جيروزاليم بوست: الحاخام في الخليج

جلسة بين  مارك شناير والملك حمد في قصره في البحرين (أرشيف)
جلسة بين مارك شناير والملك حمد في قصره في البحرين (أرشيف)

جيدي غرينشتاين - صحيفة جيروزاليم بوست - 2019-04-03 - 8:32 م

ترجمة مرآة البحرين

مع اضطراب الشّرق الأوسط، تبحث إسرائيل والدّول العربية في الخليج عن أرضية مشتركة في محاولة لتعزيز العلاقات وإقامة علاقات دبلوماسية في نهاية المطاف.

وفي حين يغامر السّياسيون الإسرائيليون بالدّخول إلى دول الخليج، أو الاجتماع مع الزّعماء العرب في جميع أنحاء العالم، وكان [آخر هذه الاجتماعات] في وارسو، على مدى 15 عامًا، كان هناك رجل واحد قام دائمًا ببناء هذه الجسور نيابة عن إسرائيل والشّعب اليهودي في السّعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة،  وجعل من المستحيل أمرًا ممكنًا.

إنّه الحاخام مارك شناير، البالغ من العمر ستين عامًا، وقد التقى بملوك وأمراء ووزراء حكوميين حاملًا أجندة سلام ومصالحة بين اليهود والمسلمين في أرجاء العالم.

كيف أصبح الحاخام الأرثوذكسي، من مدينة هامبتون الشّديدة الأناقة، الملأى بالمشاهير، "الحاخام في الخليج"؟ يتميز مارك شناير بمزيج من الرؤية والمثابرة والعزيمة، بالإضافة إلى شدة الجرأة. ركّزت مؤسسة التفاهم العرقي، التي أسّسها في العام 1989، على سد الفجوة بين الأفريقيين الأمريكيين واليهود في الأساس، لكن على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية، أصبحت هذه المنظمة العنوان العالمي للعلاقات الإسلامية-اليهودية. وتمّ إيضاح وجهة نظره في كتاب شارك في تأليفه مع الإمام علي شمسي، بعنوان "أبناء إبراهيم"، والذي حظي بدعم الملك محمد السادس، ملك المغرب.

يسلط الكتاب الضّوء على الكيفية التي تبنى بها المؤلفان نسختهم التعدّدية للإيمان. وتبادل الاثنان وجهة نظرهما مع الجماهير، ليس فقط في الولايات المتحدة بل في بلاد إسلامية بما في ذلك أندونيسيا وأذربيجان وقطر.

كرائد في العلاقات بين المسلمين واليهود، اتخذ الحاخام مارك شناير موقفًا قويًا، ليس فقط لصالح إسرائيل، ونيابة عن الشّعب اليهودي، بل أيضًا ضد الإسلاموفوبيا والتعصب ضد المسلمين. وقد تولى أدوارًا قيادية في الموسم السّنوي للتّوأمة بين المساجد والمعابد اليهودية في أرجاء العالم؛ حملة المسلمين ضد معاداة السّامية؛ الاجتماعات السّنوية لتجمع الزّعماء المسلمين واليهود الأوروبيين في باريس وبروكسل؛ بعثات متعددة للوحدة إلى الولايات المتحدة ضمت زعماء مسلمين ويهود من أوروبا وأميركا الشمالية والنصف الجنوبي من الكرة الأرضية؛ وفي القمة التي عُقِدت في شمال أميركا بين الحاخامات والأئمة المسلمين في نيويورك في العام 2007.

جهوده هذه منحته شرف أن يصبح الزعيم اليهودي الأول الذي يُمنَح لقب المارشال الكبير في استعراض يوم المسلم الأميركي في العام 2017 في نيويورك.

بدأت رحلة شناير في الخليج بمشاركته في المؤتمر الرّائد الذي استضافه الملك عبد الله في السعودية عندما أطلق مبادرة المملكة للأديان في مدريد في العام 2009. بعد ذلك، قدّمه الملك عبد الله إلى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، الذي عرّفه بدوره على أمير قطر، وقدّمه الأخير إلى العائلات الملكية في الإمارات العربية المتحدة. وهو يترأس الآن مجالس غالبية مراكزهم للحوار بين الأديان.

