الإشكال الأضخم في البحرين: الفشل الذريع في تفادي الصراع المباشر بين الملك والأغلبية الشعبية

عباس بوصفوان - 2012-09-06 - 7:36 ص



عباس بوصفوان*


تشكل الحالة السياسية في البحرين نموذجا غنيا لدراسة بنية الحكم القبلي في الخليج، الذي ظل بعيدا عن استيعاب مبدأ السيادة للشعب. إضافة إلى ذلك، ولأسباب تاريخية، وأخرى تتعلق بـ “عقدة الجيوبوليتك”، تبدو الحالة البحرينية مرشحة للاستمرار في عدم الاستقرار وارتفاع وتيرة الاحتقان بصورة دورية، في حين أنها، وللأسباب ذاتها أيضا، يمكن أن تشكل نموذجا للديمقراطية والتعايش المشترك والرخاء الاقتصادي.

وتختزن الذاكرة الشعبية تجارب مريرة من الاستبداد، يبدو من الصعب معها القول إن مطلب التحول للديمقراطية في صيغة ما من صيغ "الملكية الدستورية" لا مبرر له، أو إنه يعبر عن مغالاة وتشدد شعبي.

لقد أساءت العائلة الحاكمة إدارة الوضع السياسي، بدءا من حلها البرلمان المنتخب في 1975، مرورا بإجرائها تغييرا دستوريا في 2002، أخل بتوافق شعبي تاريخي، وليس انتهاء بتجربة سلبية على العيش المشترك في السنوات العشر التي أعقبت تحول الدولة إلى مملكة، تتحمل “استراتيجية الملك” في الحكم مسؤولية ذلك.

لذا، فإن الإشكال الأضخم الذي يواجه البحرين يتمثل في الفشل الذريع في تفادي صراع مباشر بين رأس الدولة (الملك) وقطاعات شعبية كبيرة، واعتبار كل منهما الآخر خصما يجدر النيل منه، بل إقصاؤه.

وتجتهد المعارضة الرئيسية (الوفاق والجمعيات المتحالفة معها) لتفادي ذلك. وتحاول، ما استطاعت، صب جام غضبها على رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة بدلا من الملك حمد بن عيسى آل خليفة، لتجنب حرب مفتوحة مع النظام، ولفتح فسحة للنظام للبحث عن تسوية، ستكون أكثر تعقيدا إذا كان هدفها الملك.

وسواء كان الملك حمد ملتفتا إلى خطورة أن يكون شخصه على رأس دعوات التغيير الشعبية أم لا، فإنه يبدو غاضبا للغاية من حركة الاحتجاج، التي يعتبرها تحديا شخصيا له. ويبدو الرجل مقتنعا ـ ربما ـ بأن فرص التوافق الشعبي دون تقديم تنازلات من قبله باتت محدودة، لذا تراه يمضي في سياسات أكثر إكراهية وعنفا، بدل الانحناء للعاصفة، أو ادعاء ذلك، مع لحاظ أن التصرف بغضب يذهب الحكمة، عادة.

والخشية بأن يجر ذلك الوضع إلى تأزم أكبر، ويضفي عليه صفة الديمومة. وخصوصا أن الملك يتبنى، بحماس بالغ، ومثير للدهشة إعلان اندماج كونفدرالي مع العربية السعودية، بكل ما يحمله ذلك من رسائل سلبية للعديد من ألوان الطيف الوطني، والأغلبية الشيعية خصوصا، بل في سائر دول الخليج الأخرى.

إن البنية التسلطية للنظام تحد من قدرته على قراءة المتغيرات، حين يمضي في استخدام أدوات قديمة لعلاج قضايا مستجدة يستدعي مقاربتها أفقا أكثر استجابة لمتطلبات عصر مختلف. وبصراحة فإن التسوية في البحرين تنتظرتنازلا ملكيا للشعب بالشراكة في القرار، يتم التوصل إليه عبر حوار منتج. وأي صيغ ضبابية، أو مفروضة من طرف الحكم، حتى وإن قبلتها أطراف في المعارضة، يصعب توقع أن يكتب لها النجاح والديمومة.

ولا يمكن للتعديلات الدستورية، التي أقرها الملك في 3 مايو (أيار) 2012، أن تكون مدخلا للإصلاح، كما أن الهروب إلي الأمام بشكل من أشكال الوحدة القسرية مع السعودية، إنما يعمق المخاوف من رغبة السلطة بالاستئثار بالحكم.

