كيف رد علي سيار على المدرس العربي الذي شتم قيادات الهيئة أمام حاكم البحرين؟ درس إلى التونسي كمال الذّيب

كمال الذيب... نموذج لارتزاق المثقف العربي في أروقة الممالك الخليجية وتطويع المفاهيم
كمال الذيب... نموذج لارتزاق المثقف العربي في أروقة الممالك الخليجية وتطويع المفاهيم

2019-01-31 - 2:00 ص

مرآة البحرين (خاص): يمثل مستشار وزارة التربية والتعليم البحرينية، التونسي كمال الذيب صورة نموذجيّة للمجنّس المرتزق المنبوذ. ما هو المجنّس المرتزق؟ ببساطة هو المقيم في غير بلاده الذي يتقن فهم علاقات القوّة القائمة جيّداً ثم يقرّر اللعب عليها والاستفادة منها لصالحه الشخصيّ على حساب مواطني هذا البلد.

هو الذي يشتم أهل الأرض التي يتنعّم بوفير خيراتها ويسب قياداتهم وزعماءهم ليل نهار تحت ذريعة أنهم متخلّفون وذوو خلفيّة دينية. هو الذي يعمل في رأس هرم وزارة طائفيّة بوصفه مستشاراً ثم ينعت ضحايا السياسات الطائفيّة والتمييز الممنهج بالذّات بأنهم هم "طائفيّون". هو الذي يأتي من أقصى الأرض لاجئاً جوعاناً باحثاً عن ملاذ وما إن يتمكّن حتّى يبدأ إعمال قلمه في التحريض على أكثر الفئات تهميشاً واضطهادا في المجتمع الذي استضافه بعد أن حفظ ميزان القوّة جيدا عن ظهر قلب ودرجة ميلانه وصار يدور مداره.

هو الذي يقوم بتكييف مفاهيم الثّقافة ومصطلحاتها وحداثتها من أجل الدفاع عن الحاكمين والتملق الرخيص لهم وتصوير نذالاتهم التي تعتمد على تكريس الامتيازات وتوزيعها على طبقة وحرمان أخرى منها بأنها إنجازات عصرية وإصلاحات تاريخية.

هو الذي يقوم قوله وفعله مقام "الجماعات الوظيفيّة" المستجلبة للقيام بالأعمال المشينة وحرمان أهل البلاد من تحقيق تطلعاتهم في العدالة والمساواة والديمقراطية والعيش الكريم.

وفي الحقيقة، لا يمثّل كمال الذيب حالة فريدة وافدة على الاجتماع البحرينيّ. فقد وجد المرتزقة من أمثاله من بعض المثقفين والمقيمين العرب في تاريخنا على الدّوام. وتفنّنوا في شتْم نضالات الشعب بجميع حركاته قومية ويسارية وإسلامية. مرّة باسم التبعيّة لمصر عبدالناصر ومرّة باسم التبعية للاتحاد السوفييتي ومرّة باسم التبعيّة للوليّ الفقيه. في كلّ مرحلة ثمة ذريعة يتكيء عليها المرتزق لشتم الناس الذين يتطلعون إلى غد أفضل في البلاد التي تأويه.

في مقال نشره عميد الصحافة البحرينية علي سيار في صحيفة "الوطن" التي ترأس تحريرها العام 1954 وعبّرت آنذاك عن لسان حال هيئة الاتحاد الوطني، ثم انتهت بانتهائها. حيث سُفّر سيّار إلى الكويت، وزعماء الهيئة الأربعة إلى "سانت هيلانة". في هذا المقال عبّر سيار بشكلٍ غاضب مليء بالقهر واللوعة عن واحدة من مفارقات مجتمعنا البحريني الصارخة. وفيه نلمس لوعة سيّار إزاء مدرّس عربي ألقى قصيدة في مجلس حاكم البحرين آنذاك سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، وأعمل فيها السب والشتم في حق قيادات الهيئة العروبيّين المرحومين عبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان.

يقول سيّار إنه اضطرّ إلى "الضغط على أعصابه" حين سمع بما قاله "ذلك الرجل الدنيء أمام حضرة صاحب العظمة ليسبّ هذا الشعب المكافح المناضل، وليشتم زعماءه وقادته في قصيدة ركيكة قذرة". وزاد سيار واصفاً إياه بـالعديد من النعوت الشديدة مثل "النذالة" و"السفالة" و"الانحطاط" و"التملق" و"القذارة" و"الصوت الناشز" و"الدنيء" و"الرخيص".

هذه كلمات أحد أبرز معتنقي الفكر القومي في البحرين والخليج ومؤسسّي الصحافة في البحرين. وهي تنطبق تماماً على كمال الذيب وأمثاله ممن يجري توظيفهم اليوم للعب نفس الدّور الذي لعبه المدرس اللبناني. لنقرأ معاً مقال علي سيار الذي كتبه في زاويته اليومية "نقاط فوق الحروف" كاملاً:

"أمر يدعو إلى أكثر من الدهشة وأكثر من الاستغراب. أمر لا أجد ما أصفه به إلا أنها نذالة وسفالة وانحطاط وتملق رخيص واستجداء ذليل، شيء لا يصدر إلا عن نفس مريضة لا تعرف معنى الكرامة ولا تعرف معنى عزة النفس.

أما في هذه المناسبة بالذات فسأكتب - وأنا أضغط أعصابي - عن ذلك الرجل الدنيء الذي وقف ذات يوم أمام حضرة صاحب العظمة ليسبّ هذا الشعب المكافح المناضل. وليشتم زعماءه وقادته في قصيدة ركيكة قذرة، وليقبض بعد ذلك المكافأة التي يستحقها.

ويقولون إن هذا الرجل لبناني، وأكثر من ذلك يقولون عنه بأنه مدرس في معارف حكومة البحرين، يدرس أبناءنا ويثقف عقولهم ويفتتح لهم طريق الحياة.

إن اللبنانيين إخواننا وأحبابنا لأنهم عرب مثلنا، ولأنهم جزء من كيان الأمة العربية، ولأنهم خاضوا ذات يوم ثورة دامية من أجل تحرير بلادهم، ومن أجل رفع أغلال العبودية والاسترقاق عن كواهلهم.

وليس بعجيب والأمر كذلك أن نحبهم ويحبوننا، وليس بغريب أن نجد فيهم الكثير من أصدقائنا، ولكن الغريب أن يرتفع من بينهم صوت ناشز يسب ويلعن.

إنه لا يلعن الاستعمار، ولا يسب اليهود ولا يشتم الرجعية، ولكنه يسبنا في وضح النهار، ويشتم قادتنا وزعماءنا، ويسمي هذا الشعب، شعب البحرين الذين استضافه، يسميه غبياً أبلهاً لأنه ارتضى للشملان أن يقوده.. وللباكر أن يمسك بقياده.

وأمام من كان يقول هذا الكلام؟ أمام صاحب العظمة الذي يحكم هذا الشعب.

لقد كنا نفخر بهذه الشتيمة وهذا السباب لو جاءنا من تل أبيب، أو جاءنا من أبواق الاستعمار؛ أما أن نشتم في أرضنا وأمام حاكمنا من قبل شخص عربي المفروض فيه أن يكون عوناً لنا على الاستعمار، وعوناً لنا على الرجعية، فأمر يدعو إلى أكثر من الدهشة وأكثر من الاستغراب.

أمر لا أجد ما أصفه به إلا أنها نذالة وسفالة وانحطاط وتملق رخيص واستجداء ذليل، شيء لا يصدر إلا عن نفس مريضة لا تعرف معنى الكرامة ولا تعرف معنى عزة النفس.

إنني لن أضيف شيئاً إلى ذلك ولكنني سأرقب وأنتظر، سأرقب ماذا سيعمل إخواننا اللبنانيون الذين يعيشون بيننا في سلام ووئام، والذين نكن لهم في قلوبنا ما يكنه الأخ لأخيه والصديق لصديقه. إن منهم الكثير من أصدقائي وإخواني، ولذلك سأنتظر ماذا يقوله هؤلاء الأصدقاء والإخوان.

وهمسة أخيرة: إن لبنان لم يبعث هؤلاء المدرسين إلينا ليسبوننا أمام حاكمنا، ولكنه يبعثهم ليثقفوا أبناءنا ويلعموهم. إذا كان هذا هو مقدار العلم الذي اكتسبوه، فإن لنا كلمة أخرى، وأنا في انتظار تعليق أصدقائي اللبنانيين".

- علي سيار

عمود "نقاط فوق الحروف"

صحيفة "الوطن"، 1954

ـــ صورة من صحيفة "الوطن" التي كان يترأس تحريرها علي سيار، 1954