في العقد الماضي، ألقى كلمة في مؤتمرات المركز الدولي للحوار بين الأديان في الدوحة، وكذلك في مؤتمرات عالمية بين الأديان في إسرائيل وأذربيجان وكازاخستان والمغرب وألمانيا وأوكرانيا والنمسا وفرنسا والمملكة المتحدة وبلجيكا والمكسيك والأرجنتين وإسبانيا وإيطاليا.

دعم شناير الصريح لإسرائيل يجعل موقفه فريدًا. تحتل إسرائيل مكانًا بارزًا على جدول أعماله، خاصة حين يتعلق الأمر ببناء علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية وثقافية قوية بين الدولة اليهودية والدول العربية الإسلامية. وهو فخور بشكل خاص بجهوده في تنوير الزعماء المسلمين، خاصة في الدول الخليجية، بشأن أهمية أرض إسرائيل بالنّسبة للدّيانة اليهودية. ويعلق على ذلك "اعتادوا على الميل إلى الفصل بين إسرائيل والدّيانة اليهودية. سيقولون إنه "ليس لدينا شيء ضد اليهود. مشكلتنا مع الإسرائيليين والصّهاينة". هم الآن يدركون أنّ إسرائيل في صميم العقيدة اليهودية، وبالتّالي من المستحيل الفصل بين يهود العالم وإسرائيل".

استخدم شناير قيادته الجماعية ومنبره في كنيس هامبتون لاستضافة رؤساء الدّول والسّياسيين والأكاديميين وغيرهم من الشّخصيات البارزة لتعزيز وجهة نظره. وكوفئ هذا العمل حين دعا الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة أعضاء جماعته [الحاخام شناير] ليكونوا أول بعثة كنيسية تزور المملكة وتجتمع مع أعضاء الطّائفة اليهودية في البلاد. حصلت هذه الرحلة الملفتة في فبراير / شباط 2018، وكانت المحطة الثانية للوفد في إسرائيل، حيث تنبأ شناير في مقابلة على التلفزيون بشأن الرحلة غير الاعتيادية، بإقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والخليج خلال عامين. وقال إن البحرين ستكون الدولة الخليجية الأولى التي تقوم بهذه الخطوة.

بالفعل، بعد شهرين على ذلك، عيّن الملك حمد  والديوان الملكي في البحرين الحاخام شناير مستشارًا خاصًا للملك، ليس فقط في ما يتصل بعلاقاتها مع إسرائيل والشعب اليهودي، بل أيضًا بالحفاظ على الطائفة اليهودية المحلية وتنميتها. وبعد فترة قصيرة، لجأت قطر والإمارات العربية المتحدة لمساعدته في بناء حياة لليهود في بلادهما. وكان مشروعه الأول العمل مع حسن الذوادي، الأمين العام لكأس العالم في قطر في العام 2022، لتأمين طعام الكوشر [الطعام الحلال وفقًا للأحكام اليهودية] في قطر من أجل الألعاب المرموقة.

يتمثل أحد مقاييس نفوذ شناير في أنه تدبر أمر الحفاظ على علاقات ودية مع الفصيلين في مجلس التعاون الخليجي -مع السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة، وقطر التي تدعمها عمان والكويت من الجهة الأخرى. بالفعل، يبدو أن قضايا إسرائيل والعلاقات مع الشّعب اليهودي  تتجاوز كلا جانبي هذا الصّدع.

تجربة شناير تمنحه منظورًا فريدًا حول النقاش الدّائر حول مركزية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بالنسبة لعلاقات إسرائيل مع الدول الخليجية. في افتتاحية له نشرتها صحيفة النيوز ويك في العام 2018، زعم أنّه "بغض النّظر عما نفعله في الشّتات لتحسين العلاقات، لن تتمكن مجتمعاتنا أبدًا من التلاقي كأصدقاء وحلفاء مع استمرار الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني من دون حل". هذا الواقع لافت على الرّغم من "التقاء مصالح [الدّول الخليجية] مع إسرائيل في تعزيز الاستقرار في الشّرق الأوسط بإنهاء خطر إيران". ويلفت إلى أن "عددًا من الإسرائيليين يعتقدون بشكل خاطئ أن زعماء الخليج لم يعودوا مهتمين بشأن الفلسطينيين. وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة".

