فخريّة وزكيّة واليُتم المُضاعف.. قبران وشاهدان

2019-03-16 - 3:28 ص

مرآة البحرين (خاص): في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، توفيت الشابة ضويّة السيد علوي من قرية البلاد القديم، وخلّفت وراءها حسن وحسين توأمين يبلغان من العمر عاماً واحدًا فقط.
مساء أمس الأول الأربعاء 13 مارس 2019، توفيت فخرية السيد علوي من قرية البلاد القديم، وهي تنتظر ابنيّ أختها حسن وحسين على أمل أن يخرجا من السجن الذي يمكثان فيه منذ نحو سبع سنين، ماتت وهي تقول بأمل إنها بدأت إدّخار مالٍ ليكون مهراً لزواج كل منهما.
كيف حال حسن وحسين الآن؟، لا يمكن تصوّر ذلك الحزن، والمرارة القاتلة خلف القضبان، حسن مضى على بقائه في السجن سبع سنين وبقيت ثلاث سنوات من حكمه البالغ عشر سنين لكي يرى الحرية، وأما حسين فإنه محكوم بما لا يقل عن ثلاثين عاماً من السجن.

حسن وحسين ما شاء الله
هذا ما يمكن تسميته باليتم المضاعف الذي يشعر به سجينان يتيمان، لم يريا أمهما سوى في الصور، وكانت لهما خالتهما فخرية (55 عاماً) بعدها كالأم الرؤوم، رعتهما وأحبتهما من كل قلبها، حتى إنها أحبت كل السجناء الذين يمكثون مع ابنيّ أختها في ذات الزنزانة في سجن جوّ. فاضت عليهم جميعًا بالحب، تعرفت على عوائلهم وزارت منازلهم واهتمت بتفاصيل أحوالهم، تلقت اتصالات من هؤلاء المعتقلين الذين دهشوا من عظمة قلب هذه المرأة ومحبتها الكبيرة، لقد اهتمت بهم قدر إمكانها وليس فقط ابنيّ أختها.
لقد فوجىء حسن وحسين أنها مريضة إلى هذا الحد، حدّ أن تموت وتغادر حياتهما، ذلك لأنها حاولت قدر الإمكان خلال الزيارات إخفاء مرضها عنهما، يكفي أنهما في السجن، كانت تقول ذلك، لم ترغب أن تكون لهما سوى مصدر سعادة وفرح وأمل وعطاء.
توفيت الممرضة التي عملت لمدة ثلاثة وثلاثين عامًا في القطاع الصحي بكل إخلاص، حتى نعاها كل من عمل معها من أطباء وفنيين وممرضين، ماتت وهي تنتظر اليتيمين اللذين رعتهما، وكانت تنتظر أيضاً ثلاثة معتقلين آخرين ( أبناء الحاج سعيد منسي) وهم أبناء إحدى أخواتها التي تسكن بالقرب.
هكذا فقد حسن وحسين المرأة التي وهبت لهما كل الحب والحنان، بل إنهما كانا في صغرهما يظنان أنها هي أمهما، حتى عرفا للمرة الأولى أنهما يتيمان، لقد ذاقا أمس الأول اليتم للمرة الثانية، هذا هو اليتم المضاعف الذي يتكرر معه شعور أعمق بالفقد والخسارة.
حسن وحسين وهما من عائلة (ما شاء الله) التي فرحت مؤخراً بالإفراج عن عمتهما المعتقلة فوزية ما شاء الله، طلبا شيئاً واحداً بعد أن سمعا بالخبر المفجع، طلبا أن تدفن خالتهما فخرية داخل قبر أمهما أختها ضويّة السيد علوي، وقد تم دفنها في قبر مجاور لقبر أختها ضوّية وقبر أبيها السيد علوي.
حكاية المرحومة فخرية التي تشهد قريتها البلاد القديم مجلس عزائها هذه الأيام ليست الوحيدة، هناك قصة أخرى لكنها معكوسة، هذه المرّة الأيتام ينتظرون خارج السجن، والخالة التي كانت الكافلة والمربيّة داخل السجن، إنها حكاية زكية البربوري المعتقلة التي تنتمي لقرية النويدرات.
زكية البربوي، المهندسة العاطلة عن العمل، حالها كحال البحرينيات المهمّشات في وطنهن، ممن لا تعرفهن صاحبة السمو وحاشيتها في المجلس الأعلى للمرأة.
في العام 2012، وقع حادث سيارة توفيت على أثره حليمة البربوري، كان يصادف ذلك اليوم السادس من شهر محرّم، تضاعفت الأحزان على عائلتها، وقد أصيبت معها أختها زكية في الحادث، وخلّفت حليمة وراءها ثلاثة أطفال صغار وابنة واحدة هي الكبرى بينهم.
بعد أن خرجت من المستشفى إثر ذلك الحادث، وهبت زكيّة حياتها لتربية فاطمة ابنة اختها وأخوتها الثلاثة الصغار، اعتنت بكل تفاصيلهم الصغيرة والكبيرة، كانوا معها صباحاً ومساء، تقوم بكل مهام الأم لهم.
فجر الخميس 17 مايو/ أيار 2018 داهمت قوة كوماندوز معززة بقوات شرطة منزل العائلة في النويدرات، وتم اعتقال زكية البربوري (28 عامًا)، وابنة اختها الراحلة فاطمة، كانت صدمة كبيرة جداً، استيقظ الأطفال الثلاثة ليعرفوا أن قوات الأمن اعتقلت خالتهم وأختهم الكبرى.

أيتام المرحومة حليمة البربوري ينتظرون خالتهم زكية
اختفت الفتاة وخالتها، تم سجن كل منهما في سجن انفرادي، بعد أكثر من عشرين يومًا سمعت العائلة صوتهما الضعيف عبر اتصال يتيم: نحن في السجن.
بعد شهر ونصف تم الإفراج عن فاطمة، لكن زكية ظلّت معتقلة، تعرضت لتعذيب مريع، هزل جسمها تماما وفقدت الكثير من وزنها، تم اتهامها بالتهم القاسية المكرّر: استلام أموال من إيران.. الخ، قررت النيابة سجنها ثلاثين يوماً على ذمة القضية، منعت من لقاء محاميها.
يوم الأربعاء 6 فبراير/شباط 2019 قضت محكمة بسجن زكية البربوري 5 سنوات مع إسقاط جنسيتها. هكذا يذوق كلّ من فاطمة وإخوتها الثلاثة كل يوم طعم اليتم المضاعف، فقد السند الأكبر، الشعور بالركن المهدوم داخل الروح، الأم حليمة توفيت منذ سنوات، والخالة الكافلة المحبّة خلف القضبان.
رغم كل الألم، لكنه انتظار سوف يكلل باللقاء بين زكية وأيتام أختها الأربعة، قد تحضر زفافهم، وتعتني بهم مجدداً، وتحمل أولادهم، أمّا حسن وحسين ما شاء الله، فإنهما لن يجدا سوى قبرين متجاورين يزورانهما، قبران وشاهدان.