دروس من مقتل فلويد في أمريكا... عن العنصرية وقمع الشرطة وأشياء أخرى

أمريكيون من ذوي البشرة البيضاء خلال مظاهرات غاضبة بعد مقتل فلويد - بوسطن، ماساشوستس 29 مايو 2020 - أ ف ب
أمريكيون من ذوي البشرة البيضاء خلال مظاهرات غاضبة بعد مقتل فلويد - بوسطن، ماساشوستس 29 مايو 2020 - أ ف ب

2020-06-20 - 5:42 ص

مرآة البحرين (خاص): أدى مقتل الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد، في 25 مايو 2020 على يد شرطة مدينة مينابولس بولاية مينيسوتا والاحتجاجات التي رافقت مقتله، إلى فتح الباب مجدداً أمام مشكلة العنصرية والتمييز بالإضافة إلى قمع السلطات الأمنية لفئة من المواطنين (الشيعة) في البحرين.

لم يكن موضوع العنصرية في الولايات المتحدة جديداً لكن حادثة فلويد فجرت الأوضاع وأدت إلى غضب شعبي عارم، تُرجم بنزول الآلاف إلى الشارع للمطالبة بوضع حد للعنصرية التي تمارس ضد الأمريكيين من أصول أفريقية.

لقد أدت حادثة فلويد إلى كشف مدى تضخّم دور الشرطة في الولايات المتحدة، حيث صارت لها اليد الطولى في الكثير من القضايا والمشاكل ابتداء من قضايا تغيّب الطلاب عن مدارسهم وقضايا المشردين، وصولا إلى الجرائم الكبيرة كالقتل والاغتصاب والإتجار بالمخدرات.

لقد أدى مقطع مصور لشرطي يضع ركبته على رقبة فلويد لمدة 8 دقائق (حتى فارق الحياة) إلى احتجاجات لم تشهدها أمريكا منذ سنوات طويلة، شارك فيها البيض الذين يشكلون أغلبية السكان، وتبنوا خلالها مطالب السود الذين لا يتجاوز عددهم الـ 43 مليوناً (حوالي 13٪ من سكان الولايات المتحدة)، وكان لمشاركة البيض الأثر الواضح والدور الكبير في الزخم الذي رافق الاحتجاجات.

ناشط أمريكي أبيض (75 عاما) مشارك في احتجاجات السود يتعرض لنزيف بعد دفعه من قبل شرطي في ولاية نيويورك - 5 يونيو 2020

وبجولة سريعة على وسم  White Privilege (الذي يتحدث عن أفضلية البيض في أمريكا) ستلاحظ عشرات آلاف التغريدات لشخصيات أمريكية من ذوي البشرة البيضاء، من الكتاب والصحفيين والممثلين، وهم يسردون قصصهم وكيف أنهم تلقوا معاملة خاصة بسبب بشرتهم البيضاء.

بحرينياً قام عدد من المغردين بإبراز مشاعرهم المتقززة من الجريمة التي ارتكبها ذاك الشرطي العنصري تجاه فلويد، لكن المفارقة كانت في أن ذات المغردين مارسوا عنصرية أشد وأقسى ضد أغلبية المواطنين من بني جلدتهم. هؤلاء لم يشعروا بأي تقزز وهم يرون رأس أحمد فرحان مهشماً على يد الجيش. هؤلاء لم يعن لهم شيئاً مقتل فخراوي والعشيري بالتعذيب في السجن، بل لم يرف لهم جفن لمقتل أكثر من 200 مواطن كلهم ينتمون للطائفة الشيعية التي تشكل غالبية المواطنين، أما وسائل الإعلام في البحرين فقد كانت تحرض ضد المحتجين وتدعو (ولا تزال) إلى سحقهم وقتلهم.

لقد استفاد بعض البحرينيين المتباكين على فلويد في الولايات المتحدة، من الامتيازات التي قدمت لهم لأنهم ينتمون للطائفة التي ينتمي إليها حكّام البلاد، والتي دائما كان لها نصيب الأسد في المناصب العليا والترقيات والوظائف والبعثات ومشاريع الإسكان. 

مع الأسف لم نر أحداً منهم يخرج إلى العلن ويقول إنه استفاد من كونه ينتمي لتلك الفئة، وحصل بسهولة على بعثة، أو وظيفة أو ترقية. لم يخرج أحد منهم ليقول إن ما حصل عليه ما كان ليحصل عليه لو كان ينتمي إلى الطائفة المغضوب عليها، بل على العكس تماماً ومن قبل العام 2011، دائما ما كانت تواجه شكاوى التمييز بحملة حكومية ظالمة تحوّل الضحية إلى خائن أو ساعي إلى إحداث شقاق وفتنة في المجتمع.

لقد ظلّ الحديث في البحرين عن التمييز والتهميش والعنصرية تجاه السكان الأصليين المنتمين للطائفة الشيعية محرّماً، بل الوقاحة كانت تصل لدى بعض النشطاء المقربين من الحكومة إلى تحويل هذه الشكاوى إلى مادّة للتندّر والسخرية والضحك.

على خلفية مقتل فلويد والاحتجاجات التي رافقت الحادثة، أقدمت عدد من الولايات في أمريكا على اتخاذ قرارات جريئة في تقليل ميزانية الشرطة، وتحويل تلك الأموال إلى برامج اجتماعية تخدم السود، وهي بالتأكيد قرارات لم تتخذ إلا بسبب مبدأ المحاسبة الذي يؤدي إلى تغيير المسؤولين إذا فشلوا في إدارة البلاد والعباد، أما البحرين فعلى الرغم من ارتفاع الدين العام لديها إلى مستويات قياسية والانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي يكاد يكون المصدر الوحيد للدخل، لكنها لاتزال تستثمر في العسكر والأمن (تنفق البحرين حوالي 2.5 مليار دولار من أصل 7 مليارات هي ميزانية الدولة سنوياً على الأجهزة الأمنية والعسكرية)، فيما كان يمكن لها أن تنفق هذه جزءاً من هذه الأموال على مشاريع خدمية واجتماعية تقلل من حاجتها للصرف على الأمن والعسكر.

في القرن السادس عشر كان هناك رجل أعمال بريطاني يدعى إدوارد كولستون ، انتخب ليكون عضواً في البرلمان البريطاني عن مدينة تدعى بريستول. أبرز تجارة كان يبرع فيها كولستون كانت تجارة العبيد، حيث كان يقوم بنقل آلاف الأفارقة عنوة على سفنه إلى المستعمرات (توفي 19 ألف منهم). بعد وفاته عام 1721، وضع له تمثال كبير في مسقط رأسه مدينة بريستول تخليدا لذكراه. بعد حوالي 300 عام من وفاته قام محتجون مناهضون للعنصرية (7 يونيو 2020)، بتحطيم التمثال ورميه في ميناء المدينة الذي كانت تنطلق منه سفنه التي تقل العبيد.

إن ما حصل لكولستون يجب أن يكون عبرة لكل ظالم يضطهد الناس ويميز ضدهم، عليه أن يعلم أن لعنة الضحايا ستلاحقه، ربما ينجو من المحاسبة وهو على قيد الحياة، وربما يوضع له تمثال بعد وفاته تكريماً له من قبل المتملقين والمرتزقة الذين يعتمد عليهم في تحسين صورته، لكن التاريخ سينصف الضحايا ولو بعد حين، وتمثاله سيحطم وإن بعد 3 قرون من الزمن.