قصة مدينتين: المنامة "جوع وضرب جموع" والرّياض خبز وسيرك

سوق المنامة: مدينة تشيخ  بسرعة وسط انبعاث مدن الخليج الأخرى
سوق المنامة: مدينة تشيخ بسرعة وسط انبعاث مدن الخليج الأخرى

2019-10-30 - 12:53 ص

مرآة البحرين (خاص): فيما تسبح الرّياض في بحر التحوّلات الاجتماعيّة تقف المنامة مدينة حيْرى ومنهكة وعاجزة عن اللحاق بالعصر. لقد هجرتها البهجة ولا تُسمَع فيها سوى الأنّات. 

أدّت التغييرات وقرارات الانفتاح الاجتماعيّ إلى إبراز وجه آخر للجار القويّ الذي طالما تمتّع بالمحافظة والانغلاق. حصلت المرأة السعودية على الكثير من حقوقها مثل حق السياقة والسفر. وتحوّلت مدنها ومناطقها إلى ورشة ترفيه كبيرة في المنطقة يتقاطر عليها كبار روّاد صناعة الترفيه كما تتسابق على تغطية مهرجاناتها وحفلاتها وسائل الإعلام العالمية. 

أما المنامة فتبدو مثل عجوز شاخت. أزمة سياسيّة مستعصية بلا أيّ أفق حل منذ ثمان سنوات. ودين عام يزيد ولا ينقص رغم مارشال الدعم الخليجي 13.9 مليار دينار (حوالي 37 مليار دولار أمريكي). وشعب مقهور مسلوب القرار ليس عند حكومته له غير الضرائب.

تغطّي إجراءات الإصلاح الاجتماعي الوجه الكالح للقمع في السعوديّة. ليس لدى ولي العهد السعودي الكثير يمنحه لشعبه على مستوى المشاركة السياسية وصناعة القرار؛ لكن في المقابل لديه الكثير يمنحه على المستويين الاقتصادي والاجتماعيّ. 

لقد صاغ الشاعر الروماني جوفينال قاعدة الإلهاء العظيمة التي تتوافر بيد الحاكم "أعط الناس ما يحتاجون إليه... أعطهم خبزاً وسيركاً". تبرع السعودية حالياً في تقديم الخبز والسيرك لشعبها. يجد الشباب السعوديّ في متناول يده أشياء طالما ظلّ محروماً منها.  لقد وفر موسم الرياض الترفيهي وحده هذا العام 46 ألف وظيفة للسعوديين، دائمة وغير دائمة.

أمّا المنامة فليس لديها ما تعد به غير قبضة الأمن القويّة. ليس ثمّة خبز أو سيرك أو... سياسة! مدينة مفلسة لا تكاد تسمع فيها غير صوت التململ الشعبي وشبّان وشابات فاض بهم السيل من شدّة قتامة المستقبل. لقد لامست نسبة البطالة سقف الـ25 ألفاً ثلثهم من حاملي الشهادات الجامعية وسط تفضيل فاقع للأجنبي.

تدعم السعوديّة البحرين بالمال والعسكر لمواجهة أزمتيْها السياسية والاقتصاديّة. لكنّ البلاد انتهت لتصبح مأتماً فيما تحيا السعودية في عرس صاخب مجلجل مجلّل بالأضواء. تعيش مدن السعودية اليوم ما سبق للبحرين أن عاشته مطلع الألفية قبل أن تعود القهقرى. الإصلاح الاجتماعي ووعود التنمية والمهرجانات والمؤتمرات والمشروعات التطويريّة والصناعيّة. 

بينما [في المقابل] تعيش مدن البحرين اللاشيء استثناء المؤتمرات الأمنية والتطبيعية! تواجه صناعة السينما والسياحة الفندقية والمولات التي كانت تعتمد في وقت سابق على السعوديين تهديداً حقيقياً وجدياً. وهي تكافح اليوم كي لا تنهار. لقد أظهرت النتائج المالية لشركة البحرين للسينما "CINECO" هبوط أرباحها خلال الربع الثاني من 2018 بنسبة 98%. إذ انخفض الربح التشغيلي إلى 355.5 ألف دينار مقارنة بنحو 1.50 مليون دينار في الربع الثاني من العام 2017. 

تراجع موقع المنامة كثيراً أمام مدن خليجيّة جديدة طالعة مثل الرّياض ودبيّ والدّوحة. ليس لدى المنامة ما تعد به. إنها تموت. ليس ببطء بل بسرعة!