قيس علي: زمن التحقيق المحترم في إدارة الجرائم الإلكترونية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

2019-04-22 - 4:52 ص

بقلم: قيس علي

كان الكاتب البريطاني جورج أوريل في تمام الواقعية حين تخيل روايته 1984. دون أن نغوص في التفاصيل الغنية عن التعريف، نكتفي بالإشارة إلى أن وزارة الحقيقة التي ابتكرها الكاتب لتقوم بمعالجة المعلومات وتقويمها بما يتوافق مع أهواء الحزب الحاكم ليست مبالغة، وكذلك أيضاً قدرة الأخ الأكبر، رئيس البلد ومن ورائه الحزب الحاكم على مراقبة المواطنين من خلال أجهزة التلفزيون الموجودة في منازلهم ومن ثم ضبط إيقاع أفكارهم بما يتماشى مع أهواء السلطة أو معاقبتهم إن لم ينصاعوا.
قال التلفزيون لأنه أحدث أوجه التقنية في ذلك الزمن، لكن اليوم، بعد مضي سبعين سنة من عمر الرواية، تقوم إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية في البحرين بذات الفعل ولكن من خلال حواسيب الناس وهواتفها الخلوية. في الواقع أن لهذه الإدارة البارض لأن تتابع حسابات الأولي والتالي وتقوم باستدعائهم كل ما حجو ليهم حجوة. قد لا يكون في الكلام مخالفة للقانون، ولا تعدياً على أحد، ولكن حينما لا يفهم حضرة الضابط ماذا قلت، أو يحس أنه ما قد يحمل على نحو لا يعجبه سوف يستدعيك للتحقيق في "جريمتك الفكرية".
دخول إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية ليس مثل الخروج منها، حين تذهب قد تؤمر بالاعتذار عن ما قلت وسحبه نهائياً، أو قد تؤمر بتغيير مفرداتك وتعابيرك بما يرضي الحكومة شر عنها من الشر. وعادة ما يعلن الناشط في الفضاء الإفتراضي عن بدء مسيرته نحو مبنى التحقيقات، وعن خروجه منه إذا الله كتب ليه طلعة. من خرجوا يقولون عادةً بأن التحقيقات سهالات والعملية سهلة وسلسة وميسرة وراقية ومحترمة وحضارية والأمور طيبة وكلشي أوكي، وأنه والله شربنا شاي ودردشنا شوى عن مضمون التغريدات وهاي هيه.
لا جناح على هؤلاء الناس ولا عتب، خصوصاً من واحد مبسط في نيوزلندا، لأن باختصار يا روح ما بعدك روح، وما من تغريدة تسوى الواحد ياخذ عليها كف أو نايبة. غير أن المؤسف أنه في زمن المحاكمات الجماعية، وأحكام المؤبد وإسقات الجنسيات بالكيلو، صرنا نضطر لأن نعتبر جلسات التقريع ومحاكمة الرأي والفكر قعدات حلوة ووناسة، وبأن الإرهاب التي تمارسه إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية دردشة نقاش وشوية سوالف. الاستدعاءات هاليومين ليست على ارتكاب على ما هو في حكم القانون جنايات، وليست على مشاركة سلمية في مسيرة أو اعتصام، وليس على تعبير عن الرأي كتب في صحيفة تخضع لقانون صحافة دخير بالله، الاستدعاء اليوم هو على الهدرة الزايدة في السوشال ميديا، ولكي الواحد يستر على روحه لازم إذا جته القرصة يقول إنها مزحة.

والحق، عن الحلال والحرام، ترى الحكومة وفي ظل مشروع الملك الإصلاحي، ما قالت لا تعترضون ولا تختلفون. لكن كل ما في الأمر أنها تحب أن تنظم شلون الواحد يتحجى، لكي تعترض عليك أن تعترض كما فعل أحد السماجة ذات يوم. تصيح وتنوح ولكن تقبل في الأخير وتقول حاضر لطويل العطر وطالما هذه رغبتك فلك السمع والطاعة، يمكن في هذه الحالة تطوف ابها، وإن كنت من طائفة ما يمكن يمر عليك واحد منهم ليقول لك إنك مواطن صالح، ما دون ذلك ترقب التلفون من حضرة الضابط مال التغريدات طالما تستخدم حساباتك في قنوات التواصل الإجتماعية في غير نشر صور آخر محلات الهمبرغة في البلد.

*كاتب بحريني مهتم بالشأن العام، مقيم في نيوزيلندا