رسالة من الكونغرس للديكتاتوريين: يمكنكم فعل ما تريدون طالما أنتم تحظون بصداقة ترامب

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أرشيف)

روب بيرشينسكي - صحيفة الواشنطن بوست - 2019-12-14 - 12:30 ص

ترجمة مرآة البحرين

لا يزال الرئيس ترامب وحلفاؤه السياسيون يلحقون أضرارًا جسيمة بسمعة أمريكا العالمية. الآن، في تنازل مذهل، استخدم الكونغرس قانون تفويض الدفاع الوطني السنوي (NDAA) ليوضح أنه لن يفرض أي عقوبة ذات مغزى على المملكة العربية السعودية أو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإعطائه توجيهات جريمة قتل الصحفي السعودي، الذي كان مقيمًا في فيرجينيا، جمال خاشقجي، أو لمقاضاة الحرب المُروعة في اليمن.

منذ قيام فريق اغتيال سعودي بقتل وتقطيع كاتب العمود "خاشقجي" في صحيفة الواشنطن  بوست في أكتوبر/تشرين الثاني 2018، تكلّم الأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس كثيرًا عن ضرورة تحميل ولي العهد [السعودي] مسؤولية القتل.  وقاموا بذلك معارضة للرئيس الذي ساند الديكتاتور السعودي في وجه دبلوماسييه وموظفي الاستخبارات والكونغرس في كل فرصة سانحة.

منذ ما يقرب من عام، أصدر مجلس الشيوخ بالإجماع قرارًا يُحَمّل ولي العهد السعودي مسؤولية القتل، وانضم كل من السيناتور ليندسي جراهام، وتود سي يونغ، وسوزان كولينز إلى الديمقراطيين في إصدار تشريعات صارمة لمعاقبة ولي العهد السعودي وغيرهم ممن يُعتبرون مسؤولين عن القتل. في مجلس النواب، تم إقرار تشريع من الحزبين، قدّمه النائب توم مالينوسكي لفرض قيود على تأشيرات دخول الجناة الذين أقرّهم العدد الساحق: 405 مقابل 7. لكن الجمهوريين في مجلس الشيوخ رفضوا طرح مشروع قانون مالينوسكي للتصويت.

وعلى نحو مماثل، أصدرت الغالبية في كلا الحزبين، في كل من مجلسي النواب والشيوخ، قرارات هذا العام، من شأنها أن تمنع مبيعات القنابل من الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية وشريكتها، الإمارات العربية المتحدة. استخدم كلا البلدين الأسلحة الأمريكية في حربهما في اليمن، والتي تسببت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، ودفعت الملايين إلى حافة المجاعة. أقر الكونجرس أيضًا قرارًا كان سينهي الدعم العسكري الأمريكي للحرب الجوية السعودية. استخدم الرئيس  حق النقض (الفيتو) أربع مرات مختلفة، لحماية المملكة العربية السعودية ومنع تنفيذ هذه التدابير.

بالنظر إلى هذا الواقع السياسي، ضمّن قادة مجلس النواب مشروع قانون مالينوسكي الذي يتطلب المساءلة عن مقتل خاشقجي في قانون تفويض الدفاع الوطني السنوي الذي تبلغ قيمته 738 مليار دولار. كما أضافوا تدابير بشأن مبيعات الأسلحة الأمريكية وغيرها من [أدوات] الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (وكذلك معالجة عدد من القضايا البارزة الأخرى).

ولكن في خضم المفاوضات الشديدة في الكونغرس  بشأن قضايا مختلفة مثل قوة الفضاء، وتمويل الجدار الحدودي [بين الولايات المتحدة والمكسيك]  والإجازة الأبوية الفدرالية المدفوعة الأجر، يبدو أن الجمهوريين، الذين يخشون غضب الرئيس ترامب، كما هو الحال دائمًا، أوضحوا أنّهم سيرفضون الموافقة على أي مساءلة ذات مغزى للمملكة العربية السعودية من خلال مشروع قانون الدفاع.

تأتي هذه الأخبار المحبطة - إن لم تكن مفاجئة تمامًا - بعد خمسة أيام من قيام ضابط عسكري سعودي بقتل ثلاثة من البحارة الأمريكيين في منشأة عسكرية في فلوريدا. وردّ رئيسنا برفض وصف القتل بالعمل الإرهابي وإبراز ردة فعل السعودية على أنها مواتية قدر الإمكان. 

ولحسن تقديرهم، ترك مفاوضو مجلس النواب ومجلس الشيوخ في قانون تفويض الدفاع الوطني السنوي النهائي مطلبًا لتقرير رسمي من قبل مجتمع الاستخبارات بشأن ما إذا كان ولي العهد وغيره من القادة السعوديين قد أصدروا توجيهات في عملية قتل خاشقجي وتستروا عليها. كما طالبوا وزارة الدفاع بالإبلاغ عن ما إذا كانت الغارات الجوية، التي قامت بها المملكة العربية السعودية وشركاؤها في اليمن والتي يزيد عددها عن 20 ألف غارة،  قد انتهكت قوانين الحرب (إذ إنّها انتهكتها بالفعل). في حال إجرائها بشكل موثوق، قد تفتح هذه التقييمات الباب أمام إدارة مستقبلية، إدارة خارج جيب آل سعود، لاتخاذ الإجراء المناسب. لكن في الوقت الحالي، يبدو أن ولاء ترامب الثابت للملك السعودي انتصر في النهاية في وجه التهديد الكبير من قبل الكونغرس. 

إنها لصدفة مريرة أن يكون الكونغرس قد كشف  عن قانون تفويض الدفاع الوطني السنوي في 9 ديسمبر/كانون الأول، عشية اليوم الدولي لحقوق الإنسان - وهو اليوم الذي يحتفل فيه بالمشروع الذي تقوده الولايات المتحدة ، في العام 1948 ، لتبني معيار عالمي لكيفية تعامل الحكومات مع مواطنيها. على الرّغم من هذا الإرث، من الواضح أن الولايات المتحدة يقودها في العام 2019 رجل يعجب بزعماء مثل ولي العهد السعودي، الذي يحكم - ويقتل الأبرياء - من دون رقابة بموجب القانون. لأسباب مُحيّرة ومفهومة جيدًا، يظلّ أحد الأحزاب السياسية الكبرى في أمريكا في هذا الرجل.

من خلال الفشل في الوقوف على تعاطف ترامب الاستبدادي من خلال معاقبة الزّعماء السّعوديين، وجّه الكونغرس إشارة للطّغاة بأنّهم أحرار في اغتيال الصحفيين والمعارضين، وقتل المدنيين بشكل عشوائي في الحرب، طالما أنهم أقنعوا ترامب بأنهم أصدقائه. وبذلك، منح الكونغرس منتهكي حقوق الإنسان هدية بشعة من شأنها أن تجعل العالم أقل أمانًا - والولايات المتحدة أقل احترامًا.

 

*روب بيرشينسكي نائب الرئيس الأول للسّياسة في هيومن رايتس فيرست ونائب سابق لمساعد وزير الخارجية للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل.

النص الأصلي