إن تفاهما محليا (بدعم إقليمي ودولي) على تسليم القرار للشعب، وذلك يعني تقليصا للصلاحيات المطلقة للعائلة الحاكمة، يبدو الحل الأنجع للمسألة البحرينية، التي إن ظلت تنزف، فإن التوتر الاقليمي سيتصاعد. وإن طرح فكرة الملكية الدستورية حري بأن يجذب الجميع إليها، ذلك أن لا إلغاء الملكية، ولا تجذير نمطها المطلق يبدو قادرا على حفظ الاستقرار في البلاد.

ويخطئ الملك إذ يعتبر المساس/ تغيير دستور 2002 مساسا به، ذلك أن عقله يتوجب أن يركز على مصلحة البحرين، التي إذا ما ظلت تنزف، فإن النزف سيطال عائلته على نحو أكثر، ولن يستثنى القصر الملكي الذي يتآكل معنويا، كما لم يحدث في أي فترة من فترات التاريخ.

كما يجدر التنبه إلى أن الاعتقاد الراسخ باستحالة الاطاحة بالملك تبدو غير واقعية وخلاف معطيات التاريخ والتجارب المحيطة، بالنظر إلى أن تقديم “كبش فداء” سيكون أسهل على العائلة الحاكمة وداعميها الاقليميين والدوليين من تقديم تنازلات في هيكلة مؤسسة الحكم، على غرار ما تم من تغييرفي العشرينيات من القرن الماضي بتعيين الابن حمد محل أبيه الشيخ عيسى بن علي.

ولست متأكدا من أن إزاحة رئيس الوزراء التي باتت وشيكة (ربما 2014) ستحل الإشكال، إلا إذا استثمرها الملك لتقديم مبادرات تعيد صياغة بنية الحكم وآلياته نحو مزيد من الدمقرطة. على أن نجاح أية تسوية سيكون مرهونا باقرار الملك حمد بخطأ استراتيجيته المعادية لمعارضيه وقطاعات واسعة من شعبه، التي أدخلت البلاد نفقا مظلما. كما أن استمرار الطاقم المحيط بالملك، وعلى الأخص يده اليمنى وزير ديوانه خالد بن أحمد آل خليفة لن يسهل تمرير التسوية وتحويلها واقعا، حتى والجماعات السياسية الرئيسية تتحاشى صراعا مع خالد، الذي يبدو، بحكم تشدده واحتكاريته، أكثر خطرا على البلاد من عم الملك خليفة بن سلمان.

سنياريوهات التغيير في البحرين تحوم إذا، بحسب تقديري، حول إجراء تغيير في الطاقم الرئيسي الذي يقود البلاد، يفضي إلى الإطاحة بالملك و/ أو رئيس الوزراء و/ أو وزير الديوان المكلي (أو كليهما معا: الشيخ خليفة بن سلمان رئيس الوزراء والشيخ خالد بن أحمد وزير الديوان الملكي)، والسعي لمعالجة الاختلالات العميقة في بنية السلطة، عبر إعادة هيكلتها وتمحورها حول الشعب. إنها صيغة حل “تقليدية” لإشكال معقد، لكنه تقليدي أيضا بين طرف يستفرد الحكم وآخر مهمش.

إن أساليب “التطهير”، “وتجفيف الينابيع”، والتعالي على الإرادة الشعبية، والإقصاء المشحون ضد المعارضة، و”المشي على حافة الهاوية”، و”أنا أو هم”، والرغبة الدفينة في احتكار كامل وناجز للثروة والسلطة، أفضى لأن يخسر الملك في غضون عشر سنوات مجدا كان محققا.

ودون شك، فإن المضي في “الاستيراتيجية” ذاتها يعني الأسوأ، والعود عنها لا يضمن الأفضل للملك بعد “كسر الجرة”، ولكن العودة عن “استراتيجية حمد” السائدة تضمن سلامة البحرين، وعلى الأقل عدم انزلاقها إلى أوضاع أردى، ولعلها تضمن استمرار الملكية التي باتت مهددة.


*صحافي وكاتب بحريني

النص، خاتمة كتاب بعنوان:
  • بنية الاستبداد في البحرين: دراسة في توازنات النفوذ في العائلة الحاكمة،
  • يصدر خلال هذا الشهر (سبتمبر) عن مركز البحرين للدراسات في لندن.



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus