التايمز: انتقادات واسعة في بريطانيا لقبول «ساندهيرست» منحة الملك البحريني
2012-09-04 - 7:01 ص
قبلت كلية التدريب البريطانية الشهيرة ساندهيرست المبلغ الذي تبرع به ملك البحرين بقيمة 3 مليون جنيه إسترليني، وذلك بالرغم من الانتقادات العالمية الموجهة للنظام بسبب الحملة الوحشية التي شنها نظامه على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في العام الماضي.
الوثائق التي حصلت عليها مجموعة بيورو تكشف بأن المؤسسة العسكرية العليا للتدريب كانت تتفاوض مع نظام البحرين حول التبرع في العام الماضي 2011. تسلمت بيورو الأموال في يناير/كانون الثاني، وبعثت برسالة شكر فياضة للمك في بداية الصيف بسبب سخائه وكرمه. الأكاديمية المسئولة عن تدريب ضباط الجيش البريطاني، ستستخدم المبلغ الذي تبرع به ملك البحرين لبناء صالة رياضية والتي من المقرر افتتاحها في مطلع العام القادم.
التبرع هو جزء من العلاقة طويلة الأمد بين العائلة الحاكمة في البحرين وأكاديمية ساندهيرست. وكان الملك حمد بن عيسى آل خليفة قد تدرب في أكاديمية ساري العسكرية (جنوب شرق إنجلترا)، كذلك يتم اختيار مجموعة من العسكريين البحرينيين للتدريب فيها سنوياً.
الملك حمد ساهم أيضاً في تأسيس (أكاديمية الخريجين الخيرية) ساندهيرست عام 2007. يضيف التقرير بأنه قد تبرع "مرتين بمبلغ يقدر بحوالي 69975 جنيه إسترليني في عامي 2011 و 2012.تم انتقاد النظام السني الحاكم والذي يسيطر على الأغلبية الشيعية في البحرين بعد استقدامه لقوات الحرس الوطني السعودي من أجل سحق الاحتجاجات الشعبية المؤيدة للديمقراطية والتي بدأت في فبراير 2011 متأثرة بحركة الربيع العربي. تم إلقاء القبض على الكادر الطبي بسبب مساعدتهم للمحتجين والكثير منهم لا يزال قيد المحاكمة.
عضو الحملة الاشتراكية ونائب حزب العمال في البرلمان البريطاني (جيرمي كوريين) أدان قبول هذا التبرع بالقول: "البحرين لديها سجل مروع لحقوق الإنسان، و لازال الأطباء حتى الآن يدانون ويحاكمون بتهمة إغاثة الضحايا".
وأضاف "إنه لأمر مشين أن تسمح الحكومة البريطانية لملك البحرين بالمساهمة في تأسيس ساندهيرست، ويبدو بأن هنالك معايير مزدوجة ومختلفة تماماً بالنسبة للتعاطي مع ملف حقوق الإنسان المتعلق بالبحرين مقارنة مع العديد من الدول الأخرى في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط".
قامت وزارة الدفاع بتدريب 77 عسكري بحريني في ساندهيرست منذ عام 1992، ومن ضمنهم 3 في العام الفائت، و39 في العقد الماضي، وفقاً للمعلومات التي تم تقديمها لمجموعة بيورو استجابةً لقانون حرية طلب المعلومات.
المتحدث الرسمي بإسم وزارة الدفاع أبلغ مجموعة بيورو "بأنه بالرغم من أن التدريب يكلف الحكومة قيمة 87000 جنيه إسترليني للفرد الواحد، إلا أن البحرين تدفع 48400 جنيه استرليني فقط، مايعني أن الحكومة تقدم مساعدة مالية بقيمة 28600 جنيه إسترليني للفرد الواحد. الأرقام تشير إلى أن ذلك قد كلف وزارة الدفاع حوالي 384800 جنيه إسترليني في الثلاث سنوات الماضية وحدها.
المتحدث بإسم وزارة الدفاع البريطانية علَق ذلك بأن "تلك المساعدات ستكون مفيدة لبريطانيا، كونها تساعد (عناصر الجيش البحريني) في إدراك كيفية قيامنا بالأمور، وهي ممارسة تعود لعام 1947".
المجندون يخضعون لدورة تدريب عسكرية للجيش تبلغ مدتها 48 أسبوع. الأمر الذي يدع وزارة الدفاع للقول بأن "الأساس في العقيدة العسكرية البريطانية يؤمن ويُعَلِم على التفكير والتواصل كالقائد، وعلى تعزيز الاهتمام الكبير والرعاية بالفرد".
