الثورة بين البحرين وسوريا

إيمان شمس الدين - 2012-08-24 - 2:48 م



إيمان شمس الدين*

مُنذ عامٍ ونصف العام قامت الثورة في البلدين، وإن كانت البحرين سبقتها بأيام، ورغم أنّ كلا الثورتين تشكّلتا من حراكٍ شعبي مطلبي ناشد الحرية وقيام دولة مؤسسات وقانون، إلا أن مصداق الحرية والدولة المدنية في كلا البلدين مُغاير، فالمفهوم واحد، ولكن الدلالات والتطبيقات في ذهنية أغلب المُعارضين في الثورتين مُغايرة تمامًا. مع عدم إنكارنا لاستبداد النظام السوري بحقِّ شعبه، وإن أتت استجابته لمطالب الإصلاح متأخرة، وحركته بطيئة، ووجود مُعارضة سورية فعلية تُطالب بحق الشعب في المُشاركة السياسية، وهو حقٌّ إنساني كفلته الشرائع السماوية والدولية، إلا أنّ واقع الثورة تمَّ أخذه بعيدًا عن هذه المُعارضة الحقيقية وبعيدًا عن مطلب الشعب.

لن أدخل للثورتين من هذا الباب لأنها مسألة جدلية فيها وجهات نظر، تصل بعضها حدَّ التكفير، وحرصًا مني على أصْل الموضوع سأترك الخوض فيها.

في البحرين، رغم سلمية الحراك، وإقرار السيد بسيوني -الذي أحضره الملك ليُشكل لجنة تحقيقٍ مُحايدة- بأنّ الثورة محلّية ولا دخل لأيِّ جهةٍ خارجيةٍ في تحريكها، إلا أن ذلك لم يشفع لها، بل ازداد التنكيل بالثوار. وقبله استدعى النظام البحريني قواتٍ مُجاورة لقمع الثورة الشعبية. بل ذهب إلى أبعد من ذلك، بعد حفلة التجنيس المجنونة التي قام بها، حيثُ استخدم هؤلاء المجنسين -و غالبهم لايعرف قيمةً لغير المال - كمُرتزِقة في قمع الشعب الثائر والمُطالب بحقِّه كمصدرٍ للسلطات.

وكان الإعلام، الذي دعم ثورتي مصر وتونس، وما زال يدعم ثورة سوريا المُختطَفة، هو الغائب الأكبر عن الثورة البحرينية، حيث صدر الأمر بالتعتيم، أو أصابه مرض الزهايمر بحقِّ الثورة البحرينية. بينما في تلك الثورة يُصرِّح قادتها، وبالفم الملآن، بتبعيتهم للخارج، وتقوم دولٌ كُبرى، ومحطّات تلفزيونية كبيرة بدعم هذه الثورة بالمال والسلاح، حيث تَستجلِب كلَّ العناصر من كل الفئات، ومن مُختلف الدول، بعنوان الجهاد، للإطاحة بنظام هذا البلد. بل سُخِّر النفط في سبيل الإنفاق على مُتطلّبات إسقاط النظام، وقامت دول الخليج بحراكٍ شعبي لدعم الثورة مادّيًا، وطلب الملك عبد الله آل سعود، شخصيًا، من شعبه القيام بحملة تبرّعات لدعم الثوّار في سوريا.

ماذا لو انعكس الأمر، وقامت روسيا والصين وإيران بدعم الثوّار في البحرين، وتحرّكت الشعوب المُؤيّدة لثورة البحرين بدعمها لوجستيًا وماليًا لإسقاط النظام؟ أمريكا في الثورة السورية حامية الديموقراطية، وفي الثورة البحرينية حامية الاستبداد، وداعمة النظام القمعي. أمريكا في الثورة السورية سخّرت كل إمكاناتها الاستخباراتية لدعم الثوار المُسلِّحين بالمعلومات حول تحرّكات الجيش السوري، بينما يُدان بعض الثوّار البحرينيين لاستخدامهم المولوتوف دفاعًا عن حياتهم وأعراضهم المُنتَهكة من قبل النظام ومرتزقته. النفط سُخِّر لشراء السلاح علنًا من قِبَل قطر والسعودية لدعم ثوار سوريا، بينما سُخِّر النفط لدعم المؤسّسة الدينية والأمنية في العربية السعودية، كي تزيد من إحكام سيطرتها على الحراك البحريني، وتمنع أيِّ حراكٍ داخل أراضيها، ودخلتْ قوّاتها لقمع الثورة البحرينية.

الثورة البحرينية أثبتت سلميتها دوليًا، وأثبتت أنها لم تُمارس أيَّ عُنفٍ تجاه أجهزة النظام القمعي ومرتزقته، إلا في حدود الدفاع عن النفس وهو حق كفلته الشرعية الدولية، أمّا ثوّار سوريا ونظامها، فقد أثبتت اللجان الحقوقية المعنيّة برصد الانتهاكات ارتكاب الطرفين جرائم حرب، وهو ما بثّته مواقع التواصل الاجتماعي وموقع اليوتيوب، كمُمارسات من الطرفين ضدَّ أبرياء. وانتُهكتْ اتفاقية جنيف في التعامل مع الأسرى، الذين نُحِر بعضهم على يد الثوّار، كما يُنحر خروف العيد، وقُتل بعضهم، ببشاعةٍ أيضًا، على يد الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، في حين لم نرَ (فيديو) واحد ضدَّ ثوار البحرين يَقتلون أمن النظام ومرتزقته. أغلب المشاهد هي قمع النظام بوحشية لثوار سلميين، بل لم يتم أسر أي جندي أو حتى مُرتزِق من قِبَل ثوّار البحرين. سجون النظام البحريني ملأى بأبناء الشعب البحريني، وجُلّهم من النُخَب، بتُهمة المُطالبة بالإصلاح والتغيير،وتُمارس ضدَّهم أبشع أنواع التعذيب والانتهاك الحقوقي، كما ثبت في تقرير بسيوني ومُنظّمات حقوقية دولية.

كل شهداء الثورة البحرينية بحرينيون، بينما شاهدنا في كثير من وسائل الإعلام جوازات سفرٍ تركية وليبية وغيرها من الجنسيات لمن سقط في صفوف المعارضة في سوريا. لأجل ثوّار سوريا المُطالبين بالحرّية اجتمعت الجامعة العربية ومجلس الأمن مرارًا وتكرارًا، ولم نسمع صوت حتى "الصوص" في تلك المواقع لأجل البحرين. الثوار في سوريا، مع المجتمع الدولي، يُطالبون بإسقاط النظام، أما في البحرين فمُطالبات المُعارضة المُمثّلة للحراك هي إصلاح النظام، ولا نُنكر أنّ هُناك من يُطالب بإسقاط النظام لأنه ما عاد يثق بنظامٍ ينكث عهوده لشعبه مرةً بعد أخرى، ويمعن في قتلهم وحرمانهم أبسط حقوقهم، ورغم ذلك كانت مطالبته إسقاط النظام بطريقة سلمية.

والمقارنة بين الثورتين، في كيفية تعاطي المُجتمع الدولي بازدواجية معايير واضحة، لن تنتهي، والسبب أنَّ باء سوريا تجرّ لأنّ من خلالها سيُضرب مشروع ال "لا" الذي يُقوّض أمن إسرائيل، ويضرب مشروع الهيمنة، وباء البحرين لا تجرّ لأجل النفط والنفوذ الذي يوفّره النظام للدول الكبرى.

هل تقبل اليوم أنظمة الخليج بأن يدعم شعوب بلدانها ثورة البحرين بالمال والسلاح لتعنُّت النظام في تحقيق مطالب مُحقّة؟ هل تقبل أمريكا بأن تقوم روسيا والصين وإيران بدعم ثوّار البحرين بالمال والسلاح والاستخبارات؟ روسيا طلبت فقط إدراج قضيّة الثورة البحرينية على جدول أعمال مجلس الأمن، فارتعدت فرائص أمريكا وحلفائها، والنظام البحريني، الذي سارع لعدّة إجراءات كي يُخفّف من وطأة القرار الروسي عليه، فماذا لو قرّرت الصين أيضًا ذلك؟ أمّا شعوب المنطقة، خاصّةً الثائرة منها، فلم تلتفت لهذه الثورة، بل جُلُّ صراخها اليوم لأجل سوريا. وأعتقد إما أنَّ شعوب المنطقة قد أغرقتها المذهبية، التي فرضتها عليها الأنظمة والإعلام المُوجّه، أو أنّ هذه الشعوب مسّها طائفٌ من استبداد الأنظمة، فباتت تُمارسه ضدّ الثورة البحرينية فقط .

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus