كيف قتلت بريطانيا والولايات المتحدة انتفاضة البحرين

من تظاهرات الشعب البحريني المطالب بالديمقراطية (أرشيف)
من تظاهرات الشعب البحريني المطالب بالديمقراطية (أرشيف)

فينيان كننغهام - موقع Strategic Culture للبحث والتحليل السياسي - 2021-02-25 - 5:00 ص

ترجمة مرآة البحرين

منذ عشرة أعوام، أطلق الشعب البحريني انتفاضة سلمية جريئة ضد نظام ملكي مزدرٍ ومستبد. وفي الأسابيع الأربع التالية، اهتزت أساسات نظام آل خليفة مع نزول مئات آلاف البحرينيين إلى الشوارع  في الدولة الخليجية.

تبع ذلك تدخل حاسم -وإن كان حقيرًا- من قبل بريطانيا والولايات المتحدة، اللتين أطلقتا العنان لموجة من القمع الوحشي -وهو قمع مستمر حتى يومنا هذا. لولا هذه العملية البريطانية والأمريكية، لكانت الانتفاضة الشعبية أزاحت النّظام البحريني.

 مصدر الخطر بالنسبة إلى لندن وواشنطن لم يكن فقط جزيرة البحرين الصغيرة نفسها، بل استقرار سلسلة كاملة من الممالك الخليجية، وخاصة المملكة العربية السعودية. إذ تُعتَبَر مشيخات الخليج ضرورية للحفاظ على المصالح الجيوسياسية للقوى الغربية في الشرق الأوسط، ولدعم نظام البترودولار الذي يُعَد أمرًا أساسيًا لتغذية الاقتصاد الأمريكي، وإطالة أمد التجارة المربحة لمُصَنِّعي الأسلحة في بريطانيا وأمريكا.

لو استسلمت البحرين لانتفاضة ديمقراطية من قبل شعبها المطالب بانتخابات حرة ونزيهة، وحكم مستقل للقانون، وحوكمة اقتصادية أكثر إنصافًا، وما إلى ذلك، لكانت الملكيات الخليجية "مهددة" بهذا النموذج. المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان هي دول الخليج الأخرى التي تحكمها عائلات مالكة. جميعهم عملاء للقوى الغربية، ويُسَهِّلون القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية في جميع أنحاء المنطقة، والتي تعتبر حيوية لإبراز القوة، عبر شنّ الحروب على سبيل المثال ومواجهة أعداء معينين مثل إيران. تستضيف البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، بالإضافة إلى قاعدة بحرية بريطانية جديدة تم افتتاحها في العام 2016. باختصار، لا يمكن السماح للبحرين بتحقيق الديمقراطية، إذ سيكون للأمر تأثير الدومينو في جميع أنحاء المنطقة، ما يهدد المصالح الأمريكية والبريطانية.

التطلعات الديمقراطية للشعب البحريني محقة تمامًا. غالبية السكان الأصليين هم من أتباع المذهب الشيعي في الإسلام، مع عدد من العلاقات الثقافية مع إيران القديمة الواقعة شمالًا، عبر الخليج. ينحدر حكام البحرين من قبيلة مستعمرة غزت الجزيرة في القرن الثامن عشر. وتعود قبيلة آل خليفة في أصولها إلى شبه الجزيرة العربية. واحتلت البحرين بالغزو والنّهب. وبخلاف غالبية البحرينيين، زعم الغاصبون أنهم يتبعون المذهب السني في الإسلام، وعاملوا السكان الأصليين بازدراء، وفرضوا عليهم رسومًا تعسفية وابتزازية تحت طائلة الموت. لكن الأمبراطورية البريطانية نصّبت الحكام الجدد في نظام ملكي في العام 1820 ليؤدوا في الجزيرة واجب الحراسة على ممر مائي رئيسي يؤدي إلى الجوهرة الأهم في تاج الأمبراطورية البريطانية، الهند. واعتمدت الأمبراطورية البريطانية ترتيبات حماية مماثلة مع جميع الدول الخليجية العربية الأخرى.

وعلى مدى قرون عدة، تم الاعتماد على ضباط وجنود الاستعمار البريطاني لفرض نظام آل خليفة في البحرين. كانت انتفاضات الشعب تتكرر بشكل دوري وتتعرض للقمع العنيف على يد قوات الأمن البريطانية.

تكرر هذا المخطط خلال ثورات الربيع العربي في العام 2011، والتي اجتاحت شمال إفريقيا والشرق الأوسط. تلاعبت القوى الغربية ببعض هذه الثورات أو حرّضتها على تغيير النظام، كما هو الحال في سوريا وليبيا. لكن في البحرين، شكّلت الديمقراطية الدافع الذي حفز الغالبية الشيعية على المطالبة مرة أخرى بحقوقهم التاريخية ضدّ ما كان يُنظر إليه كنظام دجال واستبدادي.

هكذا كان حال القبضة المتزعزعة للنظام على السلطة لدرجة أنّ موجة الانتفاضة الشعبية كادت تتجاهلها خلال الأسابيع الأربعة التي أعقبت بداية انتفاضة البحرين في 14 فبراير / شباط 2011. كان كاتب هذا المقال حاضرًا في هذه الفترة المضطربة التي شهدت نزول حوالي 500 ألف شخص إلى الشوارع - أي ما يقرب من نصف عدد السكان. أصبح دوار اللؤلؤة في العاصمة المنامة بحكم الواقع "جمهورية البحرين" مع معسكرات سلمية وحشود يومية تخبر الملك حمد بن عيسى آل خليفة أنّ "اللعبة انتهت" بالنسبة  لنظامه المُحبب إليه. كانت  تلك فترة عصيبة وكان مصير النظام محفوفًا بالمخاطر بشكل واضح. وسيُشَكّل إغراق الناس في حمام دم طريق الهروب للحكام ورعاتهم الغربيين.

في 14 مارس / آذار 2011، غزا آلاف العناصر من القوات السعودية والإماراتية البحرين، وبدؤوا حملة قمع دموية ضد المتظاهرين العُزّل. حوصر الناس للاعتقال الجماعي والتعذيب. وقُتِل شبان بالرصاص من مسافة قريبة. ويستمر مسلسل القمع الوحشي الذي بدأ قبل عقد من الزمن حتى يومنا هذا - وإن تجاهلته وسائل الإعلام الغربية. يقبع جميع القادة البحرينيين المؤيدين للديمقراطية في السجون من دون إجراءات قانونية واجبة. وأُعدِم عدد من السجناء على خلفية تهم بارتكاب جرائم إرهابية بعد سحب "الاعترافات" منه بشكل قسري.

وفي 9 مارس / آذار 2011، وقبل أيام فقط من الغزو السعودي والإماراتي للبحرين، زار كبار المسؤولين الأمنيين البريطانيين والأمريكيين البحرين. ومثّل الجانب البريطاني كل من السير بيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون، وكذلك الجنرال السير ديفيد ريتشاردز، قائد الجيش البريطاني. وفي 11 مارس / آذار، وفي اجتماع منفصل ثان قبل ثلاثة أيام من الهجوم، زار وزير الدفاع الأمريكي آنذاك روبرت غيتس نظام  آل خليفة. لا نعرف تفاصيل تلك الجلسات، لكن تقارير إعلامية أشارت في ذلك الوقت إلى أنّ البريطانيين والأمريكيين "يقدمون دعمهم للعائلة المالكة".

عملت بريطانيا والولايات المتحدة سويًا لقتل ثورة البحرين في العام 2011، والتّطلعات الطويلة الأمد لشعبها إلى الحكم الديمقراطي. يتواصل القمع مع قيام المسؤولين البريطانيين والأمريكيين بزيارة البحرين بشكل متكرر للتعبير عن دعمهم لنظام آل خليفة. وزار وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو الجزيرة في أغسطس / آب 2020، وأشاد بالنظام لدعمه سياسة واشنطن من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ليس هناك إشارة على أن الإدارة الجديدة لبايدن تتخذ موقفًا أكثر انتقادًا تجاه البحرين. في الواقع، إدارة أوباما، التي كان بايدن فيها نائبًا للرئيس، هي التي تواطأت مع بريطانيا في ذبح الثورة البحرينية في العام 2011.

لذلك، عندما تتحدث بريطانيا والولايات المتحدة عن تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في أماكن مثل هونغ كونغ أو فنزويلا أو روسيا أو أي مكان آخر، تذكروا فقط مصداقيتهما الزائفة، كما أثبتت ذلك انتفاضة البحرين وسائل الإعلام الغربية - على الرغم من مزاعمها بالحرية والاستقلال- الإدانة أيضًا. إذ واصلت وسائل الإعلام هذه تجاهل محنة البحرينيين مراعاة للمصالح الجيوسياسية لحكوماتهم.

النص الأصلي