الثورة مستمرة: هل هناك خوف من إخماد الثورة البحرينية؟
فيصل المالكي - 2012-07-23 - 1:09 م
فيصل المالكي*
كثيراً ما نسمع تخوفاً من أن يتم إخماد الثورة في البحرين، ثم يعود الوضع فيها إلى المربع الأول، ويشير من يبدي هذا التخوف أنه لم تعد مظاهر الاحتجاجات الشعبية في الشارع كما السابق، في كمها العددي كفعالية، وكمها العددي كمشاركين فيها قياساً بما بعد ما سمي بالسلامة الوطنية.
إنني أعتقد ابتداء أن تقلص عدد المظاهر الاحتجاجية صحيح في الجملة ولا يمكن إنكاره البتة، والحديث ليس في إثبات ذلك وإنما في الوقوف على سببيه الرئيسيين:
الأول: طالت يد النظام آلافاً من الناشطين من مختلف صفوف الحركة المطلبية، وأصدر قضاؤه على مئات منهم أحكاماً ظالمة قاسية وصل بعضها إلى السجن مدى الحياة والمؤبد، مما أوجد بعض الفراغات في الساحة إن على مستوى القيادة العامة للحركة ممثلة في القيادات الحقوقية والعمالية والسياسية كما في زعماء أهم التيارات النضالية في البحرين وهم الأمناء العامون لتيار الوفاء (الأستاذ عبد الوهاب حسين)، حركة حق (الأستاذ حسن مشيمع)، جمعية وعد (الأستاذ إبراهيم شريف) وجمعية أمل (الشيخ محمد علي المحفوظ)، أو على مستوى القيادات الميدانية التي تحرك الشارع بناء على رؤى الرموز.
الثاني: حجم العنف المستخدم ضد شعب أعزل من قبل أجهزة أمن داخلية وخارجية بل أكثر من جيش نظامي، يؤدي إلى نتيجة حتمية إلى انخفاض عدد المظاهرات وانخفاض عدد المشاركين فيها، فهناك من التقارير ما يشير إلى أن أجهزة الأمن البحريني وحدها يعمل فيها أكثر من 35 جنسية من دول العالم، فضلاً عن تضافر الجيش وجهاز الأمن الوطني والداخلية والمخابرات واستخدمها جميعاً للأسلحة المحرمة دولياً وبشكل لا يمت للأخلاق بصلة كضرب المشاركين وغير المشاركين، وإلقاء الغازات السامة على البيوت وعدم الاكتراث بمن فيها من أطفال وعجزة حتى أودت تلك الأسلحة بحياة حوالي تسعين شهيداً.
ولكن السؤال: هل يمكن أن يؤدي السببان الآنفان إلى إخماد الثورة؟
في اعتقادي لا يمكن ذلك، وأدلل على اعتقادي بمجموعة أمور:
الأول: إن النظام في البحرين وإن استطاع أن يقلل حجم الاحتجاج، إلا أنه فشل في إضعاف استعداد الناس في تلبية النداء حال رفعه من قبل القيادات الكبيرة، والتي تعمل على بث روح الثورة من حين لآخر عندما تسلط الضوء على قضية ما وتحدد زماناً ومكاناً للاحتجاج، كما في مسيرتي 9مارس2012م (كانت رداً على حمد بن عيسى حين وصف المعارضة وجماهيرها بالشرذمة)، ومسيرة 18مايو2012م (ضد ضم البحرين للسعودية).
الثاني: لم تعد المظاهرات والاعتصامات هي الساحة الوحيدة التي تعمل عليها المعارضة البحرينية، بل إنها أدخلت النظام في سوح أفقدته كثيراً من مصداقيته وهيبته أمام مواطنيه في الداخل وأمام دول العالم، وما نجاح المعارضة الباهر في (جنيف) أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إبان المراجعة الدورية لملف حقوق الإنسان (21-22مايو2012م) إلا دليل على ذلك، حيث أوصت الدول الأعضاء البحرين بـ 176 توصية كلها تدعو البحرين لاحترام حقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتنفيذ ما جاء في توصيات لجنة د.محمود شريف بسيوني الذي عينه ملك البحرين على رأس لجنة تقصي الحقائق فيما جرى في البحرين.
الثالث: إن الأزمة الكبيرة والشديدة التي حلت على شعب البحرين جعلت من شبابه وشاباته ينخرطون في التدريب والتعليم والممارسة والاشتغال في المجالات الإعلامية والحقوقية والسياسية بما شكل مخزوناً لم تعرف البحرين له نظيراً في تاريخها من حيث عدده وعدته ونوعه، مما يطمئن أن هذا العدد يفوق بكثير عدد المعتقلين والمحكومين بأضعاف ومن المؤمل أن يحترف تلك المجالات في القريب العاجل مما يعيد للثورة زخمها من جديد.
الرابع: هناك مخزون آخر للمعارضة يتواجد في الخارج وهو على مستوى من التعليم والإخلاص للقضية، ويمكن القول إن هذا المخزون يغطي عدداً من أهم دول أوروبا وأمريكا، ويمتد إلى عواصم دول عربية مفتوحة ومؤثرة مثل بيروت وبغداد والقاهرة، وكل هذه الطاقات متواصلة أولاً بأول بفضل ما أتاحته التكنولوجيا لها من سهولة اتصال، ويكفيك أن هذه الشخصيات بدأت تلاحق مسئولي النظام في المحاكم الدولية وتترصدهم في زياراتهم للدول بالتظاهر والاعتصام أمام مقر إقامتهم أو مقر إجراء المحادثات، حتى أن البعض صار يحذر من لقاء المعارضين وجهاً لوجه كما في زيارة الملك حمد بن عيسى لبريطانيا في مناسبة الذكرى السنوية لتتويج ملكة بريطانيا.
وخلاصة القول: إن الثورة في البحرين لن تعود للمربع الأول هذه المرة أبداً، وأنها وقفت على تجارب الماضي كثيراً وبدأت النزال بعزم شديد وإصرار أكيد حتى أن أحد أهم قياداتها أوصى باستمرار النضال حتى نيل المطالب وإنْ رأوه يسحل في شوارع البحرين وأنْ لا يؤثر ذلك على عزيمة المعارضة.
*كاتب من البحرين.