صالة البحرين الرياضية
تضمنت المُكاتبات التي حصلت عليها مجموعة بيورو، كلمات شُكرٍ من قِبل اللواء باتريك ماريوت (عضو مجلس الأمناء بمؤسسة ساندهيرست) للعاهل البحريني.
وجاء فيها "لقد استلمنا التبرع السخي الذي قدمه جلالته للأكاديمية الملكية العسكرية ساندهيرست مع جزيل الشكر. سأكون ممتناً لو تفضلتم بنقل واجبي المتواضع وشكري وتقديري الخالص لجلالته،على توفير هذه الأموال من أجل دعم وتطوير الصالة الرياضية العصرية و المتنوعة الأغراض" حسبما جاء في الرسالة التي وجهت في 24 مايو/ أيار 2012.
قام اللواء بتوجيه هذه الرسالة إلى الابن الثاني لملك البحرين (عبد الله بن حمد بن عيسى آل خليفة)، وأوضح له فيها "بأنه من المقرر أن تبدأ أعمال البناء قريبا، إن كان ذلك يروق لفخامتكم، وسوف نوافيكم بالتطورات بشكل دائم ومنتظم". وأضاف "التبرع الذي وصلنا في 18 يناير/ كانون الثاني 2012 والذي تم عرضه علينا مبدئياً كان أكثر من العام الماضي".
في رسالة وُجِهت إلى اللواء ماريوت بتاريخ 1 فبراير/ شباط 2011، أكد الشيخ علي التبرع بمبلغ 3 ملايين جنيه إسترليني، وذلك بعد دفعة أولية بلغت 100000£ لأعمال التصميم، طالباً النقد المتبقي من رصيد التبرع الإجمالي. لاحقاً وبعد 14 يوم فقط، اندلعت أعمال العنف في العاصمة البحرينية (المنامة)، و أصيب 14 متظاهراً وقتل أحدهم على يد قوات الأمن الحكومية الذين كانوا يستخدمون الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي لتفريق المظاهرات.
استمرت الاحتجاجات الى مارس/ آذار، بشكل أثار الجدل مع نشر 1000 جندي من القوات السعودية لسحق المحتجين. قتل قرابة 50 شخص حسب التقارير التي وردت حتى الآن.
لم ترد ساندهيرست مباشرة على طلب الشيخ عبد الله آل خليفة بالحصول على تعليمات عن مكان إيداع الأموال المتبقية. لاحقاً وبعد 8 أشهر بتاريخ (1 أكتوبر/ تشرين الأول 2011) كتب الشيخ رسالة إلى اللواء ماريوت أعرب فيها عن قلقهم لأنهم "لم يتلقوا الرد حتى الآن" على الرسالة السابقة.
أخيراً رد اللواء ماريوت في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وكتب "أرجوا أن تتقبلوا اعتذاري لعدم ردي على رسالتكم السابقة. كنت أنتظر توضيحاً بشأن التكاليف الإجمالية للمشروع". وقد قام بتضمين الرسالة تفاصيل البنك الذي يودون فيه إيداع المبلغ لأكاديمية ساندهيرست، طالباً من الشيخ دفع المبلغ المتبقي، ومشيراِ إلى التاريخ الذي يُتوقع فيه الانتهاء من المشروع (ديسمبر 2011).
في وقت لاحق من المراسلات، قام اللواء ماريوت بتغيير التوقيت المبدئي للانتهاء من المشروع إلى مارس 2013. وأضاف أيضاً "فيما يتعلق بنصب الشعار، فإن فريقي يعمل مع المهندسين المعماريين على تصميم لوحة تذكارية مناسبة تلبي احتياجات الأكاديمية العسكرية الملكية وتناسب جلالته".
عندما سئل عن سبب تأخر اللواء ماريوت في الإجابة على الشيخ، إن كان بسبب الاضطرابات داخل البحرين، أجاب المتحدث بإسم وزارة الخارجية بالنفي وقال "لم يكن كذلك"، مشدداً على أن اللواء كان ينتظر توضيحات بشأن التكاليف الإجمالية للمشروع.
التبرع "الهائل"
آندي سلوتر (عضو في البرلمان) والتي تترأس فريق كل الأحزاب البرلمانية لمملكة البحرين، قالت "إنه لمن المذهل أن يتم التبرع بـ3 مليون جنيه إسترليني لساندهيرست بذاتها، بدلاً من جناحها الخيري(مؤسسة سانهيرست)".
وأضافت "رد الحكومة على الاستجواب بشأن ما تفعله البحرين لم يكن حاسماً بشكل كامل. في بلد صغير كالبحرين (تعداد سكانه يبلغ مليون وثلاثمائة ألف نسمة فقط)، فإن نسبة القتلى والجرحى والمسجونين وألئك الضحايا كبيرة جداَ".
وتابعت "موقف الحكومة من البحرين يختلف كلياً عن بقية البلدان التي شهدت الربيع العربي، وإذا كان هناك شيء ما في الست الأشهر الماضية، فإن ذلك يتمثل بالتزلف للنظام البحريني أكثر من ذي قبل".
وقالت آندي سلوتر "النقطة هي أنهم لم يفعلوا شيئاً حيال كل ذلك. إنها مجرد علاقات عامة لتقديم صورة مرضية".
العلاقات الوطيدة
أوضح المتحدث بإسم وزارة الدفاع بأن "الجيش البريطاني لديه ممارسة قديمة تتمثل بدمج الموظفين في الخارج والذين يتم اختيارهم لتدريب الضباط، وبأنهم لا يرغبون في أن تتوقف هذه الممارسة". وأضاف "تتلقى ساندهيرست معدل تبرع واحد في كل خمس سنوات، بالإضافة الى الهدايا الخيرية من عدة مجاميع من مؤسسات وأفراد. جميع التبرعات تتوافق مع الضوابط والقوانين المحلية والدولية وقِيَمِنا كأمة".
وتابع "تتم دراسة الطلبات الخارجية للتدريبات الدفاعية حالة بحالة، ولا يتم توفيرها إذا كنا نعتقد بأن هذه التدريبات من شأنها أن تؤدي إلى انتهاكات حقوق الإنسان".
وقال "توفير التدريبات الدفاعية والتعليم للخارج بنفس المعايير العالية التي تستخدمها القوات المسلحة لبريطانيا يساهم في انقاذ الأرواح ورفع مستوى الوعي بحقوق الإنسان".
وأضاف "كما أنها تساعد على بناء الإستقرار في الخارج كجزء من السياسة الخارجية الواسعة التي تهدف لها الحكومة".
العلاقات المُقَيِدة
تَبرُع ملك البحرين بمبلغ 3 مليون £ لساندهيرست هو جزء من علاقة قديمة وممتدة (علاقة رعاية وفضل)، وفقاً للرائد الأكاديمي الذي كان متواجداً في البحرين إبان اندلاع أعمال العنف. البروفيسور مايك ديبول، والذي يعمل حالياً بجامعة ساسكس، كان قد عمل في البحرين لمدة 4سنوات حتى اندلاع أعمال العنف.
يقول "يعد هذا احتفاظاً متبادلاً لعلاقة (الفضل) بين النظام الملكي البحريني وسلالات داخل المؤسسة البريطانية".
بالرغم من اعتراف بريطانيا باستقلال البحرين في عام 1913، إلا أن الأخيرة ظلت تحت سيطرة الإدارة البريطانية حتى اعلان الإستقلال الكامل عام 1971.
الدكتور كريستيان كوتس (باحث متخصص في دول الخليج) بمدرسة لندن للإقتصاد والعلوم السياسة قال بأنه يرى "التبرع لساندهيرست أمراً مذهلاً".
يقول "الأمور التي حدثت خلال ال18 شهراً الماضية كانت يجب أن تقنع كل فرد في الحكومة البريطانية والقوات العسكرية بأن مصداقية الحكومة البحرينية في ادعائها للإصلاح تساوي صفراً إلى حدٍ كبير".
وأضاف "في يونيو/ حزيران الماضي تم التصويب على زعيم المعارضة الذي التقيته مؤخراً. لقد كان مستهدفاً بشكلٍ متعمد. هناك أشخاص لازال يتم اعتقالهم، ولقد تم اغلاق حظر حزب سياسي معارض، والأمور لازالت مستمرة على هذا المنوال".
لكنه قال "إن علاقة البحرين بساندهيرست تنسجم بشكل كبير مع الضباط البريطانيين الذين يشكلون العمود الفقري لقوات الأمن في البحرين".
التايمز: سيمون ويليامز ومارتن ميرفي
ترجمة: بانوراما الشرق الأوسط: حسين الغسرة