لماذا يحترم الزعماء العرب المعاهدات مع الآخرين لكن ليس فيما بينهم؟

من اليمين: وزير خارجية البحرين عبداللطيف الزياني، وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض - 15 سبتمبر 2020
من اليمين: وزير خارجية البحرين عبداللطيف الزياني، وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض - 15 سبتمبر 2020

مصطفى الفيتوري - موقع ميدل إيست مونيتور - 2020-09-29 - 10:12 ص

ترجمة مرآة البحرين

وصل ما يسمى بـ "اتفاق أبراهام"، أي الاتفاقية بين الإمارات وإسرائيل، بنحو أسرع مما كان يتخيله حتى أكثر الصهاينة حماسة، حتى لو جرت مفاوضات سرية. وقد تبعت البحرين [الإمارات] باستعجال فاضح.

تم توقيع أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل في العام 1979، مع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. استغرق الوصول إلى تلك المرحلة ما يقرب من عامين بعد أن صدم الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، العالم بزيارته لإسرائيل في نوفمبر / تشرين الثاني من العام 1977. وحتى ذلك الحين، كانت الاتفاقية عبارة عن مجرد خطتين تؤطران جدول أعمال المفاوضات بدلًا من الالتزام بأي اتفاقية جوهرية. واستمرت المفاوضات لسنوات بعد ذلك.

من الصعب الاتفاق على الصفقات المماثلة، فهي مليئة بالتفاصيل الدقيقة التي يكمن فيها أكثر من شيطان واحد. دفعت مصر مبالغ كبيرة لكسر ما كان يُعَد آنذاك من المحرمات؛ قاطعتها كل الدول العربية وحُرمت من الدعم المالي الكبير الذي اعتادت الدول العربية الأغنى تقديمه للقاهرة. تم نقل جامعة الدول العربية التي يوجد مقرها في القاهرة إلى تونس وعانى الاقتصاد المصري. في نهاية المطاف، دفع السادات حياته في العام 1981 لتوقيعه الاتفاقيات، من بين أسباب أخرى. وحتى ذلك الحين، كان هناك موقف عربي قوي يرفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل ما لم يتم منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة الكاملة، وحتى [يتم ذلك].

قالت جامعة الدول العربية إن اتفاقية كامب ديفيد نقضت مجموعة كاملة من الاتفاقيات العربية التي وقعت عليها مصر منذ إنشاء الجامعة في العام 1945. وخوفًا من أن تكون بمثابة سابقة للدول الأعضاء الأخرى، تصرفت المنظمة بسرعة وحسم.

لم تُعاقَب مصر على صنع السلام؛ بل عوقِبَت بسبب صنع السلام مع دولة احتلال استعماري ذات ممارسات متجذرة في نظام فصل عنصري الذي يهدد كل دولة عربية في حين ينكر وجود أمة بأكملها، وهم الفلسطينيين. ككيان نووي مسلح، تمارس إسرائيل التّمييز ضد الفلسطينيين، حتى بشكل فردي - وحتى ضد مواطنيها العرب الفلسطينيين - في كل جانب من جوانب الحياة. علاوة على ذلك، تمّت مقاطعة القاهرة ليس فقط لاتخاذ مثل هذه الخطوة لوحدها، ولكن أيضًا بسبب التأثير الاجتماعي والثقافي والاستراتيجي لـ "صنع السلام" مع دولة مبنية على الاستيلاء على الأراضي وتجاهل تام للقانون الدولي. يمكن وصف حالة مصر بأنها "سلام من دون التطبيع"، لأن استياء المصريين من إسرائيل والصلات القوية مع الفلسطينيين جعلوا التطبيع شبه مستحيل.

مع صفقة الإمارات، الوضع مختلف والسابقة أكثر خطورة. من المحتمل أن يكون للتداعيات تأثير على جيل كامل في منطقة الخليج. لم تخض الإمارات ولا البحرين حربًا مع إسرائيل؛ وليس لديهم حدود معها، كما أنّه ليس لديهم احتياجات اقتصادية أو أمنية قد تحققها مثل هذه الصفقة. بخلاف المصريين، الناس في الإمارات العربية المتحدة أقل ارتباطًا بالقضية الفلسطينية، ما يقلل من احتمالات المعارضة العلنية للتطبيع، وبالتالي من فعاليتها.

فيما يتعلق بالأمن، فإن الخرق الكبير الوحيد للأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة الذي نعرفه حدث في العام 2010، عندما قتل عملاء إسرائيليون الفلسطيني محمود المبحوح في أحد فنادق دبي. من غير المحتمل أن تكون جريمة القتل قد ذُكِرت في المناقشات حول الاتفاقية الموقعة للتو مع الدولة الصهيونية.

ومع ذلك ، يمكن لما يُقَدّر بنحو عشرة آلاف فلسطيني وافد، يعيشون ويعملون في الإمارات العربية المتحدة توقع المزيد من القيود والمراقبة.

يرفض الفلسطينيون ودول عربية أخرى الخطوة الإماراتية، مع شكاوى جدية من تداعيات تتجاوز "رمزية" صنع السلام. تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حفل التوقيع يوم الثلاثاء عن تغيير "مسار التاريخ" حيث لم تعد القضية الفلسطينية ذات صلة بأجيال المستقبل العربية. إنه يشوه التاريخ ويعيد كتابته ليعكس الرواية الإسرائيلية الزائفة للصراع.

تعتبر المنامة وأبو ظبي هامشيتين في الصراع العربي الإسرائيلي، لكنهما فعالتان داخل "الحظيرة" العربية، على الأقل كما ورد في مبادرة السلام العربية لعام 2002. إن قيام الأطراف الأضعف بمثل هذه الخطوة بمفردها يزيد من ضعف بقية المجموعة؛ والجامعة العربية في هذه الحالة.

علاوة على ذلك، تعزز تحركات الإمارات والبحرين الاتجاه التاريخي المتمثل في أن القادة العرب يحترمون ويلتزمون دائمًا بالصفقات التي يوقعونها مع الآخرين لكنهم لا يحترمون التزاماتهم تجاه بعضهم البعض، في داخل أو خارج جامعة الدول العربية. في هذا السياق بالذات، هناك العشرات من المعاهدات الثنائية والجامعة العربية التي وقعتها جميع الدول العربية تقريبًا، بما في ذلك الإمارات والبحرين، والتي تجعل التطبيع مع إسرائيل مشروطًا بقبول الكيان الصهيوني بحل الدولتين في صميم السلام العربي. وهي مبادرة صادقت عليها غالبية أعضاء الجامعة بمن فيهم الفلسطينيون. كل هذه المعاهدات، إمّا وُضِعَت على الرف، أو نُفِّذَت جزئيًا، أو لم يتم تنفيذها على الإطلاق.

فعلى سبيل المثال، أبو ظبي والمنامة طرفان في معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي ، التي وقعتها الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية في العام 1950، أي حتى قبل وجود الإمارات العربية المتحدة والبحرين كدولتين مستقلتين. تلزم المعاهدة الدول الأعضاء بالدفاع عن بعضها البعض في الحرب -كما يفعل حلف الناتو لأعضائه- في حين تحظر التدخل الداخلي في شؤون الأعضاء الآخرين في العصبة. لم تنفذ كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة، وتقريبًا جميع الدول الأعضاء الأخرى في جامعة الدول العربية، بنود تلك المعاهدة بالكامل على الرغم من الغزوات الأجنبية لدول أعضاء مثل العراق ولبنان وليبيا، على سبيل المثال لا الحصر. وبدلاً من ذلك، تتدخل الإمارات الآن في اليمن وليبيا بما يتعارض مع هذه المعاهدة، وكذلك الالتزامات القانونية الدولية. وهناك أيضًا العشرات من اتفاقيات جامعة الدول العربية والمعاهدات الثنائية التي تغطي مجالات مهمة مثل الزراعة والعلوم والتعليم والثقافة وقضايا المرأة، وهي تستند بشكل شامل إلى مصلحة العالم العربي ولا يُفترض أن يتم انتقاؤها بعناية لتنفيذها جزئيًا. لا يتم الالتزام بأي منها فعليًا. فعلى سبيل المثال، تتعارض مقاطعة دول الخليج لقطر، والتي تقودها السعودية، مع عدد من معاهدات جامعة الدول العربية. وعلى العكس من ذلك، تولي دول الخليج اهتمامًا كبيرًا لتنفيذ اتفاقياتها المختلفة مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، لا سيما في مجالي الدفاع والأمن.

تبلغ الإمارات العربية المتحدة من العمر 50 عامًا، والبحرين 51 عامًا، والكيان الصهيوني 72 عامًا، لكن متوسط ​​عمر أشجار الزيتون الفلسطينية 500 عام. ستظل فلسطين دائمًا عميقة الجذور في أرض وقلوب وعقول الملايين، من غير المرجح أن يحظى أي من الإمارات والبحرين وإسرائيل بهذه المكانة.

 

النص الأصلي