مع ذلك، الأخبار الجيدة من وجهة نظر إسرائيل هي تغيير مهم في الفروقات الدقيقة. اعتاد شناير سماع زعماء الخليج يقولون "دع الإسرائيليين والفلسطينيين يحلون خلافاتهم ثم اتصل بنا". الآن، يسمعهم يقولون "دع الإسرائيليين والفلسطينيين يتناقشون - وتعالَ في الوقت ذاته لنناقش إقامة العلاقات".

من دون شك، في حين تم الكثير من التّقدم الذي تم إحرازه، إلا أنّ إيجاد حل للقضية الفلسطينية المستعصية أمر ضروري لينجح عمله بشكل كامل.

يتحدث شناير مرارًا وتكرارًا عن الرّغبة الحقيقية لدول الخليج بالحوار بين الأديان ونشاطاته. ويقول إن التّغير في مواقفها يجعل من غير الممكن تفادي التطور في مواقفها تجاه إسرائيل والشعب اليهودي. هذا الاهتمام الجديد ينبع من تهديدين وجوديين: انخفاض الطلب على النفط، ما يجبرها [الدول الخليجية] على تنويع اقتصادها، والتّهديدات الأمنية من قبل إيران في الحرب بين السّنة والشيعة. تدرك دول الخليج أنّه بإمكان إسرائيل مساعدتها في كلتا الحالتين. في الواقع،  كان عدد من زعماء الخليج صريحين جدً في القول له إنه "مع ثروتنا ومصادرنا، وقدرات الأدمغة والتكنولوجيا في إسرائيل، بإمكاننا بناء المنطقة الأقوى في العالم". علاوة على ذلك، تدرك الدول الخليجية أن علاقاتها مع إسرائيل والطائفة اليهودية مفتاح لتحسين التواصل مع إدارة ترامب والكونغرس في الولايات المتحدة الأميركية، ولتعزيز مصداقية وضعها كمجتمعات منفتحة و متسامحة.

قبل عقد من الزمن، أو في جيل سابق، لم يكن ممكنًا تصور بعض القصص التي رواها شناير. خارطته الحالية للطريق تتضمن بناء كنائس وتوفير طعام الكوشر كجزء من جهد مستمر لبناء الجسور بين الأديان الإبراهيمية. مؤخرًا، كضيف في الإمارات العربية المتحدة، انضم إلى زعمائها للتّرحيب بالبابا فرانسيس في شبه الجزيرة العربية، حيث عقد المجلس الإسلامي للشيوخ والبابا فرانسيس المؤتمر العالمي للإخاء البشري في أبو ظبي. كانت هذه الزيارة الأولى لأي بابا مسيحي إلى المنطقة.

خاطب الحاخام شناير هذا المنتدى، بعد أن ألقى خطبة يوم السبت أمام الجالية اليهودية في دبي. كانت نهاية أسبوع تاريخية من خلال الاحتفال بالاعتراف الرسمي بالمجتمع اليهودي من قبل المسؤولين الإماراتيين.

هناك آفاق جديدة للعلاقات المستقبلية مع إسرائيل. يتشارك زعماء الخليج اهتمامهم الغالب  ورغبتهم الحقيقية في جعل الأمر يحدث. إنهم يربطون العلاقات الدبلوماسية بالفوز، إذ سيستفيدون من التكنولوجيا الإسرائيلية، في حين تستفيد إسرائيل من مواردهم الاقتصادية. وهذا ما قاله مسؤول سعودي كبير بصراحة شناير: " تعرف المملكة أن إسرائيل جزء لا يتجزأ في تحقيق مخططها الاقتصادي للعام 2030".

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus