عباس حسين: عن فشل الفريق الطبي والشهيد بركات والتلاعب بالأرقام

عباس حسين - 2021-06-13 - 11:08 ص

جلس وزير الصحة البريطاني (مات هانكوك) في استجواب استغرق أكثر من 4 ساعات يوم الخميس الفائت 10 يونيو 2021، بعد مطالبات بإقالته نتيجة ممارسته الكذب والتضليل حول وباء كورونا ونتيجة للأخطاء التي ارتكبها خلال فترة تفشي الوباء، في الوقت الذي تشهد بريطانيا انخفاضاً في الإصابات والوفيات، وكان لابد من هذه المحاسبة في أي بلد يحترم أرواح شعبه لأن الضحايا ليسوا مجرد أرقام.
على الجانب الآخر، فإن تحقيقاً أجري في استراليا حول تفشي المتحور الجديد لفايروس كورونا ونشرت تفاصيله ABC NEWS خلص إلى أن الحجر بالفنادق سبباً رئيساً لتفشي الفايروس، وبعد تتبع الحالات وجدوا أن أحد المحجورين بفندق هو من تسبب بالموجة الأخيرة للمتحور الشرس، ووجد التحقيق أن الفنادق ليست مصممة للحجر الصحي، وتطرق التحقيق إلى حالات استضافتها سلسلة فنادق ibis وهي نفسها تمتلك فندقين في البحرين.
هذه الدول تحقق وتسأل وتستجوب وتحاكم الواقع وتستنفر عند ارتفاع الأرقام، ولكن نعرف دولة أخرى عندما يسأل أحد مواطنيها يتم سحبه إلى أقرب مركز شرطة. هذا هو الفرق بين الأداء المهني والأداء البوليسي في الدولة التي تطغى عليها العقلية الأمنية في كل مفاصلها، وبالتالي فإذا مات أخوك أو أبوك فلا يحق لك أن تسأل عن سبب وفاته وعليك أن تشكر الفريق الطبي الذي ارتكب قرارات كارثية بعيدة عن المهنية والإنسانية.
أن تتحدث عن أزمة سياسية هو أهون وأسهل من أن تتحدث عن أزمة إنسانية تم استغلالها سياسياً، لأنه من الصعب جداً أن تكتشف حجم التلاعب والسوء في أداء من يرفع الشعارات الإنسانية بينما قراراته تؤدي لمجازر على مستوى نسبة الوفيات، ولا مبالغة في ذلك لأن الأرقام التي لا تخطئ، تؤكد أن ما حدث ويحدث في البحرين ليس أقل من مجازر كان يمكن تلافيها.
المسؤولية السياسية كانت كالكرة كلٌ يرميها على الآخر، رأس السلطة (الملك) خرج في تصريح بعد امتلاء المقابر بالجثث ليؤكد أن "كل إمكانيات البلد وضعت تحت تصرف الفريق الوطني"، في حين خرج بعده بسويعات رئيس الوزراء ليقدم تعازيه لأسر الضحايا، ولم يبق سوى الفريق الطبي الذي ينازع على منصة مؤتمر صحافي مله الناس ولم يعد له الكثير من المصداقية لكثرة تناقضاته، كانت (الداخلية) بالأمس القريب هي الأكثر تكذيباً للوقائع، لكن بات لها اليوم منافس أقوى هو الفريق الوطني بأشخاصه الثلاثة، المانع والقحطاني والسلمان.
في ذات اليوم الذي يُعلن فيه عن ارتقاء روح أحد المعتقلين السياسيين وهو الشهيد حسين بركات إلى بارئها، كان لزاماً على جهة طبية تتولى ملف جائحة كورونا وتمسك بتلابيبها، أن تتناول بعض المعطيات حول قضيته، في نفس اليوم كان هناك مؤتمر صحافي لم يتناول القضية، ببساطة لأنه إن كذب الإهمال الطبي بحقه فقد تحول علناً وبشكل فاضح من فريق يدعي المهنية إلى طرف سياسي وهو كذلك.
في المؤتمر العتيد، هرب الفريق الطبي إلى تناول موضوع التطعيمات، ولم يجب على أهم سؤال شغل الرأي العام، وكلف الناس أرواح العشرات من أحبتها، وهو لماذا نسبة الوفيات المرتفعة في البحرين وعدد الوفيات الكبير خصوصاً بين الشباب ومن لا يعانون من أية أمراض مزمنة؟
لن يجيب الفريق الطبي على هذا السؤال، ولن تجيب الدكتورة جميلة السلمان تحديداً لأنها قبل نحو شهر أكدت أن تعليق الطيران لدول (المتحور الهندي) لن يفيد البحرين لأن الوباء انتشر فعلاً في العديد من الدول، وبالتالي فإن على شعب البحرين أن يسلم رقبته للموت لأن الفريق لا يريد تحمل المسؤولية أو أنه لا يملك الصلاحيات الكافية لمنع الطيران.
