إلى إسماعيل أكبري... افتخر بعجميّتك ولا تبالي

النائب البحريني بسام إسماعيل البنمحمد «أكبري»: أصول فارسية ينبغي أن تكون مدعاة للغنى الثقافي لا الخصومة
النائب البحريني بسام إسماعيل البنمحمد «أكبري»: أصول فارسية ينبغي أن تكون مدعاة للغنى الثقافي لا الخصومة

2019-08-01 - 8:00 م

مرآة البحرين (خاص): في مقال له يروي د. عبدالله المدني، الكاتب في صحيفة «الأيّام» المتخصص في الشئون الآسيوية، كيف أنّ أحد البحرينيين من أصول فارسية احتجّ عليه ذات مرّة لإدراجه اسم عائلته ضمن عجم البحرين. كان المدنيّ قد خصّص إحدى مقالاته للحديث عن البحرينيين العجم من ذوي العرق الفارسي وتحديداً أصحاب المذهب الشيعي. وقد أورد في مقالته الموسومة «كبير العجم في البحرين» اسم عائلة «أكبري» كواحدة من أشهر عائلات العجم في البحرين مع أسماء العديد من العوائل الأخرى. فما كان من إسماعيل أكبريّ (زوج الكاتبة سوسن الشاعر ووالد عضو مجلس الشورى البحريني بسّام إسماعيل البنمحمد «أكبري») إلا أن هبّ منتفضاً. فبرأيه أن اسم «العجم» ينطبق فقط على الشيعة من الأصول الفارسيّة؛ لا السنّة، وأنّ عائلته «بستكيّة»  لا «عجميّة»! 

لنستمع إلى المدني وهو يشرح لنا ملابسات مكالمته الهاتفية معه. «اتصل بي الأخ العزيز إسماعيل أكبري محتجا على إدراج اسم عائلته ضمن عجم البحرين (...) قائلاً إنّ عائلة أكبري هي عائلة سنية بستكية. وردّي [عليه] هو أنه لا موجب للاعتذار، لأن هناك «أكبري» عجم ومنهم صديقنا الدكتور جعفر أكبري، و«أكبري» سنة مثل أسرة أخينا إسماعيل. والأمر نفسه ينطبق على «الأنصاري» فمنهم سنة مثل صديقنا «غلوم محمد عبدالغني الأنصاري» ومنهم عجم».

تأخذنا هذه القصة إلى أحد أشكال اضطراب الهويّة القائم على إنكار الأصْل. إنه اضطراب يجعل صاحبه يعتقد بأنه كي يندمج في هويّة جديدة فهو يحتاج إلى اصطناع أصْل لنفسه غير أصله أو إعادة اختراع أصله بما ليس من أصله. كما لو أنّ أصله وصمة عار تلاحقه وأنّ عليه التوبة منه على الدّوام. على هذا لا يشعر إسماعيل أكبري بأنّه بحريني كامل ما لم ينكر «عجميّته». فلقب «أكبري» سيتم إسقاطه واستبداله بلقب «البنمحمد». وهولة البحرين سيتم إسقاط منهم جميعاً أي عَلَق «عجمي» لكي يصبحوا جميعاً «عرب هولة»! ومنطقة «بستك» (التي هي مقاطعة فارسيّة داخليّة تقع بعيدا عن سواحل الخليج التي أقام في مرابعها العرب الهولة) سيتم إسقاط فارسيّتها لتصبح فجأة عربيّة. وهكذا، سلسلة من الإنكارات الغريبة لهويّة مفتّته تحيا صراعات وهميّة لا علاقة لها إطلاقاً بالعصْر.

لقد حقّقت دراسة الهويّات الثقافية تقدّماً كبيراً خلال العقود الأخيرة. فمفهوم الهويّة نفسه أصبح مركّباً وسيّالاً وقابلاً لأن يجمع داخله العديد من العناصر والمكوّنات والثقافات من دون الحاجة إلى حذف  أيّ منها. فلا مشكلة على الإطلاق في أن يكون المرء بحرينيا وعجميا في نفس الوقت. ولا مشكلة في أن يصبح بستكيا وعجميا ولا بحرينيا وبستكيا ولا سنيا وعجميا. فـ«البستكي» في الإمارات على سبيل المثال لا يُطلق عليه هولي بل «عيمي (عجمي)». وحتّى مع افتراض صحّة الرّواية التي تشير إلى أصل البستكية العربيّ فإنّ هذا لا ينفي الهوية الفارسية «العجمية». وتخبرنا معاجم اللغة العربية بأن العجمي هو الشخص "إذا كانت في لسانه لُكنة وعدم إفصاح في الكلام". كيف إذا عرفنا أنّ اللهجة البستكية هي اللغة الفارسية القديمة التي لا تكاد تعثر فيها على مفردات عربيّة إلا لماماً. 

على هذا يستطيع إسماعيل أكبري وابنه بسّام مثل أمه سوسن أن يصبحوا جميعاً بحرينيين كاملي الأهليّة من دون الحاجة إلى اختلاق خصومة مع أصولهم. الهويّات الحيويّة والخلّاقة هي التي تتصالح مع مجموع مكوّناتها وتنطلق إلى المستقبل بلا عُقد ذنب مصطنعة. ينبغي على إسماعيل أكبري وابنه بسّام أن يفتخرا بمواطنتهما البحرينية ذات الأصل العجمي البستكي كما يفتخر البريطاني من أصل هندي اليوم بـ«هنديته» والأمريكي اللاتيني بـ«هسبانيته» والكندي من أصل أفريقي بـ«أفريقيته». 

لقد هاجرت عائلة «أكبري» مع غيرها من العوائل الفارسية خلال فترات مختلفة من إقليم «بستك» وسط الجبال الشاهقة في العمق الفارسي (لا ساحل إيران الشرقي) واستقرّت في المنامة ودبي وغيرها من مدن الخليج لأسباب تجاريّة أو هرباً من بطش الدولة الصفويّة. لكنّ هذه الهجرات أصبحت من التّاريخ الآن. ما من حاجة إلى العيش في الماضي واستدعاء حروب النقاء العرقي البالية الّتي لم تنتج غير النازية والفاشية. لقد وضع الشاعر محمود درويش في إحدى قصائده وصفاً عبقرياً للهوية قائلاً "إنَّ الهوية بنتُ الولادة لكنها في النهاية إبداعُ صاحبها، لا وراثة ماضٍ". فالهوية في النهاية هي "إبداع صاحبها" على أنه إبداع في اتجاه المستقبل ومن أجل التكيّف مع تحدّيات العصر والحداثة لا الماضي الذي مضى وانتهى.