الخطوات الأربع لإخراج المعارضة من (المولد بلا حمص)
فيصل المالكي - 2012-07-30 - 10:38 ص
فيصل المالكي*
يُجْمع البحرينيون كلهم حتى (موالاة النخاع) على أن بلدهم تشهد كل عقد من الزمن حركة وطنية، تأخذ شكلاً احتجاجياً ترفع من خلاله إما مطالب سياسية أو حقوقية أو معيشية أو هي مجتمعة، وهذا ما قاله على سبيل المثال (تجمع الوحدة الوطنية) في مؤتمره العام الذي عقد في 30يونيو2012م: " إن البحرين تواجه في تاريخها الوطني نوعاً من الهبات الوطنية بمعدل مرة كل عشرة أعوام".
وكذلك يجمع البحرينيون على أنه برغم تلك المطالبات المديدة والمكررة إلا أن شيئاً منها لم يُجَبْ بعد. فهل يخطر ببال أحد أن المطالبة بمجلس تشريعي منتخب كامل الصلاحيات كانت منذ عشرينيات القرن الماضي وإلى اليوم لم يتحقق!
إن ذلك يدعونا للتساؤل: أين المشكلة تحديداً؟
بطبيعة الحال لا يمكن لأي نظام ديكتاتوري مطلق اليد على النفوذ والثروة -كما هو في البحرين- أن يأتي في هيئة ملاك أبيض ويتبرع للشعب بديمقراطية (كاملة الدسم)، وإنما يقاتل حتى آخر نفس من أجل أن يبقى الناس عنده رعايا. وعليه فإن المتوقع دائماً أن يُفشِل النظام كل المطالبات ليبقى شكل الحكم قائماً على الهبات والعطايا فقط.
لو استقرأنا تاريخ النضال الشعبي ضد الحكم في البحرين، لوجدنا أنه يمر –غالباً- بأربع مراحل هي كالتالي:
البدء بمطالبات شعبية.
فرض الخيار الأمني من جانب السلطة.
مجيء دور الحل السياسي.
إعطاء المعارضة ذات العناوين التي تطالب بها، بعد إفراغها من محتواها.
لنضرب مثالاً واحداً ثم أترك القياس عليه للقارئ، وهو انتفاضة التسعينات: حيث بدأت الجماهير بالمطالبة بمجلس تشريعي منتخب، حتى لأنك -ومن شدة تشربها ذاك المطلب- أينما تولِّ وجهك آنذاك تقرأ على جدران مناطق البحرين ذات الثقل المعارض شعار (البرلمان هو الحل). ثم فرض النظام الحل الأمني كعادته فاعتقل قادة المعارضة وآلاف الناشطين وغير الناشطين، وهجَّر بعضهم وقتل آخرين وجرح المئات، وتم فصل عدد من أعمالهم ومن مقاعد دراستهم وغيرها من أساليب التنكيل، واستمر في ذلك قرابة السنوات الخمس. وبعدها اتخذ خطوات إجرائية في سياق الحل السياسي –من منظوره- أفضت إلى برلمان لم تستطع المعارضة التعايش مع ماهيته الغريبة العجيبة فقاطعته مرة، وشاركت أخرى، وانسحبت منه ثالثة، والسبب في عدم قدرتها على التعايش مع هذا البرلمان أنه أُفرغ من محتواه، وهذا ما عبر عنه قائد المعارضة في حقبة التسعينات الشيخ عبد الأمير الجمري (رحمه الله) في خطاب اعتزاله العمل السياسي حين قال: "ليس هذا هو البرلمان الذي ناضلنا من أجله".
إذاً وطوال تلك العقود فإن أحد أهم أسباب المشكلة هو قبول المعارضة بالحل المنقوص، إما لتعب أقطابها أو حرصاً منها على وضع حد لمعاناة الناس وهي القريبة من جراحهم أو لأسباب أخرى، فإنها في المحصلة النهائية تقبل بحل ترقيعي يختم نضال كل حقبة لكنه لا ينهي المشكلة الأساس، وليس هنا محل فحص قبولها إنْ كانت مقتنعة أم مضطرة أم مغشوشة، المهم أن النظام بعد ذلك يلتف على المطالب ويقوم بتهدئة الخواطر في الحد الأقصى ليبقى الناس في خانة الرعايا من جديد.
المتوقع الآن في هذه الثورة الأخيرة أيضاً أن يسلك النظام ذات الخطوات الأربع لإخراج المعارضة من (المولد بلا حمص)، فبعد أن فرغت الثورة من تثبيت مطالبها نظرياً، أدخل النظام البلد في حالة أمنية رهيبة لا داعي لتذكر أو ذكر تفاصيلها لما كتب عنها، ولأن الجميع يعيش في أتونها أصلاً، ومنذ قرابة السنة والنظام يحاول أن يلج في المرحلة السياسية ليعطي المعارضة عناوين بلا محتوى، فتراه ينصب فخ الدعوة لحوار التوافق الوطني، أو الترغيب في تعديلات دستورية صورية أو غيرها، ليضع بذلك نهاية لهذه الأزمة المضنية له، لكن المعارضة -وإلى الآن- يبدو أنها تعي هذه اللعبة ولم تنجر إليها، وهذا ما يغيظ الحكم والموالاة معاً.
إذاً المطلوب هو أن لا تتعجل المعارضة في الاستجابة لأي نداء، إلا بعد التأكد من الضمانات التي طالما تحدثت عنها هي، خاصة وأن أكثر ما يزعج هو ضغط الجانب الأمني، وهو إذا ما قيس بالمستقبل الدائم للبلد، فإنه يمكن الصبر عليه وتحمله، وإلا سوف نحصل على مملكة دستورية -لمن يطالب بها طبعاً- مفرغة المحتوى كما في التجارب السابقة.
وفي حال زيادة الضغوط على المعارضة من أجل القبول بالحل المنقوص، أن تنأى بنفسها عنه؛ لئلا تتحمل المسئولية التاريخة في تسوية مريضة وغير عادلة؛ لأن الحق حينها سيظل قائماً وإنْ سُلب، والأهم أن لا نتنازل عنه مختارين ليظل معلقاً في عنق النظام، فإما يأتي جيل يناله أو يتعب النظام من تهميش الأغلبية المعارضة التي ستواصل إعلان عدم الرضا ولو بالحد الأدنى، فضلاً عن اقتناص أي فرصة للنيل من الحكم ثم نيل الحقوق.
أقول ذلك لأن النظام خلق ومازال يخلق كيانات الهدف منها إرباك الساحة وخلط الأوراق، ولكنه يعلم أن الحل ليس عند صنائعه تلك، وإنما عند المعارضة الساخطة التي لابد من تسوية عادلة معها.
*كاتب من البحرين.