خرج بعدها وليد المانع في مؤتمر 28 أبريل 2021، ليطبل للرؤية والأداء في البحرين، ويقول إن المنامة تميزت بـ"أعلى نسب تطعيم عالمياً" وكذلك تميزت بـ"إبقاء الأجواء مفتوحة للمسافرين وحرية الحركة والتنقل"، وأن فقط 2% من الحالات القائمة تعود للقادمين من الخارج خلال شهرين مارس وأبريل، وهذا -بحسب رأيه- يؤكد أن الإجراءات سليمة ولا يعيبها شيء.
ولم يؤكد المانع ولا السلمان على دخول المتحور الهندي للبحرين إلا بعد فتح جسر الملك فهد للقادمين من السعودية، لأن من الشروط الصارمة للأخيرة أن لا تكون البلاد التي يفتح إليها السفر قد تفشى فيها أي من المتحورات، وبعد أن ضُمن الفتح مع السعودية من أجل انتعاش أصحاب تجارة المحرمات والفجور، عقب الفريق الطبي بأن (المتحور الهندي) موجود في البحرين حاله حال الكثير من المتحورات كالبريطاني وغيرها، وكأن الموضوع لا يستدعي أية اجراءات خاصة أو تعاطٍ طارئ.
ما الذي حدث عندها؟ وقبل الإعلان الرسمي من قبل هذا الفريق عن دخول المتحور الهندي، أصبح الناس على قناعة كبيرة بدخوله بسبب ارتفاع الوفيات وارتفاع الإصابات بشكل قياسي، ومع المطالبة المتكررة بإغلاق الطيران كان الفريق يردد اسطوانة (التجمعات العائلية)، في حين أن إجراءاته كانت تتجه لمزيد من الفتح على الأنشطة التجارية وبينها فتح محلات الألعاب للأطفال وغيرها من الأنشطة.
إذاً، نحن أمام فريق غير مهني في قراراته، وأثبت فشلاً ذريعاً كلف البلاد أكثر من 131 ضحية تحت 60 سنة خلال شهر مايو 2021 فقط، منهم 56 مواطنا، قبل أن يحجب الفريق أرقام المتوفين وتفاصيلهم مع ارتفاع أصوات الناس حول سوء الأداء الرسمي وفقدانه السيطرة ومشاهد انهيار المنظومة الصحية، فذهب إلى معالجة الأمر بإخفاء الوقائع وحجب المعلومات، معللاً ذلك باحترام مشاعر المصابين وتأجيل احصائية المتوفين حتى الليل دفعة واحدة ولكن ما حصل أنه طبق التأجيل وحجب أعمار وجنسيات المتوفين أيضاً كي لا يكتشف الرأي العام حجم الإصابات بين الشباب!.
تواصل خلال شهر يونيو 2021 حصد (المتحور الهندي) الذي رحب به الفريق الطبي لأرواح الناس ومنهم الشباب، وكان غريباً ومثيراً للعجب كيف أن أقل من 750 مريضاً بين العناية القصوى (حوالي 330) ومن يتلقون العلاج، وهذه الأرقام القليلة نسبياً تتسبب في انهيار المنظومة الصحية ويصبح طلب الإسعاف يتطلب أكثر من 24 ساعة!.
على أن نسبة الوفيات التي لم يحبذ الفريق الطبي الإجابة على سبب ارتفاعها الشديد، تؤكد بحسب المختصين أن البحرين فوق المعدل العالمي ب3 مرات، وأن البحرين هي الثانية عالمياً في نسبة انتشار وباء كورونا، بحسب دراسة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في مطلع يونيو الجاري.
والمحصلة أن هذا الفريق يثبت كل يوم عدم قدرته على إدارة الأزمة وفشله الذريع في التعاطي الإنساني وتسببه في ازهاق أرواح المئات من أبناء شعبنا ومن الجالية الوافدة على السواء، في حين أن الكوادر الطبية البحرينية في الصفوف الأمامية أثبتت مهنية عالية وانضباطاً وحساً إنسانياً على عكس أصحاب القرار، وبالرغم من تطوع بعضهم نتيجة الحرمان الطائفي والسياسي من الوظيفة إلا أنهم التزموا إنسانيتهم أكثر مما يُتوقع منهم، وكان نصيبهم من الفريق الطبي ووزارة الصحة توظيف الأجانب مكانهم!.
*ناشط بحريني