» رأي
عشية الحلقة التالية من مسلسل «الحوار»
عبدالهادي خلف - 2012-08-09 - 6:28 ص
عبدالهادي خلف*
بدأت تنازلات المفاوض الفلسطيني في بداية التسعينيات بغواية الوعود الأميركية. ولم يتغير الوضع رغم 20 سنة من التنازلات. يكرر الأميركان اللعبة ذاتها في البحرين. تناسى المفاوض الفلسطيني ضرورة تغيير ميزان القوى قبل التفاوض. كما تناسى أن التنازلات المجانية مهما كانت رمزية تغري الغريم على التشدد. فكلما انخفض سقف المفاوض الفلسطيني، زاد ضغط الأمريكان لخفضه من جديد.
ولقد رأينا هذا المسلسل في البحرين منذ إغواء المعارضة في 2005 بالتخلي عن خط المقاطعة وقبولها بالمشاركة في برلمان تعرف إن لا دور له إلا لتجميل وجه السلطة الخليفية وتسويقها كحليف للولايات المتحدة. نعم ظن طرفٌ أنه “إنتصر” حين وافقت السلطة الخليفية على مطلبه بوقف قانون الأحوال الشخصية. ولكنه نصر كالهزيمة فالقرار حول ذلك القانون ما زال بيد السلطة. وهي تستخدمه لابتزاز المزيد من المواقف المسايرة.
منذ عام2005 كرت سبحة التنازلات على أمل أن يفي الأميركان بوعودهم. واستمر كثيرون أسرى لغواية تلك الوعود فتسابقوا في على تقديم التنازلات الجانية لإثبات مصداقيتهم أمام “الراعي” الأميركي. وكما فعل المفاوض الفلسطيني منذ مفاوضات أوسلو 1992 لم يتوان بعض أصحابنا عن الاستهزاء بكل من طالبهم بالتوقف لالتقاط الأنفاس ومراجعة الحسابات. لقد كانت غواية الوعود الأميركية عارمة. ولم يكن متوقعاً أن يتوقف مسلسل التنازلات المجانية لولا الربيع العربي الذي شجع أطراف المعارضة “غير الرسمية” على دفع البلاد في خضم الربيع العربي.
ومعلومٌ أن مسلسل التنازلات المجانية وصل إلى أوجه في تمجيد خليفة بن سلمان وتقديم الشكر له على دوره في إجراء انتخابات 2010. وهي الانتخابات التي وصل تلاعب السلطة الخليفية بها إلى أسوأ نماذجه. ولكي لا أظلم أحداً لا بد من الإشارة إلى أن تمجيد خليفة بن سلمان جاء متناسقاً مع إستراتيجية تطمينية تبنتها المعارضة الرسمية لتأكيد حسن النوايا ولإثبات أنها، أي المعارضة الرسمية ، هي “غيروغير” وإنها معارضة عاقلة ورزينة تختلف عن المعارضة “غير الرسمية”.
بطبيعة الحال لم تجدِ نفعاً تلك التنازلات المجانية. ولم تحصد المعارضة الرسمية إلا الريح من تمجيد رئيس لوزراء ولا من العبارات اللطيفة الموجهة إلى ولي العهد و “صاحب الجلالة” ووزير البلاط. فهؤلاء يعرفون كما يعرف “الراعي” الأميركي أن المعارضة الرسمية بعد أن قلصت خياراتها السياسية لم يعد أمامها إلا الاستمرار في تقديم التنازلات بدون ثمن سياسي مقابل.
وفوق ذلك يعرف الوسيط/الراعي الأميركي كما تعرف السلطة الخليفية أن التغييرات السياسية الجدية سواء انحصرت في إصلاح النظام السياسي أو تجاوزته إلى استبداله تتطلب تغييراً جديا في ميزان القوى بين المعارضة والسلطة. وهو تغيير لا يمكن أن يتحقق طالما بقيت المعارضة أسيرة إسترتيجية ثبت عقمها منذ 2005.
عن مدونة د.عبد الهادي خلف
*أستاذ علم الاجتماع في جامعة لوند - السويد