العلاقات الخليجية الإسرائيلية قد لا تنجو مع خطة ترامب للسلام

 الجلسة الختامية لورشة
الجلسة الختامية لورشة

دانيال شابيرو ويوئيل غوزانسكي - مجلة فورين بوليسي - 2019-07-18 - 8:36 م

ترجمة مرآة البحرين

شهدت ورشة "السلام من أجل الازدهار" التي رعتها الولايات المتحدة في المنامة، البحرين، الشهر الماضي - مجهودًا بقيادة صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمستشار الكبير جاريد كوشنر، للترويج للجزء الاقتصادي من خطة سلام أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط - نجاحًا محدودًا في هدفها المعلن المتمثل في دفع عجلة التنمية الاقتصادية الفلسطينية. لكنها أظهرت نتائج متباينة في مجال آخر: تشكيل نصة للدول الخليجية العربية وإسرائيل لاتخاذ خطوات ذات مغزى للأمام في علاقاتها التي ما زالت قيد التطور.

شهد الاجتماع بعض اللحظات الإيجابية، وحتى بعض الاختراقات المتواضعة. حضره وفد من رجال الأعمال الإسرائيليين واستطاع التواصل بحرية مع بقية الحضور، بمن في ذلك المشاركين من الدول العربية. يتذكر قدامى المشاركين في المؤتمرات الاقتصادية الإقليمية في الدار البيضاء والمغرب وعمان بالأردن، في عهد اتفاقات أوسلو في أوائل التسعينيات، مشاهد مماثلة في تلك التجمعات، وسهّلت المكاتب الاقتصادية التي افتتحتها إسرائيل ودول الخليج في بلدانهم الأخرى اتصالات إضافية. لذا لم تكن الاجتماعات العامة في البحرين غير مسبوقة، لكنها كانت موضع ترحيب بعد التوقف لفترة طويلة عن مثل هذه التبادلات.

وتمثل الأمر الأكثر أهمية بوجود عدد من الصحفيين الإسرائيليين، الذين كانوا يجرون عملهم الصحفي بحرية. اختار الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير خارجية البحرين، إجراء مقابلة مع أحد المراسلين، باراك رابيد من القناة الثالثة عشرة في إسرائيل، للإدلاء بتصريحات مهمة حول الخطأ الذي ارتكبته الدول العربية بعدم إشراك إسرائيل أكثر حتى الآن. وفي ما شكّل ربما البيان الأوضح للاعتراف بإسرائيل من قبل أي زعيم خليجي، قال إنّ "إسرائيل بلد في الشرق الأوسط. إسرائيل جزء من هذا التراث في هذه المنطقة بأكملها تاريخيًا. لذلك الشعب اليهودي لديه مكان بيننا ".

تم الترحيب بهذه الملاحظات بحرارة في إسرائيل، ويُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تحمل أهمية أوسع نطاقًا. منذ أن وفّرت المملكة العربية السعودية الحماية لإنقاذ النظام للعائلة المالكة البحرينية خلال الاحتجاجات الجماهيرية في العام 2011 وبعده، عملت البحرين بدرجة عالية من التنسيق مع السعوديين. من المحتمل أنه تم تنسيق بيانات مثل بيان خالد آل خليفة، من بين إشارات بحرينية أخرى إلى إسرائيل، مسبقًا والموافقة عليها من قبل الرياض. والأهم من ذلك، أنها قد تمثل اعتماد البحرين لدور كشفي -اختبار حدود التواصل مع إسرائيل حيث إن السعوديين ليسوا مستعدين للقيام بذلك بأنفسهم،  لمعرفة ما ستتحمله العملية، وخفض التكاليف المترتبة على الرياض لاتخاذها خطوات مماثلة في وقت لاحق. لذا، في حين كنا نسمع صوت خالد آل خليفة، كانت أفكار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هي التي تتردد على الأرجح. 

في الجانب السلبي من السجل، لم يوفر المؤتمر أي اتصال عربي-إسرائيلي رسمي مباشر.

ومع تجميد العلاقات بين إدارة ترامب والسلطة الفلسطينية بشكل عميق منذ اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2017، ومع استمرار الشكوك الفلسطينية في أن الولايات المتحدة ستحاول استخدام الحزمة الاقتصادية التي كشف عنها كوشنر في البحرين، والتي تبلغ تكلفتها 50 مليار دولار للضغط على الفلسطينيين لقبول خطة سياسية تقلل من طموحاتهم الوطنية، فرض الفلسطينيون ضغطًا كبيرًا على الدول العربية للحد من مشاركتها [في المؤتمر].

شكّلت النتيجة خيبة أمل مزدوجة مقارنة بما كانت تأمله الولايات المتحدة: حضور كبير من جانب المسؤولين العرب وغياب كامل لممثلي الحكومة الإسرائيلية. قاطع المسئولون الفلسطينيون الحدث بالكامل. وأرسلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وزراء ذوي مسؤوليات اقتصادية، في حين أرسلت مصر والأردن والمغرب مسؤولين من الرتب الدنيا إلى ورشة العمل. وصف فريق الولايات المتحدة قراره بعدم دعوة الحكومة الإسرائيلية للمشاركة بأنه طبيعي، لأنه كان من السابق لأوانه مناقشة كل من القضايا السياسية وتنفيذ الخطة الاقتصادية. لكن نظرًا للالتزام القوي لإدارة ترامب بتوسيع قبول إسرائيل على المستويين الإقليمي والدولي،  كان يمكن أن يكون هذا الخيار فقط نتيجة لرفض المضيفين البحرينيين والمشاركين العرب الآخرين قبول مناقشة القضايا الفلسطينية مع نظرائهم الإسرائيليين من دون حضور الفلسطينيين. وفي هذا المجال، حقّقت المقاطعة الفلسطينية أحد أهدافها.

بقيت دول عربية أخرى، من بينها الكويت وعمان، بعيدة تمامًا. اختارت كلتاهما أسبوع المؤتمر لتوجيه إشارات للفلسطينيين، إذ أصدرت الكويت بيانًا تؤكد فيه التزامها بقضية الدولة الفلسطينية، وأعلنت سلطنة عمان عن قرارها بفتح سفارة لها في رام الله في فلسطين. حتى خالد آل خليفة حرص على استخدام مقابلته التلفزيونية الإسرائيلية للإشارة إلى مبادرة السلام العربية، التي تدعو إلى قيام دولتين على خطوط عام 1967 (خطوط الهدنة من قبل حرب الأيام الستة) كأساس للمشاركة العربية.

من الناحية العملية،  لم ينتج عن المؤتمر إلا القليل: لم يتم الإعلان عن تعهدات بالمساعدة، ولم يتم إنهاء أي من الصفقات أو الاستثمارات لدعم رؤية الـ 50 مليار دولار. وقال مسؤولو إدارة ترامب إن هذا أمر متوقع وإن مثل هذه الإعلانات تأتي فقط في مرحلة لاحقة، عندما يكشفون عن برنامجهم السياسي.

أظهر مؤتمر البحرين ثلاثة عوامل رئيسية في العلاقات الخليجية الإسرائيلية.

أولًا، لا يزال هناك اهتمام بين بعض دول الخليج بتطوير علاقاتها مع إسرائيل ودعم نهج إدارة ترامب في صنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني. [الدول] الأكثر حماسًا -البحرين، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة- هي تلك التي تمنح أولوية أكبر لمواجهة التهديد الذي تشكله إيران في مقابل المحاولات الإضافية لتحسين الوضع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يبدو ميؤوسًا منه. ونظرًا لكون قضية إيران محور تركيزها الرئيسي، فإن رغبتها في التنسيق مع إسرائيل والأهمية التي توليها لدعم إدارة ترامب تساعد في تفسير انفتاحها النسبي على إسرائيل. قطر، التي تسعى لإظهار قيمتها لواشنطن في ضوء التوترات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة -وتواصل العمل كمصدر للأموال وافقت عليه إسرائيل من أجل الإغاثة الاقتصادية في غزة - تذهب أيضًا أبعد من ذلك في إشراك إسرائيل، أكثر من بعض  الدول العربية الأخرى.

ثانيًا، دول الخليج ليست موحدة بشأن القضايا الإسرائيلية الفلسطينية. الكويت تنشز في هذا السياق على وجه الخصوص، حيث تعبر عن عداء للتطبيع مع إسرائيل وإخلاص أكبر للقضية الفلسطينية. أما عمان، التي استضافت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العام الماضي، فهي لا تبتعد عن التعامل مع إسرائيل ولكنها تفضل التّصرف من تلقاء نفسها، بدلًا من أن تكون جزءًا من مجموعة خليجية، وتسعى إلى الحفاظ على دورها كحل بديل محتمل من خلال تعزيز علاقاتها مع السلطة الفلسطينية. تم تسليط الضوء على دور عمان المستقل، إن كان يمكننا قول ذلك، في الأول من يوليو/تموز، عندما أعلن مدير الموساد الإسرائيلي، يوسي كوهين، في خطاب له أن إسرائيل حصلت على موافقة لفتح بعثة دبلوماسية في مسقط، وهو إعلان نفته الحكومة العمانية لاحقًا.

ثالثًا، لا يزال عدم إحراز تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية يفرض حدًا أدنى على وتيرة التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل. شكّل الاجتماع الوزاري العربي الإسرائيلي في عاصمة خليجية، مع المقاطعة من قبل الفلسطينيين، جسرًا شديد البعد. لم يتم  تمرير تصفية قضية التطبيع، أو حتى البيانات المحدودة عن العداء المتناقص، إلى الجماهير العربية الخليجية بما يكفي لتشجيع الحكام على التحرك بالسرعة التي ترغب بها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. النخب جاهزة، لكن الشعوب ليست كذلك

 إشارات التطبيع لا تتقدم أيضًا في مصر والأردن، وهما شريكتان رئيسيتان لا ترغب دول الخليج في تقويض استقرارهما. كل ذلك يشير إلى إمكانية تعطيل مكاسب التطبيع، التي تحققت بين الخليج وإسرائيل، في حال ظلّت العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية مجمدة، أو حتى يمكن عكسها في حال تدهور العلاقات.

هذا يعني أن الولايات المتحدة وإسرائيل تحتاجان إلى تقييم تأثير تحركاتهما القادمة بحذر. حتى الآن، لم يتم تقديم نهج أميركي أو إسرائيلي تجاه قضايا الوضع النهائي الإسرائيلي الفلسطيني لدول الخليج إو إجبارها على الاستجابة له. لم يكن لمصادر التوتر مع الفلسطينيين، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أو قطع المساعدات وتحويل الضرائب إلى السلطة الفلسطينية تأثير يُذكّر على مواقف الخليج. لكن  سيتم بقوة اختبار آرائهم واستعدادهم للمضي قُدُمًا في علاقاتهم مع إسرائيل بشأن قرارهم التفاعل مع خطة ترامب السياسية التي لا تنص على قيام دولة للفلسطينيين أو بقرار إسرائيلي بالمضي قدماً في ضم أجزاء من الضفة الغربية، والتوقيت الذي سيختاروه للقيام بذلك.

 تخبرنا قمة البحرين أنه في ظل ظروف مماثلة، ليس من المؤكد أن تشعر دول الخليج بأنه يمكن لها المضي قُدُمًا في اتجاهها الأخير المتمثل بتوثيق العلاقات مع إسرائيل.

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus