسف مكي*


(يتحجج) النظام في البحرين على فعاليات المحتجين المطالبين بالديمقراطية في العاصمة المنامة بأنهم يعيقون الحركة الاقتصادية والتجارية، ويتسببون في إعاقة حركة المرور وإرباك الوضع بوجه عام، مما يتسبب في خسائر للتجار والمؤسسات الاقتصادية، هذا فضلًا عن الإخلال بالأمن.

لكن حجة النظام ضعيفة جدًا خاصةً إذا ما عرفنا أن قواته وعسكره قد قطّعوا أوصال منطقة دوّار اللؤلؤة عن بقية مناطق المنامة – منذ أكثر من سنة ونصف- وعلى الرغم من إزالة النظام للدوّار ومعالمه التي لم يبقَ منها سوى الذكريات، وأقام مكانه تقاطعًا أطلق عليه اسم (تقاطع الفاروق)، فإنه مازال معطلًا من الناحية الاقتصادية، حيث تحيط به العديد من المؤسسات الاقتصادية والتجارية الهامة، ومصالح المواطنين المختلفة، من قبيل سوق الحدادة العتيد، الذي ذهب مع الريح، ولم يأبه به النظام، وقد تقطّعت بأصحابه السبل والأرزاق، ومعطلًا أيضًا من الناحية المرورية، حيث يمثل الدوّار نقطة توزيع لمعظم شوارع البحرين وبالتالي لمناطقها، ويمثل في الوقت نفسه نقطة تجمع لمختلف شوارع البحرين حيث تصب فيه كل الشوارع الآتية من مختلف أنحاء البحرين .

 
منطقة الدوّار منطقة حيوية، ليس لمدينة المنامة فقط بل لكل البحرين، ومع ذلك فإن النظام قام بتعطيلها على أكثر من صعيد دون أن يسأل لماذا هذا الإجراء غير الرشيد الذي من شأنه أن يتسبب – وقد تسبب فعلا – في خسائر اقتصادية ضخمة للعديد من الفعاليات الاقتصادية والتجارية، لا بل تسبب هذا التعطيل في شلّ الحياة الاقتصادية في المنامة نفسها، بسبب عزل هذه المنطقة الحيوية عن باقي أنحاء المنامة وأنشطتها الاقتصادية.

لذلك فإن حجة النظام بأن المظاهرات والمسيرات في المنامة تؤثر على الحياة الاقتصادية، لا تصمد أمام ما يقوم به في منطقة الدوّار، بل تتناقض مع ما يطالب به المحتجين من عدم إقامة المسيرات في المنامة.

ففي الوقت الذي يدّعي حرصه على سير الحياة الطبيعية في المنامة ويمنع فيها المسيرات بهذه الحجة، فإنه قد سبق وأن قطّع أوصالها ودمّر أحد أهم معالمها الحضارية، أعني دوّار اللؤلؤة. والمنامة، التي يدّعي النظام حرصه على سير الحياة الاقتصادية فيها، وعدم الإضرار بها، لم تعد هي نفسها سواءً من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الحضارية، وذلك بسبب تعطيل أحد معالم العاصمة الاقتصادية والمرورية والحضارية.

 
إضغط لتكبير حجم الصورة
لذلك إذا كان النظام حريصًا على مصالح المواطنين والمصالح الاقتصادية في المنامة وفي البلاد عمومًا، فما عليه إلا أن يسحب عسكره من الدوّار، ما عليه إلا أن يعيد منطقة الدوّار إلى سابق عهدها من الحيوية بكل ما تعنيه الكلمة. أما أن يصادر حقوق الشعب في ممارسة حق التظاهر والمسيرات في المنامة تحت ذريعة الحفاظ على مصالح المواطنين وأرزاقهم وتجارتهم، فهذا لا يستقيم مع سياسة النظام الذي اقتطع، وعطّل على أكثر من صعيد، أهم منطقة، ليس في المنامة فقط بل في البحرين، نعم إنها منطقة الدوّار التي باتت تمثل رعبًا للنظام، وسيظل بجنده ورجله وخيله وأسلاكه الشائكة وحواجزه الإسمنتية قاطعًا لهذه المنطقة عن بقية مناطق البحرين، ولا يهمه الأضرار الاقتصادية وما يترتب عليها من عواقب بعيدة المدى، حتى لو تطلّب ذلك أن تصاب المنامة بالشلل والخراب. وقد أصيبت بالفعل .

إذن مشكلة المنامة ليست في إقامة المسيرات من قبل المحتجين كما يروّج النظام، إنما في محاصرة منطقة الدوّار وفصلها عن المنامة وتعطيل عجلة الاقتصاد التي دائمًا ما يتغنى بها النظام نفسه. وقد أثبت النظام بما لا يدع مجالًا للشك أنه لا تهمه المصالح الاقتصادية لعموم المواطنين، إنما تهمه المصالح الضيقة للقبيلة، ولا تعنيه المصلحة العامة، مصلحة الوطن. هذه هي الحقيقة في سياسة النظام بين المنامة والدوّار في لعبة النظام .

حكاية السموم بين اللوز والإنسان

وقف الولد على قارعة الطريق يبيع ثمرة اللوز البحراني على السيارات المارة. فاصلتُه/ ساومتُه في ثمن الكيلو، فقال ثلاثة دنانير، فقلت له يبدو أن السعر مرتفع إلى حد ما، قال أبدًا، هل تعرف أن ثمن كيلو اللوز سيرتفع أكثر .
فسألته لماذا ؟
فقال: لأن شجرة اللوز قد تضررت كثيرا من الأوضاع
فقلت ماذا تقصد؟
فقال: أعني أنّ شجرة اللوز تضرّرت من الغازات التي تُطلَق على المتظاهرين
سألته هل ذلك معقول؟ ظنًا مني أن المتضرر الأول والأخير هو الإنسان، المتظاهرون .
أجاب: الغازات سامة، وقد تضرّر شجر اللوز وبعض هذه الأشجار ماتت في منطقتنا بسبب الكمية الهائلة من هذه الغازات التي يطلقها الشرطة، والبعض الآخر إذا لم يمت فإن ثمرته قليلة ومشوّهة.
تفهّمت موقفه في رفع سعر اللوز. وانتابني نوع من الأسى بأن النظام في البحرين لم يوفّر حتى شجر اللوز الذي طالما تغنينا به، من سياسته الأمنية غير الرشيدة، وباتت الأشجار تموت واقفةً من الغازات التي تطلق على المتظاهرين والمواطنين، فكيف الحال بالنسبة لصحة المواطنين، الأمر خطير.


* يوسف مكي باحث بحريني متخصص في علم الاجتماع




التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus