على هامش هدم مبنى صحيفة الوسط.. ماذا تبقّى من كذبة المشروع الإصلاحي؟
2019-06-11 - 3:40 ص
مرآة البحرين (خاص): صباح اليوم 10 يونيو 2019، طويت الصفحة الأخيرة لصحيفة «الوسط» البحرينية، هُدم مبنى تحريرها الواقع في شارع البديع بعد أن ظلّ صامداً منذ إغلاق السلطات للصحيفة في 5 يونيو/ حزيران 2017، طُمس أثر هذه المؤسسة كما طمس أثر كل شيء ينبئ عن حياة أو صوت أو رأي داخل البحرين، اليوم هدم بناءً كان يضج بحركة المحررين وضوضاء الأخبار، لم يبق من الوسط الآن غير أرشيف إلكتروني يؤمل أن لا تطاله يد العبث الطامسة أيضاً.
وفيما عدا صحيفة «الوقت» قصيرة العمر (2006-2010)، فإن «الوسط» تعدّ المؤسسة الصحافية المستقلة الوحيدة في البحرين، حيث يتقاسم الديوان الملكي وديوان رئيس الوزراء الصحف الأربع اليومية.
عملت الوسط لمدة 15 عاماً منذ بدء تأسيسها في 2002 إبّان ما سمي بالمشروع الإصلاحي، قدّمت نفسها كصوت مستقل عن صوت السلطة وأكثر قرباً للناس، امتنعت أن تكون بوقاً للسلطة أو أن تتماهى مع خطابها كباقي الصحف البحرينية، ورفضت أن تنخرط في الردح الصحافي الذي صار وظيفة الصحافة الرسمية في البلاد، وظلت شاهدة على معاناة الناس وهمومهم المعيشية واليومية، كل ذلك جعل منها صوتاً مزعجاً ومربكاً للسلطة، لكن تغطية «الوسط» لأحداث الشارع منذ اندلاع احتجاجات فبراير 2011 وانفرادها بنقل ما أرادت السلطة إخفاؤه والتعتيم عليه، كان هوالأشدّ إزعاجاً للسلطة، ما جعلها تستهدفها بأكثر من طريقة.
وبحسب تقرير البحوث والدراسات الاستشارية (بارك) الذي يتخذ من دبي مقراً له، فإن «الوسط» هي الأولى انتشاراً وتأثيراً في البحرين (2012)، فيما صنّفها "مؤشر المصداقية الإعلامية" الصادر عن مؤسسة القرن المقبل في لندن بتاريخ 5 مايو 2012 بأنها الأعلى في مؤشر المصداقية للعام 2012.
وفي 22 نوفمبر 2011 حاز رئيس تحريرها الدكتور منصور الجمري على الجائزة الدولية لحرية الصحافة للعام 2011 (لجنة حماية الصحفيين - نيويورك)، وفي 5 مايو 2012 حاز رئيس للتحرير على جائزة "تحقيق السلام من خلال الإعلام" للعام 2012 (المجلس العالمي للصحافة - لندن).
لكن في البحرين، يعمل مؤشر المصداقية بشكل مختلف، تصطدم المصداقية مباشرة بالسلطة، لهذا لم يتوقف التحريض على «الوسط» يوما منذ اندلاع الاحتجاجات في 2011، كانت الصحيفة ورئيس تحريرها وطاقم عملها، عرضة للاستهداف من قبل قوات الأمن، ومغردين تابعين للنظام في وسائل التواصل الاجتماعي.
ففي 15 مارس 2011 هاجم مجهولون مطبعة الصحيفة على شارع الاستقلال وترويع الموظفين وإلحاق أضرار بالغة بمكنة الطباعة، وكان المهاجمون يحملون معهم الفؤوس والعصي ويبحثون عن الموظفين البحرينيين في المطبعة لإلحاق الأذى بهم.
وفي 3 أبريل/نيسان 2011 تعرضت الصحيفة لإيقاف قسري مع أخذ الجيش لزمام الأمور في البلاد، وعادت بعد يوم واحد إثر تسوية أفضت إلى إبعاد مؤقت لرئيس تحريرها وطاقمه الإداري بعد اتهامها ببث أخبار كاذبة، ولاحقاً في 6 أغسطس/آب 2015 تعرضت الصحيفة للإيقاف بقرار من هيئة شئون الإعلام لمدة يومين، بسبب "مخالفتها القانون وتكرار نشر وبث ما يثير الفرقة بالمجتمع ويؤثر على علاقات البحرين بالدول الأخرى".
كما شهد العام 2017 إيقافا مؤقتا لصحيفة الوسط إلكترونيا (16 يناير/كانون الثاني 2017)، بعد نشرها صور 3 شبان تم إعدامهم رميا بالرصاص (الشاب عباس السميع، الشاب علي السنكيس، الشاب سامي مشيمع)، خلافا للتعليمات التي تلقتها الصحف المرخصة في البلاد.
لكن الصحيفة عادت بعد أيام معدودة (19 يناير/كانون الثاني 2017) للنشر الإلكتروني، إثر انتقادات من الخارجية الأمريكية للقرار، إلا أن أيامها كانت معدودة، بعد قرار مبيت بإغلاقها نهائياً في منتصف العام الجاري (4 يونيو/حزيران 2017).
وفي 18 يونيو/حزيران نشرت صحيفة الأيام المملوكة لمستشار الملك الإعلامي نبيل الحمر، خبرا مفاده أن وزارة الإعلام تقدمت بشكوى جنائية ضد صحيفة الوسط، وفي 26 يونيو/حزيران قررت الوسط تسريح العاملين فيها، وأبقت على السجل التجاري أملاً في عودة الصحيفة إلى العمل في أي وقت آخر.
ومع مطلع العام 2017 أوقفت السلطات النسخة الإلكترونية «الوسط أونلاين» لثلاثة أيام (16 - 19 يناير/كانون الثاني 2017)، فيما أوقفت الوسط الإلكترونية والورقية في 4 يونيو/حزيران، وما بين الإغلاق الأول والإغلاق الأخير، لم يسلم الطاقم العامل في صحيفة الوسط من الاستهداف، لكنها على الرغم من إغلاقها، تم ترشيحها من قبل مراسلون بلا حدود ضمن 18 مرشحاً لنيل جوائز المنظمة للعام 2017.
لم يكن استهداف «الوسط» وإغلاقها النهائي والأخير في 2017 حدثاً منفصلاً، جاء ضمن سياق حملة قمع واسعة قادتها السلطات لإخماد كل صوت معارض ولجم كل رأي مخالف بشكل حاسم، رافق إغلاقها حملة أمنية أدت لفض اعتصام الدراز بالقوة، وحلّت قضائياً كل من جمعية الوفاق البحرينية المعارضة وجمعية وعد الديمقراطية المعارضة، كما شهدت الفترة ذاتها عودة جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) إلى نشاطه العلني في الاعتقال والتعذيب وتلفيق القضايا للنشطاء والمعارضين، لينطوي بذلك آخر فصل من فصول كذبة المشروع الإصلاحي في البحرين.